‎المحاولات جارية لإنقاذ سعد الحريري!

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

حسناً، عاد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، من مغتربه القسري إلى الأراضي اللبنانية، وقد دشّنه بمجموعة لقاءاتٍ “بروتوكولية” تحصيل حاصل.. الآن ما هي الـnext step؟

يُفترض أن يبادر الحريري إلى مفاتحة أعضاء كتلته النيابية وعموم قياديي تيّار “المستقبل” برؤيته الإنتخابية للمرحلة المقبلة. وإذا ارتكزنا إلى تسريبات عالية القوم لدى التيار الأزرق، لاستخلصنا أن القرار المتّخذ سلفاً هو الإنكفاء عن الإنتخابات شخصياً، مقابل المساهمة في إدارتها على صعيد التيّار عبر “الإتفاق على آليةٍ ما”، وهنا بيت القصيد!

في الواقع، ولولا أهمية هذه القضية وتعقّد مسائلها، ما كان الحريري قد حضر في هذا التوقيت. و في ظل تردّده غير المسبوق، خلص أن خيار خوض الإنتخابات بلوائح “زرقاء صرف” وتحت قيادة وإشراف مباشر من تيار “المستقبل” سقط، وبالتالي هو عائدٌ لـ”إيجاد تخريجة” ولتهدئة التململ لدى المحازبين والمناصرين، وليس سراً أن هؤلاء باتوا في حيرة من أمرهم، وعرضةً لتقلّبات سياسية متنوعة، إلى حدٍ بلغت الأمور برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن تجرّأ على قاعدة التيار الأزرق!

إذاً، يُفضّل رئيس تيّار “المستقبل” عدم الخوض في المجال الإنتخابي، ومن الأسباب المعلومة، عدم تبلّغه رداً على رسائله المتكرّرة إلى السعودية لمحاولة فهم توجهاتها في هذا الخصوص، وفي مكانٍ آخر عدم نجاعة “الوساطة الإماراتية” والتي أظهرت حقيقة الموقف السعودي المائلة إلى تحذير الحريري من مغبة الخوض في أي إستحقاق سياسي. بناءً عليه، جلس الحريري ضائعاً في خياراته، أسير دهم المهل والأصوات المرتفعة في شارعه والتي تطالبه بوضوح الصورة لمعرفة أي طريق سنسلك. تبعاً لذلك، قد يجد الحريري أن أفضل خيار هو الذي طُرح سابقاً، إتاحة المجال أمام الراغبين من تيار “المستقبل” في خوض الإستحقاق “كلّ على نفقته”، ويصبح دور “المستقبل” كـ”تيار سياسي” هنا، أشبه بدور “لوبي”، يساهم في إدارة تجيير الأصوات “بالحدّ الأدنى المسموح” وتحت إشراف الرئيس فؤاد السنيورة، صاحب فكرة “إنشاء الهيئة السياسية العليا” المولجة إدارة شؤون “المستقبل”، وحين ينتج عن الصناديق شيء، يبادر من فاز إلى الإنضواء ضمن تركيبةٍ نيابية “محسوبة” على التيار الأزرق.

عملياً، أزمة الحريري شخصياً لا يمكن حصرها بالإنتخابات فقط. إستحقاق أيار 2022 تولّى تظهيرها ، وهو ليس أكثر من محطة في سلسلة يتخبّط فيها الحريري ولا طائل في التخلص منها، من دون وجود قرار بالتحرّر من سطوة محمد بن سلمان. في الواقع، خشية الحريري ها هنا، في ولي العهد السعودي الذي وجه تهديداً صريحاً إليه، من مغبّة العودة إلى العمل السياسي، وقد أدى ذلك إلى تراجع الحريري عن خيار “المحافظة على كرسي والده” ورفض سياسة التوريث بـ”الريموت كونترول”، لذا كل ما يطلق من عناوين في هذا الإتجاه صحيح، ونابعٌ ممّا يمكن تسميتها بـ”الأخطاء” التي وقعَ بها الحريري خلال فترة عمله السياسي.

