تفاؤل التأليف: إعلام أكثر منه حقائق

‎لم تكُن الاستشارات النيابية غير المُلزمة التي أجراها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي قد ‏انتهت حتى تراجَع منسوب التفاؤل الذي بقيَ محصوراً بالتصريحات الإعلامية. أما في ‏الكواليس، فيتقدّم الحذر على ما عداه في انتظار رد رئيس الجمهورية ميشال عون على ‏تصوّر أوّلي قدمه ميقاتي أمس لحكومة من 24 وزيراً تناولت توزيع الحقائب من دون ‏أسماء‎

في الشكل، تطغى الأجواء الإيجابية على المسار الحكومي. أجواء يحرص الرئيس المكلف ‏على إشاعتها وتلاقيه في ذلك أوساط الرئيس ميشال عون التي أكدت لـ”الأخبار” أن “كل ‏خطوة يخطوها في اتجاه التأليف ستقابلها خطوتان من جانبنا”. أداء نجيب ميقاتي الذي ‏يتصرف بطريقة مغايرة لسلفه سعد الحريري لجهة زيارة قصر بعبدا بعد الاستشارات ‏وتأكيده أنه سيتردّد إليه “باستمرار”، فضلاً عن انفتاحه على الحديث مع الجميع، يعكس ‏‏”تصرّفاً وفق حراجة الوضع… وهو أمر جيد” وفق مصادر في التيار الوطني الحر. إلا أن ‏هذه كلها إيجابية مغلّفة بالحذر، في انتظار الدخول في التفاصيل حيث تكمن شياطين ‏كثيرة. وفي هذا السياق، قالت المصادر نفسها إن “الحكومة ممكنة خلال أيام إذا ما واصل ‏الرئيس المكلف انفتاحه والأخذ والعطاء… أما إذا كان ينوي الاستمرار من حيث توقف ‏الحريري، فقد نكون أمام المشهد نفسه مجدداً‎”.‎

وعلمت “الأخبار” أن عون أبلغ من يهمهم الأمر “أنني لن أعطي نجيب ما لم أعطه لسعد”، ‏فيما نُقل عن ميقاتي قوله إن “التفويض الذي أعطي إلي من نادي رؤساء الحكومات ‏السابقين مرتبط بعدم التنازل عن السقف الذي وضعه سعد الحريري‎”.

مصادر أخرى مواكبة لعملية التكليف والاستشارات النيابية التي أجراها ميقاتي أمس نبّهت ‏إلى أن العقد الداخلية التي اعترضت تأليف حكومة الحريري تبدو أكبر من أن تُذلّل في فترة ‏وجيزة أمام خلَفِه. إذ إن “لا شيء تغيّر” باستثناء “انتفاء العامل الشخصي الذي حكَم علاقة ‏الحريري بالوزير جبران باسيل”. أما غير ذلِك، “وإذا ما دقّقنا بينَ سطور التصريحات ‏الإعلامية، تتبيّن الصعوبات، ولا يعني الحديث عن عدم مشاركة في الحكومة أنه لن يكون ‏هناك تهافُت على الاستيزار بأسلوب مبطّن. فالتعفّف عن المشاركة سبق أن رافقَ مسار ‏التشكيل مع الحريري‎”.‎

بكل الأحوال، فإن تبيان الخط الأبيض من الخطّ الأسود لا يزال يحتاج إلى أيام إضافية في ‏عملية التشكيل التي انطلقت مع بدء ميقاتي استشاراته غير الملزمة مع الكتل النيابية في ‏ساحة النجمة، وإيحائه بالتحرك سريعاً منعاً لاستنزاف الاندفاعة القوية التي أتت به لكي لا ‏تتكرر تجربة الحريري. وفيما جاءت استشارات التأليف على وقع معلومات عن خطوط عامة ‏للتشكيلة الحكومية تفيد بأن ميقاتي يريدها تقنية من شخصيات اختصاصية غير حزبية، كانَ ‏لرئيس تكتل “لبنان القوي” من مجلس النواب تصريح اعتبر فيه أن “تكليف ميقاتي من ‏دون موافقة التيار، دليل إضافي على أننا لسنا الأكثرية في المجلس النيابي”، أما موضوع ‏الثقة فـ”سيُحدّد في ضوء التشكيلة والبرنامج، فإما الدعم الكامل لأي عمل إصلاحي أو نكون ‏في موقع المعارض لأي تقصير تقوم به الحكومة‎”.

