الحياة بعد جائحة «كوفيد ـ 19»

إذا كانت هناك جوانب إيجابية للوباء العالمي «كوفيد – 19»، فقد يكون أهمها الدور الذي تلعبه في رفع مستوى الشعور بأهمية الصحة الجيدة واتباع كل ما يحافظ عليها، ومنها أخذ اللقاحات. ومن المتوقع أن يغير الوباء التصورات حول أهمية مواكبة اللقاحات.

تقول الدكتورة فرانشيسكا سيديا (Francesca Ceddia)، رئيسة الشؤون الطبية العالمية للقاحات – جي إس كي – إن من المتوقع، بنهاية هذا العقد، أن يزداد عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً فما فوق بأكثر من الثلث، أي 1.4 مليار شخص حول العالم. وإذا لم تتحسن معدلات تغطية التطعيمات للبالغين، فيمكن أن ترتفع معاناة المرضى البالغين من مضاعفات الأمراض المعدية وأن نرى زيادة في الوفيات. وقبل هذا الوباء، قُدرت نسبة الأشخاص الذين يرون أن الصحة الشخصية والرفاهية والاستقلال «مهمة جداً» لهم بـ«الثلثين»، بينما قفزت النسبة إلى ثلاثة من كل أربعة أشخاص خلال الوباء، وبالنسبة للنساء، بلغت 81 في المائة.

– دراسة حديثة

دراسة استطلاعية حديثة أجريت خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)2021، بهدف فهم الدور الذي يلعبه التطعيم في الصحة والرفاهية بين الناس في سن 50 وما فوق. نفذ الدراسة شركة «كانتار (Kantar)» (المتخصصة في الأبحاث) بتفويض من شركة «جي إس كي (GSK)» (شركة الرعاية الصحية في مجال تصنيع اللقاحات على مستوى العالم). وشارك في الدراسة 16000 شخص، من الذكور والنساء، من ثماني دول (إسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، والبرازيل، والولايات المتحدة الأميركية، وكندا واليابان)، وتم مسح 2000 شخص فوق سن الخمسين في كل بلد.

 هل يمكن أن يزيد تغيير المواقف تجاه التطعيم بعد جائحة «كوفيد – 19»، من معدلات تطعيم البالغين، ويحسن النتائج الصحية على المدى الطويل؟

 ما موقف الأشخاص البالغين من العمر 50 عاماً أو أكثر، في تقدير قيمة الصحة الجيدة وتحسين نوعية الحياة مقارنة بالأمن المالي في مرحلة ما بعد الجائحة العالمية؟

 ما مدى نجاح رسائل الصحة العامة التي تركز على اللياقة المناعية في تشجيع التطعيم؟

– نتائج وتقييم

أولاً: الصحة الجيدة. أن يفهم الناس أن المستقبل يمكن أن يكون أكثر إشراقاً بـ«صحة جيدة»، فالصحة الجيدة هي أكثر من الأمان المالي أو التمتع بحياة نشطة، وهو ما يسعى إليه الناس في سن الخمسين وما فوق لضمان جودة الحياة في العقود المقبلة من حياتهم.

كان معدل النسبة المئوية للمشاركين من الدول الثماني الذين صنّفوا «الصحة الجيدة» كمرتبة أولى لهم من حيث أهميتها لنوعية حياتهم على مدى السنوات المقبلة 77 في المائة، منهم في البرازيل (71 في المائة)، واليابان (77 في المائة)، وفرنسا (77 في المائة)، وألمانيا (80 في المائة)، وإسبانيا (80 في المائة)، وكندا (79 في المائة)، وإيطاليا (78 في المائة)، والولايات المتحدة (75 في المائة).

السؤال الذي نطرحه عند التفكير في الحياة بعد الوباء: هل سيواصل الناس، بشكل روتيني، رعاية صحتهم الجسدية من أجل البقاء بصحة جيدة وآمنة؟ كان متوسط الإجابة بنعم 87 في المائة.

