“حزب الله”.. لا غاز ولا ترسيم و “يبلّطوا البحر”

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

فجأةً، وفي توقيتٍ يخلو من المصادفات، قرّر “حزب الله” الإنغماس في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، من بوابة “الشكّ” بخلفيات الوساطة الأميركية، وبعد فترة قضاها في التفرّغ والإستطلاع من بعيد، يبدو أن الوقت قد حان للتدخّل.

لا يمكن عزل “تغير الخطاب” أو حلول “ساعة صفر” إعلانه، عن معطيات أساسية لم تعد طارئة على المشهد: الصراع الروسي – الأميركي على أرض أوكرانيا، الذي يحمل في طبيعته “جذوراً غازية”، ورفض الحزب وحلفائه لـ”التموضع الرسمي” إلى جانب الطرف المقابل لموسكو، و تهافت الأميركيين على الدفع باتجاه تنازلات لبنانية “غير متوازنة” على نية إراحة الطرف الإسرائيلي وتمكينه من التحوّل إلى دولة غازية بمواصفات كاملة، وما يُحكى حول مشاريع “مدّ أنابيب” من المتوسط باتجاه أوروبا وانعكاس ذلك على “صراع الغاز”، ووضعية كلّ من لبنان وسوريا في هذا المجال بالإضافة إلى “رشوة” الغاز المصري و الكهرباء الأردنية، وكلّها علامات تقاس بميزان الدقة ولا يمكن تجاوزها.

النتائج كما يظهر حتى الآن في ملف الترسيم البحري، أسفرت عن مطالعة توضح مدى التدخّل والتداخل الأميركيين في الملف. أمرٌ من هذا القبيل لا بدّ أن يعطي دافعاً قوياً للمقاومة من أجل التحرّك. الموجة الأولى والتي يبدو أنها تدشين لموجات لاحقة أتت على المقلب النيابي. نائبان رئيسيان من “حزب الله” أدليا بدلوهما حيال الملف ويُتوقع أن تكرّ السبحة لاحقاً. رئيس تكتل نواب “بعلبك – الهرمل” النائب حسين الحاج حسن، تولّى الشقّ المتعلق بالتشكيك بالدور الأميركي في مجال جرّ الكهرباء من الأردن و الغاز من مصر. وصف كل ما يحدث بـ”الكلام بكلام” ليربط خلاصته بوجود تمنّع أميركي عن إعفاء لبنان و “غيره” من “قانون قيصر”، مذكراً بطريقة تعامل واشنطن مع مسألة التنقيب عن الغاز في البلوك رقم “4” معيداً ربطها بشروطٍ سياسية لها علاقة بالتطبيع والتوطين. أمّا رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد “غير المسالم” في عادته، لم يحد عن الطرح. تولّى الشقّ المتعلق بوساطة كبير مستشاري الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين، في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. ومن منطلق الحسم، أعلن رعد أن “الغاز سيبقى مدفوناً في مياهنا إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من أن يمدّ يده على قطرة من مياهنا” فارضاً ما يشبه الشرط: “لن يتمكن الإسرائيلي من التنقيب في جوارنا ما لم ننقّب نحن ونستثمره كما يريد”، وعبارة “يبلّطوا البحر” تفسّر الإطار “الساخن” من الرسائل.

