اعتماد سعر الـ15 ألفاً في شباط لإعطاء المصارف والمؤسسات وقتاً للتأقلم… إجراءات لشفط 30 تريليون ليرة من السوق

موريس متى – النهار

دخل لبنان رسميا مرحلة تعديل سعر الصرف الرسمي لليرة للمرة الأولى منذ العام 1992 مع إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن المصرف المركزي سيبدأ العمل بسعر الـ15000 ليرة للدولار من أول شباط 2023، وسيسري هذا القرار على التعميمين 151 و158 بدل الـ 8000 والـ 12000 ليرة.

تركزت كل توصيات التقارير الدولية على أهمية ان يسلك لبنان طريق توحيد سعر الصرف كهدف أساسي بعد ثلاث سنوات على بدء تدهور الليرة التي خسرت أكثر من 95% من قيمتها مع تخطي سعر صرف الدولار في السوق السوداء عتبة الـ 40 ألفاً. وتؤكد مصادر مصرف لبنان ان قرار سلامة في ما يتعلق برفع سعر الصرف الى 15 الف ليرة وتأجيل قرار زيادة السحوبات المصرفية من 8000 و12 الف ليرة للدولار الى 15 الفاً هو لمنح المصارف والشركات والمؤسسات وقتاً للتأقلم مع السعر الجديد، لناحية تأمين الرواتب والاجور والتكاليف واعتماد الآليات الجديدة المطلوبة للتكيف مع هذا القرار.

وفضلاً عن أسعار الصرف الرسمية والموازية في السوق السوداء، أوجدت السلطات النقدية في لبنان العديد من الأسعار خلال الأزمة، منها سعر صرف الدولارات “القديمة” عند السحب بالليرة. وتلفت المصادر نفسها الى ان قرار سلامة هو “خطوة مرحلية قبل التحرير الكامل لسعر الصرف والانتقال الى سعر يناهز المستوى الذي تحدده منصة صيرفة” التي تجمع الجزء الاكبر من العرض والطلب على العملات الاجنبية يوميا، ويراوح سعرها حاليا قرب 30 الف ليرة للدولار الواحد. قرارات الحاكم تأتي ضمن إطار التوجه نحو توحيد أسعار الصرف المتعددة، وهو شرط اساسي لحصول لبنان على اي مساعدة خارجية، وتحديدا اي برنامج تمويل من صندوق النقد الدولي، فيما يبقى الهدف الذهاب الى تحرير كامل للسعر يحدده العرض والطلب. وتوضح مصادر سلامة ايضا ان تأجيل قرار تعديل سعر السحوبات المصرفية وربطها بتعديل سعر الصرف الرسمي حتى شباط المقبل هو لإعطاء المصارف ايضا بعض الوقت لترتيب ميزانياتها للعام الحالي على ان يتم إحتسابها على اساس سعر الصرف الرسمي الحالي، في حين ان تعديل سعر الصرف قبل نهاية العام كان ليحمّلها خسائر كبيرة إضافية، إذ عليها إعادة تقييم أرقامها على اساس السعر الجديد وتسجيل الفروقات بين سعر الصرف الحالي والسعر الجديد على اساس خسائر غير محققة الى حين إيجاد حل للقطاع وخسائره.

أـما مع تأجيل القرار للعام المالي المقبل، فتكون المصارف قد وضعت موازناتها على اساس سعر الصرف الجديد وهذا ما يخفف الفروقات والخسائر الكبيرة. أما بالنسبة الى السحوبات، فتعتبر مصادر مصرفية ان تسديد السحوبات المصرفية الدولارية بالليرة اللبنانية يجب ان يكون بالسعر ذاته لناحية جباية القروض للحد من خسائر فروقات اسعار الصرف، ومن هنا ندخل في شهر شباط المقبل مرحلة تحديد سعر صرف تسديد القروض المصرفية على اساس سعر الصرف الجديد بالتوازي مع تسديد الودائع بالدولار المصرفي على اساس سعر صرف 15 الف ليرة المحدد بالتعميمين 151 و158 بعد تعديلهما، ذلك ان المصارف خسرت، اضافة الى 90% من محفظة سندات اليوروبوندز التي تحملها من جراء تعثّر الحكومة السابقة في تسديد سندات اليوروبوندز في آذار 2020، ما بين 8 و9 مليارات دولار على مراكز القطع بالعملات الأجنبية المفتوحة الصافية، واليوم تخسر المصارف من استيفائها مبالغ بالليرة اللبنانية أو شيكات بالدولار المصرفي كتسديد لقروض دولارية قديمة لتخسر المزيد من رأسمالها بعد تنفيذ رفع سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة.

بالفعل، دخل لبنان مرحلة توحيد أسعار الصرف مرحليا ووصل الى التحرير التام لها لتصبح بعدها “صيرفة” هي التي تحدد السعر، مرورا باعتماد سعر صرف للدولار الجمركي عند 15 الف ليرة والذي يدخل حيز التنفيذ في الاول من كانون الاول المقبل، اي يوم غد الخميس، حيث كشف وزير المال في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل أنه أرسل كتاباً الى مصرف لبنان ليتم اعتماد سعر صرف العملات الاجنبية على اساس 15 ألف ليرة للدولار بالنسبة الى الرسوم والضرائب التي ستستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة اعتباراً من 1-12-2022.

كما يستمر مصرف لبنان بالعمل بالتعاميم السارية المفعول إلا في حال أقر مجلس النواب قانون “الكابيتال كونترول”، عندئذ يلغي “المركزي” كل هذه التعاميم ويصبح القانون الجديد هو المنظم للعلاقة بين المودعين والمصارف. حاليا، يسعى مصرف لبنان لشفط الكمية الاكبر من الليرة اللبنانية من السوق بعدما وصل حجمها الى نحو 70 تريليون ليرة، فيما تؤكد معلومات “النهار” ان المصرف المركزي يسعى من خلال مجموعة من الاجراءات التي ستدخل حيز التنفيذ في الاسابيع المقبلة الى شفط ما يقارب 30 تريليون ليرة من السوق مع توجيه ضربات مفاجئة للمضاربين من خلال التدخل السريع في السوق بالتوازي مع إصدار تعاميم ستحد من ارتفاع الدولار، أقله في المرحلة المقبلة. وتبقى التساؤلات عن قدرة “المركزي” على التدخل في السوق مع تراجع إحتياطاته الاجنبية الى ما يقارب الـ 10.3 مليارات دولار واستنزاف دولارات حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد على شراء الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان.

ولم تستبعد المصارف ان يستخدم “المركزي” بالتنسيق مع وزارة المال أدوات تتعلق بآلية تسديد الرسوم والضرائب لشفط الكمية الاكبر من الليرات من السوق، فالنسبة الى مصرف لبنان ومصادره ممنوع ان نشهد تقلبات كبيرة لسعر الصرف في السوق، وهذا ما يبرر الهوامش الضيقة التي يتحرك ضمنها سعر الدولار في السوق السوداء. وتعود مصادر “المركزي” لتشدد على خطورة الذهاب الى تمويل زيادات رواتب موظفي القطاع العام ثلاثة اضعاف من خلال “الطبع” لانه بذلك يخلق تضخما اكبر من التضخم الناتج عن تراجع سعر صرف الليرة، ليرفض هذا التمويل مصراً على تأمين مداخيل إضافية للدولة لتمويل هذه الزيادات.

Leave A Reply