جديد المصارف: دولرة الرواتب قسراً وسلب جزء منها

عزة الحاج حسن – المدن

تتّخذ المصارف اللبنانية من التعميم 161 الصادر في 16 كانون الأول، ذريعة للاقتطاع من رواتب وأموال العملاء، لاسيما أصحاب الرواتب الموطنة لديها. وليس ذلك وحسب، فالمصارف تفرض المزيد من القيود على حركة حسابات العملاء، وتقوم بتطبيق إجراءات مُجحفة بحق عموم المودعين والمتعاملين معها. فمنها من يمتنع اليوم عن تنفيذ عمليات تُعد بديهية، كتحويل مبلغ مالي من حساب عميل إلى آخر داخل المصرف نفسه. ومنها من يمتنع عن تلبية طلب الزبائن بتقديم كشوفات عن حساباتهم. علماً أن كافة المصارف تتقاضى رسوماً سنوياً أو كل 6 أشهر بدل كشف الحساب. مصارف أخرى توقفت تماماً عن قبول شيكات مصرفية بالدولار أو ما تُطلق عليه المصارف اللولار (الدولار المصرفي). ولا تتردّد مصارف عديدة بتغريم أصحاب القروض السكنية عن تأخرهم بسداد الأقساط المُستحقة للمصرف، ضاربة عرض الحائط الحق الذي منحهم إياه قانون تمديد المهل. أما الممارسات التي تقوم بها المصارف وترقى إلى مستوى الجريمة، فهي حجب رواتب ومستحقات الموظفين أصحاب حسابات التوطين بحجة تحديد سقوف السحب، وفرض التعميم 161 على الجميع وبيعهم الدولار “قسراً”، وبأسعار تفوق كثيراً السوق السوداء، ما يرتّب خسائر على الموظفين من رواتبهم ومستحقاتهم.

سرقة موصوفة

تمتنع غالبية المصارف اليوم، ومن بينها بنك الموارد وفرنسبنك وسوسيتيه جنرال وغيرها.. عن سداد رواتب الموظفين والمودعين المقوّمة بالليرة اللبنانية، فتقوم بسدادها بالدولار الطازج (fresh) ذلك تطبيقاً للتعميم 161، لاسيما بعد تحديثه في شهر كانون الثاني المنتهي وفتح سقوف شراء الدولارات.

مع صدور التعميم 161 أقبل الموظفون والمودعون بالليرة على سحب رواتبهم ومستحقاتهم بالدولار، بهدف الحفاظ على قيمة رواتبهم، على اعتبار أن السحب بالدولار الطازج بموجب التعميم يتم وفق سعر صرف منصة صيرفة، في حين أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يفوق سعر المنصة. وبذلك أقبل أصحاب الحسابات بالليرة على سحب رواتبهم ومستحقاتهم بالدولار، فحققوا فروقات على الرواتب.

أما اليوم فاختلف الأمر. إذ بات سعر صرف الدولار على منصة صيرفة أعلى من السوق السوداء، ما يعني أن سحب الرواتب بالدولار وفق سعر صيرفة لن يأتي بالنفع في حال بيع الدولارات في السوق السوداء. ولعل حالة العنصر في الجيش اللبناني (م. أ) خير مثال على الخسارة التي تلحق بالموظفين والعسكر وعموم العملاء المصرفيين جراء تطبيق التعميم 161، خصوصاً أن المصارف باتت تطبقه قسراً من دون موافقة أو طلب العميل. يبلغ راتب العنصر (م. أ.) مليونين و200 ألف ليرة. حاول سحب راتبه من فرنسبنك ولم يفلح. فكافة الصرافات الآلية (ATMs) المحيطة بمكان سكنه فارغة من الليرات. دخل أحد فروع المصرف للاستفهام عن الأمر، فكان الجواب “لا يمكنك سحب الراتب إلا بالدولار الفريش”. لكن المفارقة أن المصرف يعتمد سعر صرف 22300 ليرة للدولار، ما اضطر (م. أ) إلى دفع نحو 30 ألف ليرة للمصرف كي يستكمل قيمة راتبه ليساوي مليونين و230 ألف ليرة، فيتقاضى 100 دولار. وبذلك يكون المصرف قد طبق التعميم 161 على العنصر. لكن ماذا كسب الأخير؟ لم يكسب شيئاً، لا بل خسر من راتبه 255 ألف ليرة. والسبب أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء بلغ اليوم 19750 ليرة للدولار.

السؤال الذي طرحه العنصر في الجيش يعبر عن آلاف العملاء المصرفيين اليوم، ومئات الآلاف من الموظفين: لماذا يطبقون التعميم علينا قسراً؟ ويقول: أنا أريد راتبي كما هو.

تواطؤ على السلب

عملية “السلب” التي تعرّض لها العنصر في الجيش اللبناني، جرى تعميمها على كافة الموظفين والعسكريين والأجهزة الأمنية وكل صاحب حساب موطّن بالليرة اللبنانية. جميعهم جرى سلبهم تحت سقف التعميم 161 وبالتواطؤ بين المصارف ومصرف لبنان. فمنذ متى وسعر صرف الدولار على منصة صيرفة يفوق السعر في السوق السوداء؟

بنك الموارد يبرّر للموظفين الموطنة رواتبهم فرض تحويلها إلى الدولار، بـ”الإقبال الكثيف على الاستفادة من التعميم 161″. لكنه يرفض في الوقت عينه طلبات سحب الرواتب بالليرة ويُفرغ كما أمثاله من المصارف كافة الصرافات الآلية من الليرات.

ولا تكتفي المصارف ببيع الدولارات قسراً لعملائها، وهي العالمة أنهم يتكبدون خسائر من جيوبهم جراء فارق سعر الصرف بين صيرفة والسوق السوداء، بل تذهب أبعد من ذلك. إذ يعتمد كل مصرف على السعر الذي يناسبه لمنصة صيرفة. فمنها من يعتمد السعر 22300 ليرة للدولار و22230 ليرة. ومنها من يعتمد حتى اليوم سعر 24000 ليرة، على الرغم من انخفاض السعر كثيراً إن على منصة صيرفة أو السوق السوداء.

تعميم جديد

كل ذلك ولا تزال المصارف متمسكة بسقوف السحب المنخفضة للسحوبات، فلا تفرج عن رواتب ومستحقات الموظفين الذين تفوق رواتبهم السقوف المحدّدة من قبلها. وفي هذا الإطار يؤكد مصدر مصرفي لـ”المدن” العمل في مصرف لبنان على تحضير تعميم جديد يتقاطع مع التعميم 161، ويتيح في الوقت نفسه رفع سقوف السحوبات لموظفي القطاع العام. ويوضح المصدر أن مصرف لبنان يستهدف من التعميم المُرتقب تعزيز قيمة رواتب موظفي القطاع العام بالتنسيق مع الحكومة!

ويتوقع المصرفي أن يستمر سعر صرف الدولار في السوق السوداء بالهبوط، متأثراً باستمرار مصرف لبنان ضخ الدولارات في السوق لشهر شباط كاملاً بالحد الأدنى، مع احتمال تمديد عملية تدخل المصرف في السوق للأسبوع الأول أو النصف الأول من شهر آذار، باعتبار أن الأموال التي يستعملها حالياً مصرف لبنان تعود لأرباح شركة الميدل إيست!

Leave A Reply