 ثانياً: أهمية اللقاحات. تختلف الدول في إلمام شعوبها بحالة اللقاح اختلافاً كبيراً، فالأميركيون يعتقدون أنهم على اطلاع محدث (updated) للقاحات بنسبة 38 في المائة، بينما اليابانيون إما لا يعرفون أو لا يهتمون إذا تم تطعيمهم أم لا، فيعتقد 1.6 في المائة فقط أنهم على علم، و32 في المائة لا يفكرون في الحصول على لقاحات إضافية.

وهنا يبرز دور اختصاصيي الرعاية الصحية (طبيب/ ممرض/ صيدلي) بمناقشات اللقاح مع مرضاهم باعتبارهم الخيار رقم (1) الموثوق به للحصول على المعلومات، وفقاً لتصنيفهم بذلك من 83 في المائة من المشاركين في الدراسة. فتفوقت أهميتهم في ذلك على سلطات الصحة العامة والأصدقاء وأفراد الأسرة والمنتديات عبر الإنترنت ومجموعات المرضى ومواقع الأدوية والمشاهير.

ثالثاً: الحماية. السبب الرئيسي الذي يدفع الناس للحصول على لقاح هو الحماية، إذ أفاد 90 في المائة من المشاركين بأنهم تلقوا اللقاح لحماية أنفسهم، 60 في المائة لحماية الآخرين، 30 في المائة لحماية من يُحبون. وفي الدراسة، تفوق الكنديون على كل البلدان الأخرى في كل الأسباب الثلاثة.

– السلوك الصحي

 رابعاً: توافر المعلومات. إن عدم وجود المعلومات هو أكبر عائق للحصول على اللقاحات. واتضح من الدراسة أنه يمكن تحسين معدلات التطعيم بتقديم معلومات واضحة والتذكير بالتطعيم وموعده.

 خامساً: السلوك الصحي. لقد وُجد أن مواقف الناس تجاه الصحة لا تتعلق بالجنس، فلدى الرجال والنساء الأسباب نفسها للاهتمام بحماية صحتهم وصحة الآخرين وللحصول على اللقاحات أو رفضها. وبَيَّنَ أولئك الذين رفضو اللقاح، ذكوراً كانوا أو إناثاً، أنهم لم يشعروا بأنهم معرضون للخطر (9 – 11 في المائة) أو أنهم يفتقرون إلى المعلومات التي يحتاجونها لاتخاذ قرار مستنير عن اللقاح ولماذا يأخذونه (9 في المائة)، أو أنهم قلقون من الآثار الجانبية المحتملة (9 – 10 في المائة). أما الذين تلقوا اللقاح في السنوات الماضية، فكان السبب حماية أنفسهم (84 في المائة)، وحماية الآخرين (54 – 55 في المائة)، وحماية مَن يحبون (32 – 34 في المائة). ووُجد أن كلاً من الرجال والنساء يعتمد إلى حد كبير على المصادر نفسها للمعلومات، لصالح المتخصصين في الرعاية الصحية عن جميع المصادر الأخرى.

سادساً: النظر نحو المستقبل. تظهر الفروق بين الجنسين عند التفكير في المستقبل للحفاظ على صحة جيدة، فالنساء اللائي يملن إلى الإشراف على صحة أسرهن، ومستعدات ليكنّ من مقدمات الرعاية بشكل عام، يحتفظن (67 في المائة) أكثر من الرجال (49 في المائة) بمعقم اليدين. كما أن أعداداً من النساء أكبر (62 في المائة) من الرجال (49 في المائة) لديهن تركيز أكثر في الصحة العقلية. وقد يُعزى ذلك لكون النساء أكثر حرصاً لتجنب المخاطر.

