هل مِنْ أفقٍ للإنهيار؟

سؤالٌ واحدٌ بات يقلق اللبنانيين ويقضّ مضاجعهم ويجعلهم لا يعرفون ماذا يفعلون ولا إلى أين يسيرون، وإلى أين سيصل الإنهيار في بلدهم، وهل من حدّ نهائي لهذا الإنزلاق الخطير كلّ يوم نحو هاوية سحيقة لا يبدو أنّ هناك قعرٌ لها في الأفق المنظور؟

لا جواب عن هذا السّؤال المتشعّب وعن أسئلة أخرى مماثلة، لا عند الدولة المستقيلة من مهامها تجاه مواطنيها، ولا عند الحكومة العاجزة منذ مدّة عن عقد إجتماع لمعالجة قضايا هامّة تعني اللبنانيين في لقمة عيشهم وصحّتهم ومستقبلهم الذي يبدو قاتماً كما لم يكن من قبل، ولا جواب أيضاً على هذا السؤال وغيره عند أحدٍ من المسؤولين كافّة، من وزراء ونوّاب أو رؤساء أحزاب وزعماء وقيادات، سياسيّة كانت أم أمنية أم دينية، فالكلّ صامت، وإذا تكلم فإنّه إمّا يقول لا أعلم، أو يرمي التهمة على غيره.

ليس تفصيلاً بسيطاً ما يشهده لبنان من إنهيارٍ واسعٍ على كلّ الصعد خلال الأيّام الأخيرة، وليس أمراً عادياً أن يحدث كلّ ذلك من غير أن ينتفض الشّارع، أو أن يتقدم أحد من هذه الطبقة السّياسيّة التي تمسك برقاب البلد ومفاصله من أجل المبادرة لاقتراح حلول وإخراج البلد من أزمته الخانقة، إذ تبدو هذه الطبقة السياسية وكأنّها تعيش في عالم آخر تماماً بعيداً عن مشاكل بلدها وهموم شعبها.

يوم أمس كان يوماً كارثيّاً بكل ما للكلمة من معنى، بعدما تخطّى سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة اللبنانية عتبة الـ25 ألف ليرة، محقّقاً إرتفاعاً قدره 1200 ليرة في يومٍ واحدٍ فقط، وبعد إعلان وزير الإقتصاد رفع سعر ربطة الخبز إلى 10 آلاف ليرة، وبعد شيوع خبر إرتفاع أسعار المحروقات ما أعاد مشهد طوابير الذّلّ أمام محطّات المحروقات من جديد.

ما حصل أمس من تدهور لم يعرفه لبنان واللبنانيون من قبل، سبقه رفع الحكومة الدعم عن الأدوية، باستثناء عددٍ قليلٍ منها، ما وضع البلاد أمام كارثة صحّية ستكون نتائجها الإنسانية مدمّرة على كلّ المستويات.

وزاد الطين بِلّة الحديث عن نيّة الحكومة رفع سعر الدولار الجمركي من 1507 ليرات إلى سعره الحالي في السّوق السّوداء، مطلع العام المقبل، ما سيؤدّي إلى ارتفاع كبير ومضاعف في أسعار جميع السّلع، كون أغلبها مستورد من الخارج ولبنان لا يُنتج إلا القليل منها، وتحديداً المحروقات والسّلع الغذائية والأدوية والمواد الطبّية، ما سيجعل السواد الأعظم من اللبنانيين غير قادرين على شراء حبّة دواء أو صفيحة محروقات أو رغيف خبز.

كلّ ذلك وضع علامات إستفهام كبيرة حول إنْ كان لبنان قد بدأ إلتزام تنفيذ شروط البنك الدولي مسبقاً، وحتى قبل مفاوضاته معه، من جعل المواطنين والموظفين والعمّال وصغار الكسبة كبش محرقة هذه الشّروط ـ الإجراءات، بينما تغيب تماماً كلّ إجراءات وتدابير الشفافية والمحاسبة وإيقاف الهدر، ومكافحة الفساد الذي نخر البلد لسنوات وعقود بسبب طبقة سياسيّة فاشلة تتنصل من عجزها لترميه على مواطنيها.

 

عبد الكافي الصمد – سفير الشمال

 

Follow Us: 

 

Leave A Reply