الأمن الغذائي يضع دول العالم على صفيح ساخن

فاقمت الهند أرق الأمن الغذائي الذي ينتاب دول العالم، فما لبث العالم أن يطمئن من أن دول كبرى ستتدخل للحيلولة دون حدوث المزيد من الاضطرابات في سوق الغذاء، جاءت الهند لتعلن للعالم أن أيام عجاف قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى.

وأعلنت الهند عن حظرها صادرات القمح التي كان يجد فيها العالم سبيلاً للتخفيف من القيود التي فرضها الصراع الروسي الأوكراني، وذلك بسبب الخطر الذي يحيط بالأمن الغذائي للبلاد. لكن المديرية العامة للتجارة الخارجية في الهند أشارت إلى أنها ستستمر بالسَّماح بالتصدير إلى البلدان التي تحتاج إلى القمح لتلبية احتياجات الأمن الغذائي وبناءً على طلبات حكوماتها، في حين أنَّ جميع الشحنات الجديدة الأخرى ستُحظَر بأثر فوري. علما أن الهند استهدفت تصدير كمية قياسية قدرها 10 ملايين طن في العام المالي الجاري 2022-2023.

ويسلِّط قرارُ وقف صادرات القمح الضوءَ على مخاوف الهند بشأن ارتفاع التضخم، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومات حول العالم إلى ضمان الإمدادات الغذائية المحلية، حيث أوقفت إندونيسيا صادرات زيت النخيل، فيما فرضت صربيا وكازاخستان حصصا معينة لتصدير الحبوب.

وهذا الحدِّ من الصادرات يعدّ ضربة لطموح الهند في الاستفادة من ارتفاع أسعار القمح عالمياً بعد أن عكست الحربُ مسارَ التدفقات التجارية خارج منطقة البحر الأسود التي تعدُّ سلَّةَ خبز العالم. واتجهت الدول المستوردة نحو الهند، حيث وافقت مصر على أن تكون الهند مَصدراً لوارداتها من القمح.

وبدأت دول العالم المستوردة للنفط في البحث عن أسواق أخرى للقمح، وظهرت رومانيا، التي أبدت استعدادا على تعويض النقص، لكن شحنات من القمح الروماني رفضته مصر والجزائر في سنوات سابقة.

وتشهد أسعار القمح ارتفاعاً بفعل الحرب الأوكرانية والطقس المتقلب، إذ أن موجة حر شديدة ألحقت الضرر بمحاصيل القمح في جميع أنحاء الهند، ما تسبب في انخفاض الإنتاج بنحو 50٪ في بعض المناطق.

ودفع هذا الأمر الحكومةَ إلى النظر في قيود التصدير. فيما أفادت وزارة الأغذية بأنها لا ترى حاجةً إلى مراقبة الصادرات، حتى مع تقدير الحكومة بانخفاض إنتاج الهند من القمح، وأضافت أنها ستستمر بالسماح بالشحنات التي صدرت بشأنها خطاباتُ اعتماد غير قابلة للإلغاء. وذكرت الوزارة في الرابع مايو أنَ التجار تعاقدوا لتصدير 4 ملايين طن حتى الآن في 2022-2023.

ومن المرجَّح أن يلحق الحظر المفروض على الصادرات الضرر بالمزارعين والتجار الذين خزنوا الحبوب تحسبا لارتفاع الأسعار.

الإمارات

وتعمل مجموعة أغذية الإماراتية مع مسؤولي حكومة الإمارات العربية المتحدة لمحاولة الحصول على إعفاء من حظر تصدير القمح الذي فرضته الهند مؤخرا.

وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة آلان سميث في مقابلة تلفزيونية أمس، إن الهند كانت مصدرا رئيسيا لإمدادات القمح للشركة على مدار الأشهر الـ 18 إلى 20 الماضية.

وأدى هذا الحظر إلى تفاقم أزمة سوق القمح المتعثر أساسا؛ إذ ارتفعت الأسعار العالمية بعد حرب روسيا على أوكرانيا، المصدر الرئيسي للقمح.

وذكر سميث أن إعلان الحكومة الهندية يتضمن استمرار هذا الحظر على الصادرات إلا على الشحنات التي تطلبها بعض الدول على أساس حماية أمنها الغذائي”.

وأضاف أن الأيام القادمة ستوضح «كيف يمكن العمل مع الحكومة الهندية وحكومة الإمارات العربية المتحدة لنتأكد من ضمان استمرار الأعمال».

وقررت «أغذية» في مارس توقيع اتفاقيات توريد طويلة الأجل للمواد الغذائية. وذكر سميث أن بالإمدادات مستمرة حتى أغسطس أو سبتمبر تقريبًا.

وارتفعت أسهم أغذية بنسبة 5.46% أمس، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ 7 مارس.

وتشير بيانات صادرة عن وحدة موندي، إن الإمارات استوردت خلال العام الماضي نحو 1.8 مليون طن متري من القمح، ومن المتوقع ألا يتغير حجم استيرادها خلال هذا العام أيضا.

