سياحة لبنان بالدولار… والخارج أقلّ كلفة: هل تصبح حكراً على المغتربين وأصحاب الرواتب الـ”فريش”؟

رنا وهبه – النهار

ما يشهده لبنان اليوم من انهيارات في كل القطاعات، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي، إنعكس بشكل كبير على القطاع السياحي، خصوصا بعد جائحة كورونا التي تسببت بإقفال مؤسسات سياحية عدة وبطالة لعدد كبير من موظفيها، في حين عجز كثير من اللبنانيين عن الاكتفاء من دون اي نشاط ترفيهي أو سياحي. ورغم الكلام والصور عن امتلاء اماكن السهر وعدد من المطاعم، الا ان مراقبة دقيقة تبين ان نسبة رواد هذه المؤسسات تظل قليلة بالنسبة الى عدد اللبنانيين غير المقتدرين.

التوقعات لهذا الصيف واعدة، إذ تشير الى أن نسبة الحجوزات ستصل الى ما بين 50 الى 70% مع منتصف حزيران الجاري، فيما تشير الارقام الى أن عدد الوافدين من بلدان الانتشار سيناهز المليون على أن يصلوا تباعا بدءا من هذا الشهر. وهذا العدد يفتح شهية اصحاب المؤسسات السياحية على رفع الاسعار طمعاً بـ”الفريش” دولار الوافد ضاحكا ومستفيدا مما يسمونه انخفاض الاسعار في لبنان.

وفي محاولة للنهوض بالقطاع ومساعدته على الإستمرار بعدما أصبحت المستلزمات التي يستخدمها بالعملة الاميركية، ومع لجوء بعض المؤسسات الى تسديد أجور عمالها بالدولار، عمّم وزير السياحة وليد نصار على المؤسسات السياحية التسعير بالدولار خلال فصل الصيف. وتوازياً، نشرت الوزارة فيديو ترويجياً يشجع المغتربين والسياح على زيارة لبنان والإفادة من فارق سعر العملة اللبنانية بالنسبة الى الدولار، وحتى بعدما تمّت دولرة الأسعار، لا تزال الاسعار أرخص مقارنة مع بلدان أخرى.

نصار كان قد شرح أن هذا التعميم يشرّع للمؤسسات السياحية التعامل بالدولار، ويمكّنها من الربح نظراً الى التكاليف التي تتكبدها بالدولار الأميركي. وهذا التدبير يساهم في حمايتها والحد من خسارتها وتحسين أوضاعها وأوضاع موظفيها. وأعلن أن “الضرائب التي تستردها الدولة من المؤسسات السياحية ستزيد أضعافا، لأن السعر الرسمي لن يكون 1500 ليرة، بل على سعر صرف الدولار الذي ستستوفيه المؤسسة من الزبائن. أما في حال أرادت المؤسسات أن تعلن أسعارها بالدولار، فالدفع سيكون بالفريش دولار أو بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف المحدد في الفاتورة”، وهذه الخطوة برأي نصار “ستحفظ قيمة الأسعار وتشجع الرواد على مقارنتها بين الأماكن بطريقة شفافة وواضحة وذلك بالتنسيق مع وزارة الإقتصاد عبر حماية المستهلك للتأكد من عدم التلاعب بالأسعار تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين”.

وعلى رغم “نقّ” المؤسسات السياحية بأنها تعاني شحاً في روادها، إلا أنها لا تزال تحافظ على اسعارها المرتفعة قياسا الى الوضع الاقتصادي للبنان ولمداخيل اللبنانيين، ولا تزال الاغلى اذا اجرى أي لبناني متوسط الحال مقارنة ما بين كلفة ليلة سياحية في لبنان او في تركيا او قبرص مثلا، مما يدفعه الى السفر ولو بامكانات قليلة. فهل تصبح السياحة في لبنان حكراً على المغتربين والسياح واللبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار؟ لكن السؤال البارز ايضا في هذا المجال هو: هل فعلا ان الاسعار في لبنان تشجيعية للسائح الاجنبي، وهل سيكون المغترب اللبناني راضياً عن الأسعار التي تنتظره بالدولار؟