 سابعاً: المناعة لا العمر. عادة ما يتم الحديث عن الأمراض التي تساعد اللقاحات في الحماية منها من حيث الأعمار. بمعنى آخر، إذا كان الشخص أكبر سناً، فمن المرجح أن يوصى بأخذ اللقاحات المختلفة. ومع ذلك، هناك فرق بين ما تعتبره العلوم الصحية «كبيراً ومسناً» من حيث المخاطر وما يتصوره الشخص من معنى كلمة «كبير ومسن». إن ما يقرب من 50 في المائة من الناس يعتبرون أنفسهم «أصغر» سناً من عمرهم البيولوجي الحالي.

ومن خلال الدول الثماني التي شملتها الدراسة، أظهر الرجال والنساء وجهات نظر مختلفة بشأن أعمارهم، فقد أبلغوا عن مشاعر متشابهة عندما سُئلوا عن أعمارهم، إنها جديرة بالملاحظة، فهم يتعارضون في تصورهم عن «الشيخوخة» مع المفهوم العلمي، ويدركون ضعف جهاز المناعة أكثر مما يدركون ضعف أعمارهم. عليه، ولإقناعهم، يوصى بالحديث معهم من حيث نظام المناعة وليس العمر.

– أهمية اللقاحات

> ثامناً: اللقاحات من أجل جودة الحياة. عند النظر إلى السنوات العشر المقبلة، تتفق شريحة الخمسين سنة وأكثر (50+) بأغلبية ساحقة (94 في المائة) على أن الصحة الجيدة ضرورية لجودة الحياة. وأنهم (73 في المائة) اكتسبوا فهماً أفضل للقاحات والجرعات المنشطة وأنها جزء من الحفاظ على الصحة.

> تاسعاً: اكتساب سلوكيات صحية من الجائحة. أظهرت الدراسة أن الغالبية العظمى (أكثر من 79 في المائة) يرغبون في الاستمرار بارتداء القناع في الأماكن العامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي (جسمياً)، خصوصاً خلال المرض، في مرحلة ما بعد الجائحة.

وتشير بيانات كانتار مونيتور العالمية (Kantar›s Global MONITOR) لعام 2021، إلى أنه من المرجح أيضاً أن تستمر السلوكيات الصحية الإضافية مثل غسل اليدين، والعناية بالصحة الشخصية واستخدام المطهرات. هذه السلوكيات التي يتم القيام بها بشكل شائع في جميع أنحاء الوباء قد تركت علامة دائمة على كيفية رغبة الناس في إدارة صحتهم المستقبلية بشكل استباقي.

ويرغب الكثير في تحديث اللقاحات والمعززات في السنوات المقبلة، باعتبارها جزءاً من السلوكيات الصحية المكتسبة بسبب الوباء.

– خلاصة الدراسة

تلخص الدكتورة جايل ديفي (Gayle Davey)، رئيسة قسم الاستشارات بالشركة (Kantar) المنفذة للدراسة الاستطلاعية، في التالي:

> النتائج المستخلصة من هذه الدراسة الاستقصائية الجديدة توفر للعلماء والباحثين رؤى حول الدور الذي يقوم به تحسين المواقف تجاه التطعيم بسبب «كوفيد – 19»، فقد كانت «الصحة الجيدة» أكثر أهمية بكثير للفئة العمرية خمسين عاماً وما فوق (مرتبة على أنها عالية الأهمية بنسبة 94 في المائة) من الأمن المالي (46 في المائة) أو وجود حياة أسرية نشطة (43 في المائة) لجودة حياتهم خلال السنوات العشر المقبلة.

لقد كانت أفضل طريقة للوصول إلى هذه المجموعة لتشجيع تعزيز الصحة الجيدة هي التركيز على «لياقة جهاز المناعة» لديهم، وليس العمر. إن ما يقرب من 50 في المائة من البالغين 50 عاماً أو أكبر في البلدان الثمانية التي شملها الاستطلاع يقولون إنهم يشعرون بأنهم أصغر من عمرهم الزمني الحالي، وأنهم يشعرون بأنهم أصغر جسدياً من أعمارهم.

