حراك ديبلوماسي عربي – غربي: لا مفرّ من حكومة جديدة

انطوان الأسمر – اللواء

تكشّفت في الأيام القليلة الفائتة محاولة عربية – غربية من أجل إعادة وضع ملف تأليف الحكومة في الأولويات اللبنانية، بعدما أُتخِمَ النقاش السياسي بالملف الرئاسي حصرا بهدف التضحية بأي مسعى جدي للتشكيل.

ونُقل عن سفير عربي تملك بلاده تأثيرا مباشرا في المجريات اللبنانية، أن أهمية النقاش في الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية يجب ألا تحجب في أي شكل من الأشكال واجب البحث عن إسم جديد إصلاحيّ لرئاسة الحكومة، مقبول لبنانيا، يحظى برضى عربي ودولي، غير متورّط في أي شكل من أشكال الفساد والإفساد. وهذا النقاش، بحسب السفير إياه، أكثر إفادة وعملانية، في الوقت الراهن، من التركيز حصرا على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. لذا من الضروري تظهير وإبراز مرشّحين لرئاسة الحكومة من خارج السياق اللبناني المعلَّب والمستهلك، جدّيين ونظيفي الكف، مسيرتهم الوطنية والشخصية لا شبهة فيها وعليها، يستيطعون إستجلاب ثقة الخارج، والأهم يلتزمون بمسار إصلاحي حقيقي لتعافي لبنان.

ويعزو ديبلوماسي واسع الإطلاع ضمور تأليف حكومة جديدة في الفترة الأخيرة الى سعي أفرقاء محليين الى إقناع عواصم معنية بوضع الشأن الحكومي على الرفّ، والإنصراف بدلا من ذلك إلى التركيز على استحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية بذريعة أن التغيير الفعلي يبدأ من الرئاسة وأن لا لزوم لتضييع الوقت في تأليف حكومة لن يُكتب لها لا العمر ولا برنامج عمل فاعل ومؤثّر.

ويعترف بأن هذه النظرية لاقت في بداياتها أصداء عربية وغربية لذا خبُتَ البحث الحكومي أسابيع عدة، قبل أن تتكشّف لهم جملة معطيات أعادت تعويم تأليف حكومة جديدة بل وجعلته يتساوى مع الإستحقاق الرئاسي. من هذه المعطيات، يقول الديبلوماسي إياه، الخشية من أن يأتي الفراغ الرئاسي والحكومي على ما تبقى من أخضر لبناني. إذ لا يزال اتفاق لبناني مع صندوق النقد الدولي هو الأمل الوحيد لكي تبدأ مسيرة التعافي. غير أن ممارسات على أعلى المستويات في مجلس النواب والحكومة وفي حاكمية مصرف لبنان، أظهرت أن لا نية لدى غالبية الطبقة السياسية – المالية الحاكمة في إرساء إصلاحات حقيقية، بدليل ما حصل في قانون سرية المصارف وما يحصل من مراوحة على مستوى القوانين الإصلاحية الثلاثة الأخرى، أي الموازنة والكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف. وتلك القوانين الثلاثة تواجه مخاطر إقرارها بصيغة استعراضية فارغة شبيهة بما نال قانون سرية المصارف من تلعثم وتفخيخ وتشويه وتقويض.

ويلفت الى أن الأداء اللبناني الحاصل يستأخر، قصدا، إكتمال عناصر الإتفاق مع الصندوق، لمصلحة استمرار ردم خسائر مصرف لبنان والمصارف الخاصة من حساب أموال المودعين، والإمعان في استحداث تعددية غير مقبولة في سعر الصرف تصب في النهاية في خانة تصفية الخسائر تلك.

هذا الواقع دفع مسؤولين في صندوق النقد الدولي الى مكاشفة مرجع رسمي بأن تفخيخ قانون سرية المصارف بالشكل الذي خرج من المجلس النيابي أرجأ مسار البرنامج بين لبنان والصندوق شهرا كاملا، وأن أي تعاطٍ مشابه مع القوانين الإصلاحية الثلاثة المتبقية سيترك الأثر المتداعي ذاته على البرنامج.

ويشير الديبلوماسي الواسع الإطلاع الى أن هذا الواقع المؤلم شكّل حافزا لإعادة الإعتبار الى أولوية تأليف حكومة فاعلة ومكتملة العناصر دستوريا وسياسيا تعكس إرادة اللبنانيين المعبَّر عنها في الإنتخابات النيابية، وتتخذ الإصلاح برنامج عمل حقيقي لا خلّبي.

ويكشف أن أسماء جديدة لرئاسة الحكومة كانت موضع بحث وتقويم مكثّف بين مجموعة من الديبلوماسيين العرب والغربيين، بعدما ثبت لديهم أن الطبقة المتحكّمة لا تزال متمسّكة بممارساتها السابقة التي أوصلت لبنان إلى الإنهيار الشامل سياسيا وإقتصاديا وماليا، ولا تزال عصية على التغيّر أو التطوّر وحريصة على تغطية أخطائها وما ارتكبت في حق اللبنانيين.

ويرى أنه في حال تعثّر تأليف حكومة إصلاحية نتيجة ما يحيط هذا الملف من التباسات وممارسات وعثرات، لا بد من أن يطلّ أي عهد جديد برئيس حكومة إصلاحي راغب وقادر على الكسر مع الماضي ومع الطبقة التقليدية التي تحمي نفسها، لأن ذلك السبيل الوحيد من أجل وضع لبنان في أولى مسارات الإنعاش الإقتصادي والمالي، وهي مسارات متشعّبة ومتعرّجة وصعبة.

Leave A Reply