بريطانيا تواجه عاصفة أزمة الطاقة وسط خطة لإنقاذ الشركات

منذ بدأت تفاصيل خطة حكومة ليز تراس لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة تتسرب شيئاً فشيئاً، يدور الجدل في بريطانيا حول تأثيرها وجدواها في حل أزمة الطاقة في بريطانيا التي تتجاوز حتى دول أوروبا التي تواجه قطع الإمدادات من روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. ومع بدء سريان الزيادة الجديدة في سقف سعر الطاقة للمنازل أول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يتوقع أن تكون خطة الحكومة أمام البرلمان بعد أيام حين يعود للالتئام عقب فترة الحداد على وفاة الملكة إليزابيث الثانية. وذلك حتى تتمكن الحكومة من تفادي ارتفاع كلفة الفواتير لملايين الأسر البريطانية الشهر المقبل بنسبة 80 في المئة، وتلك رابع زيادة في سقف الأسعار تقرها الهيئة المنظمة لسوق الطاقة في بريطانيا “أوفجيم” خلال عام، وبدأ ذلك مطلع العام الماضي، أي قبل الحرب في أوكرانيا بفترة، وتضاعفت أسعار الغاز والكهرباء للاستهلاك المنزلي أكثر من أربعة أضعاف في تلك الفترة. ومن المتوقع أن تجمد الحكومة سقف كلفة الفواتير للاستهلاك المنزلي 2500 جنيه استرليني مايعادل (2900 دولار) حتى موعد الانتخابات العام المقبل مطلع 2024، وأن يكون تجميد سقف كلفة الفواتير للشركات مدة ستة أشهر، على أن تمول الحكومة الخطة بالاقتراض العام وليس من حصيلة فرض ضريبة أرباح على شركات الطاقة.

انتقادات متباينة

على الرغم من ترحيب الجميع بأي تدخل حكومي لتخفيف عبء تكاليف المعيشة المتصاعد على البريطانيين، إلا أن خطة الحكومة تواجه انتقادات من أطراف متعددة، ولا تقتصر الانتقادات على المعارضة من حزب العمال، وإنما تأتي أيضاً من حزب ليز تراس الحاكم، حزب المحافظين. فمن مبادىء الحزب الحفاظ على الحد الأدنى من التدخل الحكومي وتقليل الإنفاق العام، إلى جانب خفض الضرائب وتشجيع القطاع الخاص، يضاف إلى ذلك أن تراس التي كانت سابقاً في حزب الليبراليين الديمقراطيين قبل أن تنضم إلى حزب المحافظين تبدو وكأنها تتراجع 180 درجة عن مبادئها السابقة في معارضة دور أكبر للحكومة.

ومقابل هذا التدخل غير المسبوق في خطة مواجهة أسعار الطاقة، ستعمل حكومة تراس على خفض الضرائب في محاولة للتوازن داخل حزبها، لكن حجم حزمة الإنقاذ لقطاع الطاقة قد يصل إلى أكثر من 200 مليار جنيه استرليني مايعادل (232 مليار دولار) وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الميزانية البريطانية، أما انتقادات المعارضة من حزب العمال وغيره فتركز على أن الحكومة ستمول الخطة بزيادة حجم الدين وعجز الميزانية ما يعني تحميل العبء مستقبلاً على دافعي الضرائب بشكل هائل، وذلك لرفض تراس فرض ضريبة على أرباح شركات الطاقة كما تفعل بقية دول أوروبا.

وهناك انتقادات من اقتصاديين من أطياف مختلفة سواء أكاديمية أو تعمل في السوق، وحتى من رجال أعمال أقرب لحزب المحافظين يرون أن خطة تجميد سقف فواتير الاستهلاك لا تحل أزمة الطاقة في بريطانيا وإنما مجرد “ترقيع” آني مؤقت يهدف إلى كسب حزب المحافظين بعض رضا الناخبين في ظل تراجعه في استطلاعات الرأي أمام حزب العمال المعارض في الآونة الأخيرة.

