“النافذة” لـ فاطمة إبراهيم رواية من وحي ذوي الاحتياجات الخاصة

 

عن دار الأمير في بيروت أصدرت الكاتبة اللبنانية فاطمة إبراهيم باكورة أعمالها الأدبية رواية “النافذة” التي تأتي ضمن سلسلة الإصدارات التي تصدرها الدار للموسم الثاني من عام 2021 تتوزّع على عشرة فصول في 150 صفحة من الحجم الوسط.

تقول فاطمة إبراهيم في روايتها: تبخّرت رغبتُه في تأمّل السّماء والقمر بدرًا. كلّ الأشياءِ التي ترحلُ، أصبحت خائنةً في عينيْه.

توطّدت علاقتُه بالنّجوم أكثر؛ هي لا تغادرُ السّماءَ البتّة حتى في النهار، لكن ضوء الشّمس يحجبُها عن ناظريْه. اللّيل لم يعدْ كسابقِ عهدِه؛ ليل يسكنُ فيه، يعرجُ إلى منازلِه فيستريح فيها. يجوبُ الأرضَ من فوقِ سمائِه بعينيه، ويتملّكها لحظات طويلة، تُشعره أنّه ملكٌ، يتحكّم ُبزمامِها ويُناجيها من فوقِ السّحب المتراكمة التي تتسابقُ فيما بيْنها، على إخفاءِ القمِر ونورِه. الذّكرى أصبحت معلقةً أيضًا في السّماء، أينما سرحَ بنظرِه، تتراءى لهُ صورةُ أبيه، والحديثُ الذي كان يدورُ بيْنهما.

وتدور أحداث الرواية مع “مراد” الذي ولد في بيئةٍ فقيرةٍ وهو ذو إعاقة جسديّة ألزمته التنقّل على كرسيّ متحرّك. رغم عجزه وقلّة حيلته بقيت نفسه تتوق إلى الحياة.

أبى مراد أن يتقهقر: تظلّل بوميض أملٍ انتشله من بين براثن خيباته المتلاحقة، ولم يسمح للكرب بأن يتسلّل إلى أعماقه محيلًا خيباته قوى تسلّح بها للسير قدمًا في الحياة. لم تكن كرسيّه حجر عثرةٍ في طريقه بل سلمًا ارتقاه، في النهار، ليبلغ الأفق وما بعده قبالته ويجول في شوارع المدينة وأزقتها سارحًا في الناس، قارئًا على وجوهها ما يشغلها ويعتريها. والليل أضحى أثمن أوقاته لتأمل أفلاك السماء، وليسبح في فضائها الواسع وليطارد أحلامه تزامنًا مع عزف صديقته الروحية “إيفانا”. أعانه على ذلك نافذته. كبساط ريحٍ، تنقله أنّى يشاء وحيث يشاء .. لقد كانت بمثابة جسر يعبره في كل يومٍ، كلما أحسّ بكدرٍ يتآكله وبأنّ أيّامه تمر ثقيلة. ثم يحصل ما لم يكن في الحسبان. خيبةٌ أخرى ألقت بظلالها على حياته وحياة أمّه، أرغمته على عزل نفسه أكثر بين جدران غرفته دون أن يعتزل الحياة التي صبّت عليه حمم قساوتها: رحل والده بغتةً دون مراسم وداعٍ وقبلاتٍ حارةٍ، تعبيرًا عن شوقٍ قادمٍ لا محال. وكان لهذا الحدث أثرٌ عظيمٌ في نفسه بأن التزم الصمت كردّة فعلٍ، وشبّت في ذهنه تساؤلات عدّة أقلقت راحته حول دوافع الهجر وأسبابه وموعد عودة والده، وتاقت نفسه إلى العيش أكثر متمسكًا بالأمل ولسان حاله: أريد أن أحيا ..

وتضيف إبراهيم في حديثها عن روايتها “النافذة” وأثرها عليها: “وعلى غرار “مراد”، داويتُ نفسي بالأمل وصبَّرتها على المكاره والشدائد، وألزمتها أن تطرد شياطين اليأس وتردَد بيتَ الشعر للطغرائي من قصيدته لامية العجم:

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها

ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

متخذة إيّاه مبدأً لتجاوز المحن وبلوغ ما تنشده وتبتغيه. بذلك، تجاوزت ثماني سنوات وأنا في انتظارِ مولود، وسنتين ونصف انتظارٍ، لنشر باكورة أعمالي “النافذة” الصادرة حديثًا عن دار الأمير في بيروت. فأتت الولادتان معًا في أيلول. ولادتان متشابهتان، حيث أبصرتا النور بعد مخاضٍ عسيرٍ وكفاحٍ طويل وخيباتٍ عجزت عن كسرِ عزيمتي، كنت حملت فأجهضت، وكتبت وحذفت، وبدّلت السيء بالأفضل والأحسن والأجمل. وكما اشتهت نفسي طفلًا من صلبها، اشتهت أن تحقق حلمها في تأليف كتابٍ. فكان هذا النتاج الأدبي الذي أتى، رغمًا عني، ومن وحي ما كابدته.. من النفق المظلم الذي مرّرت به والذي ألقى بثقله على أيّامي فيما مضى، أرغمني على كسر عتمته وتجاوزها لأنّ الضوء في آخره ألهمني و حثّني على السير قدمًا لتحقيق حلمي وتجاوز ما خلّفته العتمة في ذاتي. فانطلقت محمّلةً ببصيص أملٍ، عاقدة العزم على أن أكتب لأعطي “الآخر” جرعة أملٍ يبحث عنها الكثيرون ولا يجيدونها في أعماقهم. إذ فاضت كأس أفئدتهم بالخيبات. ولما غزت الهموم والغموم حياتنا وتسلّل اليأس إلى النفوس وأحال الناس مكرهةً على العيش، ارتأيت أن أسرد قصةً، من نسج الخيال، لكن لها أمثلة في الواقع المعيش، قصة تروي معاناة صبيّ من ذوي الاحتياجات الخاصة، محدود الحركة، مرغمٌ على أن يمضي أيّامه بين جدران غرفته الصغيرة، وكيف استطاع أن يتجاوزها ويعيش حيوات عديدة وهو ثابتٌ في مكانه، لا يبرحه، مستعينًا بنافذته المطلّة على الشارع قبالته متمسكًا بالأمل رغم أن ضاقت به الأرض بما رحبت”.

وختمت فاطمة إبراهيم: “لعل القارئ يتماهى به، فيغوص في أعماقه باحثًا عن بلسمه أو بذرة أملٍ يسقيها، فتنمو وتزدهر ويستنهض قواه وإرادته ويداوي ذاته بعد أن ذبلت مآقيها”.

Leave A Reply