السنيورة يلتحق بجنبلاط وجعجع

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت-

‎الزوبعة التي أحدثها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، بإعلانه “التفكير” بمستقبل ترشيحه ودعوته “أهل السنّة” للمشاركة في يوم الإقتراع لم تنتهِ بعد وليس مقدّراً أن تنتهي في الأيام المقبلة، لسببٍ لا يغدو تفصيلاً بالنسبة إلى تيّار “المستقبل”، ولا عجب في ذلك لكون الموقف أتى عن لسان أحد أبرز المحسوبين عليه.

فؤاد السنيورة قلب أوراق “المستقبل” رأساً على عقب. كان التيّار يحاول التمايز وإعطاء “لفحة إستقلالية” لقرار رئيسه سعد الحريري، بالإنسحاب من الحياة السياسي. الحريري الذي ترك خيار الإنسحاب أو الإستمرار إنتخابياً بالنسبة إلى البيوتات السياسية لأصحابها، إعترافاً منه بهم ورداً لجميل قبول تزعّمهم، كان يعوّل على انكفاء هؤلاء تأثراً بقراره، رغم أنه كان يعلم أن ثمة من بينهم من لا يرغب. توقّعها الحريري من عاصم عراجي في زحلة مثلاً، لكنه لم يتوقّعها من فؤاد السنيورة وأين…؟ في بيروت.

وللحقيقة، مدعاة الإستقلالية تلك سقطت على أبواب بيت الوسط، وتبيّن أن “المستقبل” كان يبيع مواقف وأوهام لا أكثر، فما معنى أن نعطي الحرّية في الترشّح إلى من ليس منضوياً تنظيمياً ضمن التيّار ثم “نهوش” ونمنعها عن السنيورة غير المنضوي بدوره؟

لا شكّ أن موقف السنيورة خلال ذلك المؤتمر أوجع ليس فقط سعد الحريري وإنما تيار “المستقبل”، وقد توالت الإشارات من “بليس” منذ أن قرّر الحريري المضي في اعتزاله وليس آخرها حضوره واجب قراءة الفاتحة على ضريح “الرئيس الشهيد” إلى جانب الرئيس نجيب ميقاتي، وحاشيته وليس سعد الحريري وعائلته كما درجت العادة. إذاً هي مجموعة من التراكمات انفجرت دفعةً واحدة وعند أول فرصة.

يتحدث المستقبليون عن تمايزٍٍ لفؤاد السنيورة في مكان، ويشيرون إلى “فعل إنقلابة” تجسّدت حديثاً حين فرغ من اعتزال الحريري، ويذكرون أنه حين حسمَ رئيسهم اللاجئ إلى أبو ظبي موقفه من العزوف عن السياسة و الإنتخابات، كان السنيورة حريصاً بدوره على ملازمة رئيس تيّاره –أو هكذا بدا- وذهب و “بسواعد عتّال” عاملاً على توطئة ظروف تلك الخطوة، وقد مضى ذات مرّة إلى أبو ظبي لمناقشة “الرئيس” شخصياً في شأن موقفه، ليس من خانة السعي نحو استبدال الفكرة وإنما الأسلوب الأمثل لإعلانها…

‎بالعودة إلى ذلك المشهد وحين عزم الحريري على زيارة بيروت ليفرغ من أمر خطوته، أصرّ على الإجتماع برؤساء الحكومات السابقين لإفهامهم موقفه. قبيل تلك اللحظة السياسية، كان الرئيس تمام سلام قد أتمّ تصوّره ومهّد لعزوف الحريري بعزوفٍ مماثل. إذاً كان موقفه واضحاً، وكان يفترض أن يكون السنيورة تحصيلاً حاصلاً طالما أنه ملازم لسعد الحريري رغم وجود اختلافات بينهما، فلم يبق في الميدان غير رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، الذي وفي ضوء ما يحصل أمامه كان لا بدّ أن يعزف، وينقل عنه قوله للحريري خلال الإجتماع الشهير في هذا المجال، أنه غير راغب في استكمال المشوار الإنتخابي، ليتمّ بذلك واجب إخراج السنة من الإنتخابات.

