البطاقة التمويلية كذبة سياسية.. لا تنتظروها!

عزة الحاج حسن – المدن

لم تتردد السلطة السياسية لحظة بزرع الأوهام للمواطن اللبناني، وإن على حساب معيشته وتلاشي قدرته على الاستمرار، وسقوطه التدريجي في بؤر الفقر والعوز. فالبطاقة التمويلية التي كرّستها السلطة بديلاً عن رفع الدعم، بعد عجز مصرف لبنان عن الاستمرار به، جراء شح احتياطاته المالية.. لن تكون سوى محاولة تخدير للفئات الشعبية الضعيفة. فالبطاقة المذكورة تشوبها الكثير من العيوب. ولا نتحدث عن عيوب في اقتراحها أو مضمونها، إنما في جوهر إطلاقها وجدواها.

وقف الدعم قبل إطلاق البطاقة

تتحدث اللجان النيابية المخوّلة إقرار البطاقة التمويلية، عن علاقة وثيقة بين خطة ترشيد الدعم وإصدار البطاقة التمويلية. وهذا أمر صحيح من الناحية الشكلية. لكن عملياً، الدعم بدأ بالانحسار سريعاً. وقد تم وقف الدعم عن كافة المواد الغذائية والمواد الأولية المرتبطة بصناعة الخبز باستثناء القمح. ويتم العمل على رفع الدعم قريباً عن المحروقات والمستلزمات الطبية وشريحة من الأدوية. كل ذلك ولا تزال البطاقة التمويلية مجرد اقتراح، يجري العمل على بلورتها تمهيداً لإقرارها وتطبيقها.

قد ينجح مجلس النواب بإقرار البطاقة التمويلية، وقطف ثمارها شعبوياً، وتسجيلها في سجل “إنجازاته”، إلى جانب إقراره قانون الدولار الطلابي الذي لم يطبّق حتى اللحظة. لكن بين الإقرار والتطبيق مسار طويل، وتناقضات وثغرات قد تحول دون جدوى تطبيق البطاقة التمويلية.

يحاول أقطاب السلطة السياسية تسجيل أهداف على حساب البطاقة التمويلية. جميعهم عالِم بعدم القدرة على تمويلها. يسجّلون المواقف وينسبون البطاقة التمويلية التي لم تولد بعد إلى أحزابهم، في حين لا يخفى عليهم أن البنك الدولي سحب يده من تمويل البطاقة، بسبب مخالفات السلطة السياسية في لبنان لما جرى التوقيع عليه في اتفاقية القرض.

مشروع ملتبس

لا تزال مسألة تمويل البطاقة التمويلية وعدد العائلات التي تستهدفها ملتبسة، أقله بالنسبة إلى مشروع القانون الموقع من رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، والمُحال من رئاسة الجمهورية. فالمشروع المذكور لم يأت بداية على ذكر أي تمويل. بل اكتفى بالإيعاز لفتح اعتماد مالي لصرف البطاقة التمويلية. أما مصدر التمويل فجرى تجاهله! فبدا مشروع القانون كمن ينفض يده من المسؤولية، رغم علمه بعدم جدوى مقترحه. ثم عادت وعدّلته اللجان النيابية وأوردت فيه عبارة التمويل عبر قروض داخلية!

يعتمد مشروع القانون المقدم من الحكومة والمُحال من رئاسة الجمهورية، وتجري دراسته من قبل اللجنة المنبثقة من اللجان المشتركة، مبلغاً وقدره 93 دولاراً للعائلة الواحدة، على أن يتغيّر بما يتناسب وعدد أفراد الأسرة. وحسب المشروع، لم يتم تحديد ما إذا كانت البطاقة ستُصرف بالدولار أو بسعر الصرف الرائج، كما أتى باقتراح البنك الدولي. بل تُركت مسألة سعر الصرف ملتبسة.

أضف إلى أن مشروع القانون المذكور يطلب فتح اعتماد إضافي استثنائي بقيمة 360 مليون دولار لتغطية نحو 500 ألف عائلة لمدة عام، بمبلغ يقارب 93 دولاراً كل شهر، في حين أن العملية الحسابية للمبلغ المطلوب يغطي 500 ألف عائلة بمبلغ 60 دولاراً بالشهر. ما يُفقد الثقة بالأرقام المطروحة، ويشكك بجدية النوايا لإقرار البطاقة وتطبيقها فعلياً. وبموجب هذا المشروع يُستثى من الاستفادة من البطاقة التمويلية كل عائلة أو شخص مستفيد من أحد برامج المساعدات الدولية.

دمج المشروع والإقتراح

أما اقتراح القانون الذي يتم درسه أيضاً في اللجان اليوم الأربعاء، والمقدّم من تكتل لبنان القوي، فيقضي بدعم العائلات المستهدفة بمبلغ مقطوع قدره 124 دولاراً، مهما كان حجم العائلة، يُصرف بالدولار أو بالليرة وفق سعر الصرف الرائج. ويترافق هذا الاقتراح مع اقتراح الإفراج عن جزء من الحسابات الدولارية لأصحاب الودائع الصغيرة، بهدف استثنائها من البطاقة التمويلية. بمعنى أن تقوم المصارف في حال وجود حسابات مصرفيّة دائنة لديها لعملاء مشمولين بقوائم المستفيدين من البطاقة التمويليّة، أن تسدّد لهم قيمة البطاقة شهريّاً من حساباتهم بحدود كامل الرصيد الدائن، بعملة الحساب أو ما يوازيها وفق سعر الصرف الرائج.

البحث بمشروع القانون واقتراح القانون في اللجان المشتركة لم ينته (حتى تاريخ نشر هذا التقرير) إلا انه جرى التوافق على دمج الطرحين، وتوضيح مسألة التمويل إن بالدولار عبر قروض خارجية، أو قروض داخلية من مصرف لبنان، كبديل عما يمكن أن يوفره من ترشيد أو وقف الدعم.

خلاصة الأمر، وحسب مصدر مواكب البحث بملف البطاقة التمويلية، فإن عملية إقرارها مهما كان شكلها، من الصعب تطبيقها لأسباب عديدة، أولها مرتبط بغياب التمويل، حتى أن القرض الموعود من البنك الدولي بات من الصعب الحصول عليه، بسبب مخالفات السلطة للكثير من شروط البنك. وسبب آخر يحول دون تطبيق البطاقة، هو فوضى الداتا. إذ لا يوجد مسح شامل للعائلات المستحقة للبطاقة التمويلية. كما تشوب عملية تسجيل العائلات في برامج المساعدات الدولية الكثير من الشوائب والمخالفات.

Leave A Reply