مع ذلك، ثمة أصدقاء مخلصون لسعد الحريري في الداخل يعملون على محاولة إخراجه من الآتون الذي يتخبّط فيه، وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري منهم، وإلى حدٍ ما “حزب الله”، الذي أشهر رفضه القاطع لاستبدال الحريري بأي شخصية أخرى حتى ولو كانت من صلب 8 آذار! ولا ريب أن المعلومات المتداولة، توحي بضغط داخلي يمارسه بري على الحريري، تحت شعار “رفض اللقاء” معه متى كان عنوانه “تبلّغ رسالة”. على المقلب الآخر يتولى جنبلاط “البعد الخارجي”بدليل مواقفه المتتالية حول ضرورة الشراكة مع سعد الحريري في الإنتخابات. ولا بدّ أن “البيك” يحاول الترويج لفكرةٍ قديمة تحاكي الضرورات. فإن نشأ تحالفٌ درزي – مسيحي في الجبل يحتاج في سياق إتمامه، إلى شريك سُنّي ولا يمكن أن تتوفّر الشروط إلاّ في سعد الحريري، لذلك يخوض جنبلاط محاولات إقناع السعودية تحت عنوان الرسالة التي أبلغها إلى الرياض: “لا تراهنوا علينا بمفردنا بمنأى عن الحريري.. إذا ما بدكن سعد قولوا لنا من البديل المعتدل”.

بعض المحنّكين في السياسة يربطون ما بين زيارة جنبلاط إلى روسيا ومحاولته المساهمة في مجال إنقاذ سعد الحريري. جنبلاط يدرك مدى دقة العلاقة التي تجمع موسكو برئيس تيار “المستقبل” وتلك التي تجمعها بالرياض، وبناءً عليه، ومتى كانت موسكو “صاحبة مشورة” في الوضع اللبناني، فلماذا لا نعود إليها؟

من جهةٍ أخرى، يحاول الفرنسيون إيجاد تخريجةٍ ما تُسهم في رفد الحريري بدعم. صحيح أنهم ممتعضون من أدائه مؤخراً ومن تقلّباته الدورية، لكن ذلك لن يقف في طريق استراتيجيتهم في لبنان والتي تعتمد على ضرورة وجود الأصدقاء، أمّا الرصيد الذي صرفه الفرنسيون على الحريري سيّما إبّان أزمته في الرياض عام 2017 فما زال سارياً، ولا يبدو أن المصلحة السياسية من الحريري قد انتفت بعد. ويتردّد همساً أن باريس تقود بالتوازي مع حركة جنبلاط، محاولةً لاسترداد سعد الحريري إلى عمقه اللبناني تحت شعار أن “شلّ العمل السياسي في لبنان” ليس مطلوباً، طالما أنه سيتسبّب بإحداث فراغ لدى السُنّة وليس عند المسيحيين المُستهدفين بحملات تقويض لـ”التيار الوطني الحر”.

وتبعاً لذلك، سيُمكن للحزب تعويض الخسارة المحتملة لدى الفريق المسيحي الحليف عند السنّة عبر حلفائه، فما النفع من اعتماد سياسة “الضغط الأقصى” متى كانت ستقوم على استبدال حجرٍ بحجر ولن تحقّق المبتغى؟ وهي “المسج” التي يعمل الفرنسيون على إيصالها إلى الجانب الأميركي، تحت عنوان أن “الاكثرية المتوخّاة” يُمكن تأمينها بشرط إجراء إعادة تدوير للأحزاب القائمة في السلطة بناءً على معايير واتفاقات جديدة وإعادة تجديد التعاون مع سعد الحريري، “نيو سعد الحريري” أي الشخصية التي يُعمل على ترتيبها، وليس عبر الوكلاء والـNGOs الذين أثبتوا لغاية الآن، أقلّها من وجهة النظر الفرنسية، أنهم ليسوا البديل المُرتجى لبنانياً طالما أن الاحزاب لا زالت ضاربة في الأرض! ولعلّ الأميركي نفسه أدرك أنه ما زال من المُبكر التعويل على تلك الجماعات من أجل إنجاز تغيير سياسي نوعي.

Leave A Reply