تجارة الشيكات تنشط والمصارف تشجع المقترضين: “لحقوا حالكن”

سلوى بعلبكي – النهار

انشغل اللبنانيون بإعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بدء العمل بسعر رسمي جديد للدولار الاميركي بدءا من اول شباط المقبل على اساس 15 ألف ليرة بدلا من السعر الـرسمي 1500 ليرة الذي عاش اللبنانيون والاقتصاد في ظله ما يقارب الثلاثة عقود. وكان سبق هذا الاعلان قرار وزارة المال اعتماد سعر الدولار الجمركي على أساس 15 ألف ليرة في مطلع كانون الأول المقبل. وإذا كانت الصورة اصبحت واضحة حيال حتمية ارتفاع اسعار السلع والحاجات مع ارتفاع سعر الدولار الجمركي، فإنها لا تزال ضبابية حيال سعر الصرف الذي سيُعتمد لتسديد القروض الشخصية والسكنية. لذا سارع الكثير من المقترضين بالدولار الى سداد قروضهم تخوفا من قرار قد يُتخذ لدفع مستحقاتهم وفق سعر الصرف الجديد.

إذاً، إعتبارا من أول شباط 2023 ستتغير قواعد المحاسبة وآليات القبض والدفع في المؤسسات والشركات والاسواق اللبنانية، وسيكون سعر صرف الدولار المصرفي مضاعفا 10 مرات سيّد المعاملات المالية ومنها القروض والديون الممنوحة بالدولار الاميركي لدى المؤسسات وفي المصارف. وقد هرع المدينون في الايام الاخيرة، الى محاولة تسديد قروضهم على سعر 1500 ليرة، قبل تفعيل العمل بالتعميم الجديد، لكن بعض المصارف التي كانت استشعرت الامر منذ شهور عدة، توقفت عن قبول تسديد القروض على سعر صرف 1500 ليرة، مشترطة أن يتم ذلك إما عبر الدولار المصرفي (لولار) وإما بالليرة اللبنانية على سعر 8 آلاف ليرة للدولار الواحد، فيما لوحظ أن مصارف أخرى شجعت عملاءها، وحضّتهم على إطفاء ديونهم بواسطة شيك مصرفي، وهو أمر يفيد منه العميل من جهة، حيث يتجنب تصفية ديونه على الـ 15000 ليرة ويحرر “رهنيته”، ويستفيد المصرف من جهة أخرى، بحيث يعزز ملاءته وموازنته، ويتخفف من أثقال محفظة الديون لديه، التي أصيبت أصلا بخسائر كبيرة نتيجة تدهور سعر الصرف.

مصادر مصرفية أكدت لـ”النهار” أن “المصرف المركزي كان قد عمّم على المصارف أن المقترضين (قروض التجزئة) الذين لا تتجاوز قيمة مدفوعاتهم الشهرية الـ 1000 دولار يمكنهم تسديدها على سعر صرف 1500 ليرة حتى الآن، ولا تزال الامور غامضة بالنسبة الى ما قد يُتخذ من قرارات في شأنها في أول شباط. اما إذا كان القسط الشهري فوق الـ 1000 دولار فإنه يمكن دفعه بواسطة شيكات “لولار” قيمتها 17% من قيمة المبلغ الأصلي”.

وفي حين ارتفعت أخيرا نسبة تسديد القروض عبر الكتّاب بالعدل من المقترضين الذين يصرون على تسديد قروضهم على سعر صرف الـ 1500، بعد تمنّع معظم المصارف عن قبولها، وفي حين ان هذه الآلية تُعدّ قانونية، إلا ان ثمة مصارف معنية رفضت تسلّم الأقساط المودعة لدى الكتّاب بالعدل وفضلت اللجوء الى القضاء. وأكدت مصادر مصرفية أن الكثير من المقترضين صرفوا النظر عن هذا التدبير خوفا من أن تربح المصارف الدعاوى، وتاليا عدم تمكنهم من الدفع لاحقا إلا بالدولار وليس اللولار. وإذ لفتت الى أن “معظم قروض التجزئة تم تسديدها”، قدرت حجم الديون المتبقية بنحو 11 مليار دولار من أصل أكثر من 50 مليارا قبل الازمة، موضحة أن معظم القروض التي لا تزال نسبتها كبيرة هي القروض السكنية بالعملة اللبنانية، وهي قروض لم تتأثر بأي سعر صرف. بيد أن مصادر مصرف لبنان قدرت الحجم الاجمالي للقروض في العام 2021 بنحو 20 مليار دولار، ووصلت الى نحو 16 مليارا حتى أيلول 2022، وهو ما يعني أن المقترضين يُقبلون على تسديد قروضهم تحسبا لأي قرارات في تعديل سعر الصرف.