وبلغت صادرات الإمارات من الهند خلال موسم الحصاد 2020-2021، نحو 187.949 ألف طن متري، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين أكبر المستوردين للقمح الهندي.

وتستورد الإمارات القمح من ست أسواق رئيسة، تشمل: روسيا، كندا، أستراليا، أوكرانيا، الهند، والولايات المتحدة الأميركية. وقال مسؤول حكومي في وقت سابق إن الدولة تستورد كميات كبيرة من القمح إلى جانب عدد من المصانع المحلية التي تقوم بعملية التجميع ثم إعادة التوزيع والتصدير، وأكد أن المخزون المحلي اليوم كاف وليس هناك أي قلق.

الأسواق الناشئة

يضع ارتفاع أسعار الغذاء الذي يشكل نحو 40% من مؤشرات أسعار المستهلكين في الدول منخفضة الدخل، الأسواق الناشئة في مأزق.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية على مدى عامين مدفوعة باضطرابات كوفيد-19 وويلات الطقس، وجعلت صدمات إمداد الحبوب والزيوت تسجل رقما قياسيا في فبراير بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ومرة أخرى في مارس.

وقفزت معدلات التضخم وزاد ارتفاع أسعار الطاقة من الضغوط. قد تكون تركيا أو الأرجنتين، مع تضخم سنوي يبلغ 70 % وحوالي 60 %، حالات استثنائية، لكن المعدلات تتكون من رقم في خانة العشرات في بلدان من البرازيل إلى المجر. وذلك يجعل التضخم في الولايات المتحدة، الذي يبلغ 8.3 %، يبدو متواضعا بالمقارنة.

وارتفاع أسعار المواد الغذائية يعد من الموضوعات الساخنة في الأسواق الناشئة، مما يزيد من مخاطر حدوث اضطرابات ويضع صناع السياسات في مأزق بين التدخل بدعم مالي لتخفيف المعاناة عن السكان أو الحفاظ على الموارد المالية الحكومية.

وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن الغذاء يمثل أكبر فئة في سلال التضخم، في اختيار السلع المستخدمة لحساب تكلفة المعيشة، في العديد من الدول النامية وأنه يمثل حوالي النصف في دول مثل الهند أو باكستان.

وقال رئيس أبحاث الأسواق الناشئة العالمية في بنك بي إن بي باريبا، مارسيلو كارفالو إن تضخم الغذاء قد يكون أطول أمدا، كون الحرب في أوكرانيا لا تؤدي إلى تعطيل إمدادات الغذاء فحسب لكن إمدادات الأسمدة أيضا.

وأضاف كارفالو «هذا موجود ليبقى. الغذاء واضح جدا، عندما يكون هناك تغيير في أسعار المواد الغذائية يتم تضخيم التصور حول التضخم الذي يغذي توقعات التضخم التي لا يتم كبحها بسهولة».

مصر

وشهدت مصر، وهي من أكبر مستوردي القمح في العالم، ارتفاع التضخم إلى أكثر من 13 % في أبريل، ومن المتوقع أن ترفع أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماع هذا الأسبوع بعد أن خفضت قيمة العملة بنسبة 14 % في منتصف مارس.

ويتعين على صانعي السياسات في الأسواق الناشئة، بعد أن رفعوا أسعار الفائدة بمئات النقاط الأساسية بشكل تراكمي منذ عام 2020 للحد من ضغوط الأسعار وضمان علاوة سندات فوق العوائد الأمريكية المتزايدة للمستثمرين، الموازنة بين ترويض التضخم والحفاظ على النمو الهش في وقت يشهد ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.

ويتوقع البنك الدولي أن تنمو الاقتصادات الناشئة بنسبة 4.6 % فقط هذا العام، مقارنة بالتوقعات السابقة البالغة 6.3%.

وتقول رئيسة ديون الأسواق الناشئة في بلو باي لإدارة الأصول، بولينا كورديافكو، إن الحكومات لديها ثلاثة خيارات: تقديم دعم أكبر للمستهلكين أو السماح للأسعار بالارتفاع ومواجهة التضخم والاضطرابات الاجتماعية، أو القيام بشيء ما بين الأمرين.

واتخذت مجموعة من الدول تدابير. فقد رفعت تركيا الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% في ديسمبر لمعالجة انهيار العملة وارتفاع التضخم. وسترفع تشيلي الحد الأدنى للأجور هذا العام أيضا.

جنوب أفريقيا

وتبحث حكومة جنوب أفريقيا ما إذا كانت ستزيد منحة الإعانة الاجتماعية التي تم إطلاقها في عام 2020 وجعل هذا البرنامج دائما. ويخشى الاقتصاديون أن تواجه الاقتصادات الناشئة موجة جديدة من الاضطرابات على خلفية الزيادات الأخيرة في أسعار المواد الغذائية.

وقالت كبيرة الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بياتا جافورسيك، إن شمال أفريقيا، حيث كان تضخم أسعار الغذاء أحد أسباب ثورات الربيع العربي قبل نحو عقد من الزمن، بدا معرضا للخطر بشكل خاص.

Follow Us: 

 

Leave A Reply