الجمارك ترفع الأجور: تصرف حين تغيب الدولة!

في ظل تأخّر إقرار الموازنة العامة لعام 2022، وتقاعس الدولة عن تصحيح الأجور في القطاع العام، اتّخذ المجلس الأعلى للجمارك خطوة منفردة في اتجاه زيادة رسوم الخدمات الجمركية بهدف تمويل زيادة أجور العاملين لديه وتأمين الموارد المالية اللازمة لتزويد إدارة الجمارك ببعض مستلزمات العمل من قرطاسية ومحروقات وصيانة وسواها.

هذا التصحيح يأتي بناء على المادة 330 من قانون الجمارك التي تنصّ على الآتي: “تحدد بقرارات من المجلس الأعلى للجمارك، بعد استطلاع رأي مدير الجمارك العام:

1­- أجور الأعمال التي تجري لحساب أصحاب العلاقة خارج ساعات وأماكن العمل المعينة في الأنظمة الجمركية، وكذلك أجور موظفي الجمارك الذين يكلفون بتنظيم بيانات أصحاب العلاقة في الأماكن التي لا يوجد فيها مخلصون جمركيون مرخصون.

2­- رسوم عن خدمات جمركية أخرى يؤديها موظفو الجمارك لدى الاستيراد والتصدير وفي أوضاع الترانزيت وإعادة التصدير ولدى معاينة أمتعة المسافرين.

3­- أصول توزيع المبالغ المستوفاة وفق أحكام هذه المادة”.

استخدم المجلس الأعلى حقّه في تطبيق هذه المادة مرتين خلال الأزمة المالية. في نهاية كانون الثاني عام 2020 أصدر قراراً بتعديل الأجور ورسوم الخدمات العامة، ثم أجرى في كانون الثاني 2022 تعديلاً عليها لتتناسب مع التطوّرات التي أصابت القدرات الشرائية لموظفي الجمارك، ولتأمين حاجات الإدارة والاستمرار في تأدية الخدمات العامة.

وبموجب التعديل الأخير ارتفعت معدلات أجور الموظفين عن ساعات النهار والليل ورسوم الخدمات على النحو الآتي:

رفع الأجور عن ساعات العمل الإضافية ما بين 75 ألف ليرة و300 ألف عن الساعة الواحدة، وذلك بحسب فئات الموظفين (الفئة الثانية وحتى الخامسة).

زيادة رسوم الخدمات ما بين 400 ألفٍ وثلاثة ملايين ليرة محسوبة على أساس قيمة كل بيان جمركي (على سبيل المثال بدل مليون ليرة عن كل بيان تبلغ قيمته 350 مليون ليرة، ولا تتجاوز الـ700 مليون ليرة وهكذا).

تأتي هذه التعديلات بعد تقاعس الحكومة عن تصحيح مداخيل العاملين في القطاع العام ومن بينهم الجمارك، وبعد تأخّر دستوري في إعداد وإقرار الموازنة العامة لعام 2022. خصوصاً أن إدارة الجمارك، كما كل الإدارات العامة، تعاني أصلاً من نقص في تأمين الخدمة العامة سواء بسبب تعطيل وإضرابات الموظفين، أو النقص في تأمين اللوازم الإدارية والتشغيلية للمرافق العامة. لكن قانون الجمارك يتيح لهذه الإدارة من دون غيرها إجراء تعديلات من هذا النوع. مع العلم أن هناك مآخذ على المجلس الأعلى لجهة قيامه بهذه التعديلات بشكل منفصل عن المسار الحكومي المتمثّل بمشروع موازنة 2022.

بهذا المعنى، فإن التعديلات التي أجراها المجلس الأعلى للجمارك تختلف جذرياً لثلاثة أسباب ذكرها المجلس في القرار الصادر عنه: أولها العمل على رفع مستوى الخدمات الجمركية، وثانيها تسريع إجراءات تخليص البضائع، وثالثها تأمين الموارد المادية اللازمة لتزويد إدارة الجمارك ببعض مستلزمات العمل.

المشكلة هنا ليست في تصرف المجلس الأعلى للجمارك، والذي أتاح له القانون أصلاً صلاحية لا تملكها كل مرافق الدولة. إذ بحسب مصادر الأخبار”، “فإن لإدارة الجمارك خصوصية تختلف عن بقية إدارات ومؤسسات الدولة”، والمشكلة موجودة في هشاشة الدولة التي يفترض أن تعمل على ضمان موظفيها وقدرتهم على مجاراة الأزمة من خلال سلسلة واضحة للرتب والرواتب. وقد دفع غياب الدولة الكلّي بإداراتها ومؤسّساتها إلى التصرف على قاعدة أنها “حاكمية”.

Leave A Reply