وفي انتظار صدور قرار واضح من مصرف لبنان حيال اي سعر صرف سيُعتمد لتسديد القروض، اكد المتخصص في اجهزة الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها المحامي الدكتور باسكال ضاهر، ان ايفاء المقترض قرضه بعملة العقد مرتبط أصلا قانونا بايفاء الودائع بعملتها. وقال: “لا يجوز وفق الاحكام القانونية، ولمن خالف بشكل واضح قرار مجلس شورى الدولة القاضي بوقف تنفيذ التعميم الذي رخص بالتسديد البدلي والهيركات، ان يحجب الدولار من دون حق عن المودع، ويطالب في المقابل بايفائه من المقترض منه، لا سيما ان القانون اللبناني اخذ بمبدأ عدم التناقض المنصوص عليه في المادة 100 من مجلة الاحكام العدلية المعروف بـ estoppel ومفاده انه لا يجوز لأحد ان يفيد من مخالفته للقانون”. وأضاف انه “لا يجوز ايضا للمصرف ان يمتنع عن قبول الايفاء المسبق لانه وفق احكام قانون الموجبات والعقود فان مهلة الايفاء هي لمصلحة المدين اي المقترض الذي يعود له ان لا يمارس هذه الآلية بالتسديد بشكل مسبق”.

بالعودة الى “الاسس القانونية السليمة”، شدد ضاهر على أن “العقد لا يوفيه قانونا إلا التسديد بعملته سواء اكان عقد قرض أو غيره، ولكن هنا يجب التمعن بالعقد وما اذا كان يوجب في بنوده الايفاء بعملة الدولار الأميركي حصراً او بما يعادل بالليرة اللبنانية، علما أن معظم عقود القروض وردت فيها عبارة “او بما يعادله بالليرة اللبنانية”، وتاليا تنشأ الاشكالية حول هذا البند بأن سعر الصرف الرسمي المعمم والمؤكد عليه من السلطة التشريعية في لبنان هو 1507.5 ليرات بموجب عدد من القوانين كان آخرها القانون الرقم 304 تاريخ 3/11/2022. وتاليا وبارادة المشرع صاحب السلطة، فان هذا السعر هو الرسمي، لا سيما ان المشرع حين يستعمل هذه العبارة تحديدا (اي وفق سعر الصرف الرسمي) ويحدده برقم ما، فإن مدلول هذه العبارة يتخطى حدود النص ليشكل اساس التعامل المالي في البلد، ويكون قد اسقط بارادته كل ما عدا ذلك من قرارات وتعاميم هي ادنى منه مرتبة ضمن نطاق كتلة المشروعية”.

اما بالنسبة الى تحديد سعر الصرف بمبلغ 15 ألف ليرة، فيعتبر ضاهر أنه “اضافة الى مخالفته الاحكام القانونية الواجبة والملزمة والمنصوص عليها في المادتين 2 و229 من قانون النقد والتسليف اللتين تنصان على ان يكون سعر الصرف يوازي سعر السوق الحرة على ان يصدر بقانون يولي امر بيان هذا السعر الى هيئة قانونية ينشئها وتكون مستقلة عن مصرف لبنان الذي منعه القانون من التدخل بأي صفة بسعر الصرف لحمايته من تضارب المصالح، وطالما ان المشرع لم يتدخل حتى هذه الساعة ولم يمارس واجباته، بل على العكس يشرع ويقول ان سعر الصرف الرسمي هو 1507.5 ليرات، فيكون بالنتيجة هذا هو السعر الواجب اعتماده”.

واما اسعار التعاميم فهي برأي ضاهر “مخالفة لقرار مجلس شورى الدولة والدستور والقانون وكل هرم المشروعية في الدولة، اضافة الى الاتفاقات الدولية التي ترى ان الدولار لا يوفيه الا الدولار”، لافتا الى أن التعاميم الصادرة عن “المركزي” هي “لمخاطبة القطاع المصرفي وتنظيمه ولا تتعدى ذلك الى تنظيم الكيان المالي في الجمهورية اللبنانية او الزام الطرف الثالث بقواعد غريبة عن العقد الموقّع بينه وبين المصرف التجاري الذي لم يكن “المركزي” طرفا فيه”.

وشدد على أنه “لا يجوز للحكومة أو لمصرف لبنان ان يحددا سعر الصرف على اي سعر كان، كون هذا الامر منوطا حكماً بالمشرع فقط لا غير، واي تعدٍّ على صلاحية مجلس النواب من الحكومة او المركزي يُعتبر قرارا عديم الوجود لتعديه على صلاحيات ليست له”.

وتحدث عن شراء الشيكات من السوق بهدف تسديد القروض والذي يتم ضمن آلية يعمد خلالها صاحب الحساب المصرفي الى سحب شيك مصرفي من وديعته وبيعه الى صاحب قرض بسعر نقدي أقل من القيمة المحددة في متن الشيك، بما يوازي 12% او 18% او أكثر بقليل من قيمته. وهنا يكون الخاسر الوحيد برأي ضاهر “هو صاحب الوديعة والرابح هو المصرف والمقترض”، معتبرا أن “المصرف هو المستفيد النهائي، على اعتبار أنه هو من يقوم بعملية المقاصة، ويحسم قيمة الشيك برمته من حساب المودع ساحب الشيك”.

Leave A Reply