موقف رعد وبمقدار ما يحمله من حسم وتقاطع مع كلام زميله الحاج حسن، يوحي أن الحزب قد غادر منطقة الصمت بإتجاه البوح بما يختلج في صدره من وراء الممارسات سواء اللبنانية الرسمية أو غيرها. من زاوية أخرى، إستبطن كلام رعد تحذيراً عالي اللهجة يجزم بأن الحزب “لا يوافق” على استخراج الغاز من الحقول البحرية سواء عبر الترسيم او غيره، طالما أن الإسرائيلي يعمل على مدّ اليد إلى المياه اللبنانية، وهذا الكلام ينسحب عن تفسيرٍ واضح لموقف الحزب من خلفيات ما يُطرح من خطوط وسوى ذلك، وموقفه الحقيقي من الطروحات الرسمية. وبالعودة إلى الطرح الرسمي الحالي القائل بالتراجع إلى الخطّ 23 الإسرائيلي لقاء التخلّي عن الخطّ اللبناني 29، يبدو أن الحزب يرفضه بشكل صريح، ويرفض منح أي حقوق “غير مشروعة” للجانب الإسرائيلي في المجال البحري اللبناني. وبالتالي، يُعتبر كلام الحزب بمثابة رسالة إلى من يهمّه الأمر، قوامها رفضه لما يحصل، تحديداً سياق التنازلات الجاري اتّباعه من قبل البعض، والذي يهدد بنسف جذور الدولة.

وفي وقتٍ يتوقع أن يزيد الحزب من وتيرة تعليقاته حول ملف الترسيم، لا يمكن فكّ ما حدث عن أمرين أساسيين:

الأول، تعمّد “جهات ما” الإيحاء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، بموافقة “حزب الله” على ما يجري التفاوض حوله مع الوسيط الأميركي، وضمنياً التلميح حول قبوله للتنازلات. وللتذكير، كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، قد أعلن سابقاً أنه “يعلم” وحزبه بكل تفاصيل ما يجري في ملف الترسيم، والتقدير هنا أن يكون الحزب قد تعامل “بدقة كبيرة” مع الخطّ 29. فهل “ترّمَ” توقيت “خروجه عن الصمت” مع توقيت التنازلات لإيقافها؟

أما الثاني، فتعامل الدولة اللبنانية مع ملف الترسيم “بطريقة مشبوهة” وترك الوسيط الأميركي “يسرح ويمرح” فارضاً معايير لا تتلاءم وطبيعة نظرة الحزب إلى الصراع بصفته عنصراً أساسياً ضمن التركيبة، لعلّ أهمها رفض التطبيع كمبدأ لا يجدر الحياد فيه. فهل أن الحزب وجدَ أن تحرّك هوكشتاين الذي وصفه رعد بـ”الثعلب” يؤدي إلى تحقيق الهدف الأميركي من الترسيم ألا وهو: “التنقيب مقابل التطبيع؟”

عملياً، الأيام المقبلة ستوضح الصورة أكثر، وسط انعطافة “غير محدودة” من جانب “حزب الله” تظهر تغييراً واضحاً في لهجته حيال الملف، وما قلنا عنه سابقاً حول أن الحزب ينتظر “لحظة الصفر”، يدفع للتدقيق في محتواه، فهل فعلاً وصل الحزب إلى لحظة إعلان الخيارات الواضحة في ملفٍ حيوي وحساس؟

مصادر متابعة للملف، لا تجد مجالاً للفصل بين ما كشفَ عنه مؤخراً في سياق التنازلات وصولاً لما نشر حول “هوية الخطّ 23” والذي ثبت من خلال وثائق نشرها “ليبانون ديبايت” إسرائيليته، وبين محاولات توريط الحزب في “اتفاق” يجري طبخه مع الإدارة الأميركية بهدوء. بموازاة ذلك، يجري التدقيق في المحتوى الذي نتج عن سياق التنازلات التي قدمها الجانب اللبناني وإلى ماذا ترمي. كل ذلك، كشف للحزب “أمراً عجيباً يُحاك في الخفاء، لذلك قرّر التحرّك في اللحظة المناسبة”.

الرسالة التي حملها كلّ من رعد و الحاج حسن، يُقدر أنها ستأخذ مداها في مقاربة الساسة للملف، ويقدّر أن لها القدرة على وضع حدّ لسياق التنازلات، وليس ذلك فقط، للسياق الذي يجري العمل به “تحت الطاولة” والذي لا يخدم إلاّ وجهة نظر واحدة: “التطبيع”.

Leave A Reply