ويطالب هؤلاء بعملية إعادة هيكلة سريعة وعاجلة لسوق الطاقة إجمالاً في بريطانيا بالتزامن مع عملية تطوير للبنية التحتية لقطاع الطاقة سواء في الإنتاج أو شبكات التوزيع، لكن أهم ما طرح في هذا السياق كان من أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة لندن ساندي بايجر في مقالة له في صحيفة الـ”غارديان” بعنوان حاسم، “الحكومة تتدخل أخيراً لحماية أرباح شركات الطاقة”، وأهم ما في المقالة مطالبته بشركة عامة لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة كالرياح والشمس.

دعم الشركات على حساب دافع الضرائب

ويرى بايجر أن العبرة ليست بحجم خطة الحكومة غير المسبوق، ولكن إلى أين ستذهب الأموال وطريقة تمويلها، فهي في النهاية مئات المليارات لتعويض شركات التوزيع عن الفارق بين سعر الطاقة بالجملة والسعر للمستهلك، أي إن شركات الإنتاج ستظل تحافظ على أسعارها العالية وهامش أرباحها الكبير، كما أن شركات التوزيع ستحصل على الفارق بين أسعار الجملة من منتجي الطاقة وسعر بيع التجزئة للمستهلكين المحدد السقف. ويقول إن تلك الشركات لا تستحق كل هذا الدعم بعد الأرباح الهائلة التي حققتها، وبفضل الخطة الجديدة ستواصل توزيع الأرباح على مساهميها، وهم في الأغلب مستثمرون وحكومات أجنبية.

ولأن تمويل الخطة سيكون بالدين الحكومي العام، فإن دافع الضرائب البريطاني العادي سيتحمل استمرار تحقيق الشركات في جانبي الإنتاج التوزيع لأرباحها وتوزيع العائدات على حملة أسهمها عبر تسديد الدين العام من أموال الشعب في ما بعد. وإذا كانت الحكومة تقصد بخطة الدعم الهائلة غير المسبوقة وقف عمليات إفلاس شركات التوزيع، فالأفضل كان أن تعوض ذلك من ضرائب على الأرباح الهائلة للشركات المنتجة للطاقة، كما أن قواعد السوق الحرة تعني أن من يربح كثيراً يمكن أن يخسر أيضاً ويفلس. ثم إن شركات التوزيع الكبيرة المتبقية لديها فوائض نقدية هائلة تجعلها قادرة على تحمل العبء. ويشكك ساندي بايجر في أن خفض الضرائب على الشركات سيشجعها على تحويل أرباحها إلى استثمارات تزيد من إنتاج الطاقة، وينقل آراء خبراء في مجال الطاقة بشأن مشروعات زيادة إنتاج الغاز من بحر الشمال التي تخلص إلى أنها قد لا تؤثر كثيراً في خفض الأسعار.

خطط الحكومة

أما خطط حكومة ليز تراس للسماح للشركات بإنتاج الغاز والنفط الصخري، فإلى جانب مخاطرها البيئية التي أوقفت خططاً مماثلة من قبل، فإن الناتج منها لن يغير كثيراً في معادلة سوق الطاقة في البلاد بما يضغط على الأسعار نزولاً، والمقترح الذي يطالب به كثيرون هو تعديل نظام التسعير في سوق الطاقة بالجملة وبالتجزئة للمستهلكين، بحيث لا يصبح مرتبطاً بسعر الغاز الطبيعي الذي سيواصل الارتفاع على الأرجح.

لذا يطرح أستاذ الاقتصاد في جامعة لندن فكرة إنشاء شركة عامة لإنتاج الطاقة من المصادر المتجددة، فالطاقة من تلك المصادر أقل كلفة، بالتالي يمكن أن تصبح أقل سعراً بكثير، ويمكن للشركة العامة أن تكون متحررة تماماً من ضغوط التسعير للشركات الخاصة التي تستهدف هامش ربح كبير جداً لإرضاء مساهميها، كما أن الشركة العامة ستستطيع تمويل استثماراتها بالاقتراض بكلفة تساوي كلفة الاقتراض الحكومي، وهي أقل بكثير من الاقتراض من القطاع الخاص. كل ذلك سيساعد على ضمان توازن طويل الأمد لسوق الطاقة يغني عن الاضطرار للتدخل بالتمويل بالدين كما ستفعل الحكومة، ويوفر الأمن المستدام للمستهليكن في المنازل والمصانع.

اندبندنت

Leave A Reply