وفي موازاة زيارة ميقاتي لبعبدا، كانت الكواليس السياسية تشهد اتصالات على أكثر مِن ‏خط لإعداد “رسم تشبيهي” للحكومة التي قال مقربون من الرئيس المكلف إنه “يرفض ‏وضع تصنيف نهائي لها”. وكانَ لافتاً في كلام هؤلاء أن “نبرة” التفاؤل بعد الاستشارات ‏كانت أقل مما قبلها، معتبرين أن “جرعة التفاؤل التي تعطى تقليد لبناني، وقد حصل ذلِك ‏مع الحريري الذي كانَ يضرب الموعد تلوَ الآخر لتأليف حكومته، ولم يفلَح في ذلِك”. وأشار ‏هؤلاء إلى أن “الكلام لا يزال في العموميات”. بينما اعتبرت مصادر مطّلعة على الأجواء أن ‏‏”ميقاتي من خلال تصريحاته يبدي بعض المرونة، لكن الأفعال قد تؤدي بنا إلى مكان آخر‎”.‎

مصادر بعبدا:

كل خطوة يخطوها ميقاتي في اتجاه التأليف سنقابلها بخطوتين

ومع أن ميقاتي فورَ خروجه من اللقاء مع عون تقصّد الاستمرار بإشاعة الجو الإيجابي عبرَ ‏القول إن “الآراء متطابقة بنسبة كبيرة جداً، وسنعقد اجتماعات متتالية في الأيام المقبلة، ‏وبإذن الله ستكون لدينا حكومة قريباً”، أشارت مصادر بعبدا إلى أن “الرئيس المكلف قدّم ‏لرئيس الجمهورية تصوراً لتشكيلة حكومية من 24 وزيراً وزع فيها الحقائب من دون التطرق ‏إلى الأسماء”، وبنت على كلام ميقاتي، فقالت إن “الجو جيّد حتى الآن”، وقد “ثبتَ بينهما ‏أن تكون الحكومة من 24 وزيراً، لكن الرئيس عون يُصرّ على تسمية الحقائب السيادية من ‏حصة المسيحيين، وقد لا يمانع أن يُسمّي ميقاتي اسمين مسيحيين لحقائب عادية”. غيرَ أن ‏مصادر القوى السياسية التي أبلغها ميقاتي أنه سيقدّم التصور لعون، أشارت إلى أنه ‏‏”تحدث في الاتصالات التي أجراها بعد التكليف عن انطلاقه من التركيبة التي سبَق أن ‏قدّمها الخليلان الى باسيل خلال الاجتماعات الأخيرة معه والتي رفضها الأخير”، وهذا بحدّ ‏ذاته يطرح إشكالية ولا سيما أن “المعلومات تؤكد أن عشاء السبت الماضي بين باسيل ‏وميقاتي لم يكُن كافياً، وهما يحتاجان إلى مزيد من التشاور”. وفيما سينتظر ميقاتي رد ‏عون على التصوّر الأولي، رجحت المصادر أن “رئيس الجمهورية سيناقشه حتماً مع باسيل ‏الذي لا يشي تصريحه عن عدم المشاركة بأنه سيسهّل الأمور، فهو عادة ما يرمي هذه ‏الجملة حين يريد رمي الكرة عندَ الآخرين‎”.‎

الحريري يحمي نفسه “بالقانون‎”!

