البلاد إلى أزمة دواء في ٥ مشكلات

بعد اجتماع بعبدا الذي ضم الى رئيس الجمهورية، رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير المال وحاكم مصرف لبنان الذي أعلن ان الاحتياطي المتوافر الممكن استخدامه لا يزيد عن ٢ مليار دولار، يعود موضوع الدواء الى الواجهة وسط «معمعة فوضى» مصالح متناقضة بين المستوردين والموزعين والصيدليات ومصانع الدواء والأطباء والضمان الاجتماعي والتعاونيات الأمنية والعسكرية وشركات التعاضد والتأمين… وقبل هؤلاء جميعا: المريض اللبناني المصاب إضافة الى مرضه، بعلّة العوز والفقر بما لن يستطيع معه بعد رفع الدعم تحمّل ارتفاع مرتقب في سعر الدولار قد يصل الى ٥ أضعاف المعدل الحالي وربما الى ٧ أو ٨ أضعاف إذا ما استمر سعر الدولار بالارتفاع لا سيما مع التأخير والتأجيل في تأليف حكومة جديدة ليس الواضح منذ الآن، على أهمية تأليفها وخطورة عرقلتها، ما إذا كانت قادرة على حل مشكلات تحتاج الى «معجزات»! في طليعتها أزمة الدواء المستعصية في مجموعة تعقيدات مركبة منها:

أولا: شح الاحتياطيات النقدية، بحيث قد يقتصر الدعم فقط، حسب المعلومات المتوافرة، على الطحين ومنه «الرغيف» الذي بقدر ما هو مادة اقتصادية، مادة سياسية، لا سيما في العالم العربي حيث تبالغ الحكومات في استخدامها سعر الرغيف لأهداف شعبوية، مع أنه جزء من منظومة متكاملة منها الجانب الدوائي والصحي والبيئي والسكني..

ثانيا: سوف يضطر مستوردو الدواء عند رفع الدعم للحصول على قيمة الاستيرادات البالغة حوالي 1,4 مليار دولار إلى الحصول عليها من السوق السوداء متى أضيفت الى قيمة باقي السلع الأساسية التي سيرفع عنها الدعم – ربما باستثناء الطحين – فان أي سقف حالي لسعر الدولار سوف ينهار على المواطن وعلى الاقتصاد وعلى ما تبقّى للدولة من سقوف تهتز وتتكسر حتى قبل رفع الدعم، فكيف بعد رفعه، وحتى قبل الكورونا فكيف استمرت اقامتها الثقيلة وطالت الى أمد غير منظور.

ثالثا: اللجوء الى أدوية «الجنريك» التي كلفة صناعتها أقل من كلفة صناعة أدوية «البراند» (التي تتمتع بامتيازات معطاة لمبتكري هذه الأدوية لمدد تتراوح بين ١٠ و٢٠ سنة) قد لا يحل المشكلة الا جزئيا بسبب ان «الجنريك» أرخص في الصيدليات بنسب لا تزيد عن ١٠% و٢٠% (وأحيانا أكثر حسب نوع الدواء). وفي حال رفع الدعم ومعه ارتفاع سعر الدولار سوف يتآكل هذا الفارق، لا سيما ان حجم استيرادات أدوية «الجنريك» لا يزيد عن ٢٠% من اجمالي حجم مستوردات الأدوية الى لبنان بكامل أصنافه وأنواعها.

رابعا: كان يمكن للصيدليات أن تنصح المريض بشراء أدوية «الجنريك» الأرخص، لولا أن أكثر الأطباء يضعون على وصفة الدواء إشارة الـSN التي تعني حصرا دواء الـ «البراند» بسبب ان الأطباء يعرفون فعالية هذا النوع من الأدوية خلال دراستهم في الخارج وليس لديهم معرفة بآلاف أصناف أدوية «الجنريك» المستجدة عليهم ومدى فعاليتها، فضلا عما يقال عن تعاون وتضامن ضمني في مسلسل تقليدي تاريخي طويل في أدوية «براند» الغالية الثمن بين مجموعات مستوردين وأطباء وصيدليات، يحتاج تأكيده على أي حال الى أدلة واثباتات.

خامسا: تحتاج أدوية «الجنريك» الى تعزيز وتطوير مختبرات تدقيق وفحص الدفق الكبير من أصناف هذا النوع من الأدوية الأقل كلفة على المريض، بما يتطلب استثمارات جديدة وخبرات مضمونة.

سادسا: ويبقى الحل الأمثل تطوير صناعة الأدوية كما هو حاصل بنجاح في بعض البلدان العربية، وهو بدوره يحتاج الى استثمارات مالية، تحتاج بدورها الى ثقة محلية وعربية ودولية، تسعى الدولة الى استبدالها كلّها بـ… بطاقة تموينية!

Comments are closed.