في جولة لـ”النهار” على بعض الفنادق والمنتجعات السياحية في المناطق، تبين أن التسعيرة هي عينها التي كانت أصلا بالدولار وتراوح في فنادق 4 نجوم في الجبال ما بين 180 و200 دولار(غرفة لشخصين مع فطور وTVA) وتراوح القيمة على الساحل ما بين 120 و200 دولار، أما في المنتجعات 5 نجوم فتراوح الكلفة ما بين 220 و400 دولار. على سبيل المثال:

في فقرا تسعيرة الليلة الواحدة 220 دولار، وفي اهدن ما بين 120 و180 و300 دولار لليلة الواحدة، وفي صور ما بين 120 و200، ما يعني ان كلفة تمضية ليلة واحدة لعائلة من 4 أشخاص لا تقل عن 250 دولاراً لليلة الواحدة، وربما تصل الى اكثر من 500 دولار. واللافت أن أصحاب المنتجعات عموما لا ينفون ارتفاع الاسعار وينصحون من ليس لديه القدرة على دفع مبالغ كهذه بالذهاب الى أماكن أرخص.

وتعليقا على ارتفاع الاسعار، قال الأمين العام لإتحاد النقابات السياحية ورئيس نقابة المؤسسات السياحية البحرية جان بيروتي لـ”النهار” أن مروحة الاسعار متنوعة وتناسب الميزانيات كافة، وتاليا يعود للزبون اختيار المنتجع الذي يناسب ميزانيته وقدرته المادية. وأن السياسة السياحية تتمثل بأسعار الفنادق فقط التي تبدأ من 60 دولار لليلة الواحدة وتصل في حدها الاقصى الى 120 دولار مع فطور، وأوضح أن للمنتجعات السياحة كامل الحرية في تحديد أسعارها وفقا لخدماتها ومعاييرها. أما بالنسبة المنتجعات البحرية، فيشير بيروتي ان اسعار الدخول الى المسابح تراوح بين 50 ألف ليرة لبنانية وصولا الى 400 الف ليرة وللمواطن حرية اختيار ما يناسبه، متوقعا من جهة اخرى ان تصل ايرادات القطاع السياحي بنحو 4 مليارات دولار.

في المقابل، شبان لبنانيون يقصدون مكاتب السفر لحجز رحلة قصيرة الى تركيا أو قبرص أو اليونان، ويبررون الامر بانه سياحة حقيقية بعيدا من هموم لبنان ومشاكله، واكتشاف اماكن جديدة واناس جدد، باسعار ارخص من لبنان. يقول رامي انه سيقصد تركيا في رحلة استجمام تتوزع ما بين اسطنبول لثلاثة ايام، ومرمريس لثلاثة ايام، على ان يقفل عائدا مع زوجته في اليوم السابع. وماذا عن تكاليف الرحلة؟ يجيب: السفر مع فندق 5 نجوم والانتقال من المطار واليه، بألف وخمسين دولارا للشخص الواحد، واذا اردنا اختصار الرحلة الى 4 ايام فقط في اسطنبول، فان التسعيرة حُددت بـ 620 دولارا، وهو ما لا يمكن القيام به في لبنان. ويسأل عما اذا كان لبنان لا يزال بلدا سياحيا بالفعل؟ وهل الاعلانات المشجعة لزيارته حقيقية وواقعية، ام ان السائح سيشعر بانه وقع في فخ اعلان مخادع؟ ويختم: “ان لبنان بات للاغنياء فقط ولمن يتقاضون رواتبهم بالفريش دولار. اما المواطن العادي فلا مكان له على الخريطة السياحية المعلنة، اقله حتى اليوم”.

Leave A Reply