في سياق آخر، لا يزال ملف التحقيقات في انفجار المرفأ يتفاعل ويتوسّع الاشتباك السياسي ‏من حوله، في ضوء الادعاءات التي أطلقها القاضي طارق بيطار على مسؤولين وأمنيين، ‏وقابلها مجلس النواب بمسار آخر يمنع محاكمتهم أمام القضاء العدلي. فبعد أسبوع من ‏التطورات التي طاولت الملف بما فيها العريضة التي وقّعها عدد من النواب لمثول الوزراء ‏السابقين المدّعى عليهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وبعد الاستثمار ‏السياسي بالقضية واستغلال أهالي شهداء المرفأ وتحركاتهم، دخلَ الحريري رسمياً طرفاً في ‏المعركة، فدعا إلى تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تعطي حصانة أو أصولاً ‏خاصة بالمحاكمات، لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء والنواب والقضاة، ‏وللموظفين وحتى للمحامين، للوصول إلى الحقيقة في قضية تفجير مرفأ بيروت. وركّز ‏الحريري على ضرورة شمول التحقيق كل الخلفيات، وليس حصر التحقيقات بالمسؤولين ‏والوزراء، بل التركيز على من أتى بهذه المواد وسمح لها بالبقاء، ودفع ثمنها، قائلاً: “النيترات ‏بقيت في المرفأ بأمر قضائي. وأكبر رئيس وزراء أو رئيس جمهورية لا يستطيع أن يتحرك ‏أمام أمر قضائي”. وفي مؤتمر صحافي لفت إلى “أننا أمام نصوص دستورية، وأمام ‏نصوص قانونية، مجبرون أن نطبقها إذا بقيت موجودة. وفي النهاية، النتيجة من يريد أن ‏يطبق الدستور والقوانين لا يريد الحقيقة!؟ لا أحد يزايد على سعد الحريري في هذه ‏القصة”. وأوضح أنه “عندما سعد الحريري، ورؤساء الحكومة السابقون، وكتلة المستقبل ‏طالبوا بتحقيق دولي بهدف إسقاط كل الحصانات، راحوا وقفوا ضدنا وَخَوّنونا”. وأضاف: ‏‏”أنا اليوم أتيت لأقدم لكم الحل الوحيد لنصل إلى الحقيقة، طالما التحقيق الدولي لا يريدون ‏أن يسيروا به. وهذه القضية إذا بقيت كما هي اليوم، تسير وفقاً للقوانين وللدستور، ‏فستصبح أمام 3 محاكم: المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، المجلس العدلي ‏ومحكمة التمييز الخاصة بالقضاة. فهل يجوز هذا الأمر؟”. واعتبر أن “من يريد الحقيقة من ‏دون مزايدات يتفضّل يمشي معنا باقتراحنا‎”.‎

استخدم الحريري المطالعة الدستورية التي أعدّها نائب الكتلة هادي حبيش وفقَ معلومات ‏‏”الأخبار” في المحاججة السياسية قبلَ أي شيء لحماية نفسه وتبرير توقيع عدد من نواب ‏كتلته على العريضة بعدَ الهجوم عليهم، علماً بأن ما يطرحه من تعليق للمواد الدستورية ‏غير قابل للتطبيق بحسب مصادر نيابية بارزة لأنه “لا يحق له في الدورة الاستثنائية أن يقدّم ‏اقتراح قانون تعديل دستوري، ومعلوم أن التعديل الدستوري يأتي إما باقتراح من المجلس ‏أو بمشروع قانون من الحكومة، والحكومة الآن مستقيلة”. وهو ما أكده خبراء دستوريون ‏أشاروا إلى “أن هذا الاقتراح يستوجب أن يكون المجلس النيابي في دورة الانعقاد العادي ‏المحددة في المادة 32 من الدستور التي تنص على أنه يجتمع المجلس في كل سنة في ‏عقدَين عاديَّين، فالعقد الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الـ 15 من شهر آذار، وتتوالى ‏جلساته حتى نهاية شهر أيار، والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الـ 15 من شهر ‏تشرين الأول وتخصّص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر ‏وتدوم مدة هذا العقد الى آخر السنة”. وأشارت الى أن “هذا الاقتراح يستوجب أيضاً مراعاة ‏المادة 79 من الدستور التي تنصّ على أنه عندما يطرح على المجلس مشروع يتعلق بتعديل ‏الدستور لا يمكنه أن يبحث فيه أو أن يصوّت عليه ما لم تلتئم أكثرية مؤلفة من ثلثي ‏الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً ويجب أن يكون التصويت بالغالبية نفسها‎”.‎

الأخبار

Leave A Reply