وعند سؤالهم عن العمر الذي يعتقدون فيه أن جهاز المناعة لديهم يضعف، أدرك نصفهم أهمية ذلك، وظل 20 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع يشعرون بأنهم «كبار في السن»، وهم في الخمسينات والستينات من العمر. يشير هذا إلى أن الناس يدركون الضعف المزداد بجهاز المناعة في أعمار محددة. لذلك، فمن خلال توجيه الحديث إلى جهاز المناعة، قد يكون من الممكن إزالة الحواجز التي تمثلها تصورات عن «الشيخوخة» تؤدي إلى اتصالات أكثر تأثيراً حول التطعيم وتقدم الشيخوخة الصحية.

> وفقاً لأولئك الذين شملهم الاستطلاع، يمكن أيضاً «تحسين معدلات تطعيم البالغين»، وتذكيرهم بموعد استحقاق التطعيمات وتحديد موقعها في مكان أكثر ملاءمة. في حين أن ثمانية من كل عشرة ممن شملهم الاستطلاع أفادوا بأنهم تلقوا التطعيم ضد «كوفيد – 19»، اعتقد 19.8 في المائة فقط أنهم كانوا محدثين (updated) باللقاحات الموصى بها للبالغين.

 في جميع البلدان، قال البالغون إنهم يريدون «معلومات أفضل وأكثر وضوحاً» حول اللقاحات المطلوبة، ولماذا تعطى لهم. كما أراد البالغون في إسبانيا وفرنسا واليابان معرفة المزيد عن الآثار الجانبية المحتملة للقاح.

 وقد أظهر هذا الاستطلاع أن الصحة الجيدة هي ما يصنفه البالغون فوق سن الخمسين كأولويتهم رقم (1) لضمان جودة الحياة. كما أظهر أيضاً أن جائحة «كوفيد – 19» ساعدت في خلق وعي جماعي أعلى حول ضعف جهاز المناعة لدينا والفوائد الحقيقية للتطعيم. والأهم من ذلك، أننا اكتسبنا رؤى قيّمة حول البالغين فوق سن الخمسين والمعلومات التي يبحثون عنها والعوائق التي يجب التغلب عليها. وفقاً للتقرير الصيدلاني للتطعيمات في 22 سبتمبر (أيلول) 2021، والمدعوم من بيانات مصدرها دراسة مونيتور العالمية (2021 Global MONITOR study).

 إن الصحة الوقائية أمر بالغ الأهمية، فقد أخبر 8 من كل 10 من مجموعة الـ50+ في الدراسة الحديثة أنهم تلقوا لقاح كورونا، والعدد نفسه يدرك فوائد اللقاحات، وهذا يؤكد تقديرهم للرعاية الصحية الوقائية:

 إن 82 في المائة لديهم القدرة على الوصول إلى رعاية صحية عالية الجودة.

 و70 في المائة يحصلون على فحوصات منتظمة من طبيب أو أخصائي طبي.

 و77 في المائة يتجنبون الجراثيم والملوثات التي تصيبهم بالأمراض.

 في طب الأطفال، هناك نظام صحي يتيح للوالدين متابعة لقاحات أبنائهم، متى ولماذا. وفي المقابل، ليس هناك نظام مماثل للقاحات البالغين، ما يؤدي إلى الارتباك لدى المرضى والممارسين على حد سواء.

كان هناك حجم كبير من المعلومات المتاحة والفرص التعليمية حول «كوفيد – 19» واللقاحات. ومن دون الجائحة، فإن اللقاحات الأخرى أكثر تعرضاً للتجاهل أو إساءة الفهم. ومن هذه الدراسة، يتضح أن كل المشاكل والعوائق التي تواجه تحقيق الصحة الجيدة وجودة الحياة يمكن التغلب عليها، وقد أفاد المشاركون بما يحتاجون إليه، وهو فقط الاستماع، والاقتناع، ثم العمل.

 

الشرق الأوسط

 

Leave A Reply