لكن فجأةً كانت على عكس ما حسب الحريري وربعه. دارت دار الفتوى دورةً كاملة حول نفسها لتعيد دوزنة اللعبة من جديد. أبلغت إلى الجميع رفضها خيار أخذ السنّة بجريرة واحدة ورفض تركهم لقمةً سائغة لأي أحد –مهم بلغَ هذا الأحد من شأن-، وشددت على ضرورة مشاركتهم في الإستحقاق الإنتخابي. طبعاً ميقاتي كان ينتظر إنقلابة من هذا النوع “تحمل” عنه كتفاً، وما كان أسرع في الإلتفاف صوب “الدار” وإعادة صوغ موقفه ليتلائم و المشاركة في الإنتخابات، من دون الحسم ما إذا كان عبر شخصه أو من ينوب عنه.

على مقلب السنيورة بدا أنه غير متردّد طبقاً لتردد ميقاتي، وقد ظهر أنه حسم موقفه كلياً بالإنضواء إلى جانب الحريري. وفي مجالسه كان حين يُسأل عن احتمال أن يكون “مختاراً” لتسكير الفراغ في العاصمة، يقلّل من شأن أي مشاركة في استحقاق إنتخابي سيعود ويأتي ب”حزب الله” كقوة مُسيطرة ولو أنه كان يلمّح في أكثر من مكان إلى عدم الإستقالة والخروج من ميدان المواجهة، وكان لا يبالغ حين يردد دائماً أن الإنتخابات في ظلّ السلاح لا تستقيم، ونحن بحاجة لـ”هبّة سنية” يبدو أنه كان يراهن عليها عطفاً على خيار الحريري المُضي في الإعتزال، لكن النتيجة أتت بعكس ما يشتهي البعض، وتسأل عائشة بكار عن ذلك!

لا ريب في أن خطوة المؤتمر الصحفي كان مقدراً لها ان تحمل عزوف السنيورة أيضاً إلتزاماً بقرار الحريري وسلام، وردة الفعل التي حدثت -وليس مقدراً أن تنتهي قريباً- مبنيّة على الصدمة التي أحدثها القرار، حتى الصحافيون الذين حضروا كانوا في صورة إعلان عزوف وقد بُنيت تكهّناتهم على التسريبات، لكن وبطريقةٍ ما وبشكلٍ موارب، تراجع السنيورة مستبدلاً العزوف بالدعوة للمشاركة وبفاعلية ترشيحاً وإقتراعاً.

الخلاصة التي تمّ التوصل إليها غداة “واقعة المؤتمر” أن السنيورة طوى صحفة رئيسه، تماماً كما فعل مؤخراً رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، ليغدو بذلك ملتحقاً به وبرئيس حزب “القوات اللبنانية”سمير جعجع وآخرين من الطامحين لأداء دور يوظّف لاحقاً في إطار مشروع مواجهة “حزب الله”.

وأزمة فؤاد السنيورة والزعامات أو الشخصيات السنّية التقليدية ليست سوى انعكاس لأزمة المشروع أو الضياع في تفسير أيّهما الأنسب لتقويض حضور “حزب الله”: مقاطعة الإنتخابات أو المشاركة بها؟

“الإنقلابة السنيورية” لا يمكن عزلها عن السياق العام الذي يجري التعامل معه، إذ يبدو أن قرار الإطاحة بالحريري مُتخّذ والمطلوب من الجميع “فكّ ارتباطهم به” وإعلان مساحة منه، وبالتالي عزله سنياً وإظهاره وحيداً، وهذا يترابط والرغبة السعودية في إزاحة سعد الحريري من المشهد وإيجاد وريثٍ سياسي له، فيما البحث عن هذا الوريث يكاد يبدو صعباً.

Leave A Reply