أساتذة “الليسيه” يهاجرون وفرنسا تنسحب من لبنان: وداعاً للفرنكوفونية

وليد حسين – المدن

رغم عزم مدرسة البعثة الفرنسية “الليسيه الكبرى” رفع أقساطها للعام المقبل، رفضت البعثة رفع رواتب أساتذتها، وتعتزم اتخاذ المزيد من الإجراءات لتقليص النفقات على حساب جودة التعليم.

إلغاء الامتيازات

وكانت المدرسة صرفت عدداً كبيراً من أساتذتها السنة الفائتة، بذريعة خفض النفقات، مقلصة عدد الشِعب للطلاب. وألغت المدرسة من الرواتب الشهر الـ14، والتأمين، وغيرها من الحوافز الممنوحة للأساتذة. وحديثاً، ألغت المدرسة تعليم أبناء الأساتذة الجدد مجاناً، وألغت التعليم المجاني لأولاد الأساتذة الذين يتركون عملهم بعد مرور 15 عاماً. فقد كان الأساتذة الذين يعملون لـ15 عاماً معفيين من أقساط أولادهم بعد ترك المدرسة. ووفق مصادر “المدن”، أتى هذا الإجراء عقب تقديم عدد كبير من قدامى الأساتذة استقالاتهم، فكان القرار كخطوة استباقية لثنيهم عن الاستقالة من خلال إلغاء هذا الامتياز.

ولفتت المصادر إلى أن ستين معلماً ومعلمة قدموا استقالاتهم من المدرسة تحت ضغط الظروف الصعبة التي يمرون بها. وهم سيهاجرون للعمل في دول الخليج وفي إقليم كردستان بالعراق. لكن هناك ثلاثين أستاذاً آخرين سيقدمون استقالاتهم قريباً، بعدما رفضت الإدارة رفع رواتبهم وإعادة الحوافز السابقة. ما يعني أن العدد سيصل إلى تسعين أستاذاً.

رفع الأقساط

وعقد مسؤولون في البعثة اجتماعات كثيرة مع الأساتذة، وهناك اجتماعات ستعقد تباعاً. لكن في آخر اجتماع انعقد مؤخراً، أكد مسؤول البعثة للأساتذة أن لا زيادة على الرواتب للعام المقبل. وذلك رغم أنه أبلغهم عزم البعثة رفع الأقساط على الطلاب.

ووفق مصادر لجان الأهل، سترفع المدرسة -أسوة بباقي مدارس البعثة- الأقساط على الطلاب، بنسبة تصل إلى أكثر من ثلاثين بالمئة. وتعتزم الليسيه الكبرى رفع الأقساط بمبلغ يتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين ليرة، وكذلك رفعت رسم التسجيل من ثلاثمئة ألف ليرة إلى مليون ليرة. في خطوة استباقية لمعرفة عدد الطلاب الذين سيتسجلون.

تقليص الدور

وكانت مدارس البعثة الفرنسية توسعت في السنوات العشرين السابقة، واستقبلت طلاباً من الفئات الاجتماعية المختلفة، ووصل عدد الشعب للصف الواحد فيها إلى نحو سبع شعب. لكنها عادت لتقلص دورها وحجمها في لبنان منذ السنة الفائتة. كما تراجع عدد الشعب إلى نحو خمس شعب للصف الواحد، وسيعود وينخفض هذا العام إلى نحو ثلاث شعب.

هذا العام الدراسي في مدارس البعثة سيكون كارثياً، كما تقول المصادر: “كانت تحلق وتحلق، وعادت لتنزل وصولاً إلى الحضيض، في حال لم تتدارك فرنسا الأمر، للحفاظ على التعليم الفرنكوفوني في لبنان. فبعدما صرفت المدرسة الأساتذة، ها هم الباقون منهم يهاجرون. أما الطلاب فانخفض عددهم تباعاً، رغم المساعدات التي أتت إلى الأهل السنة الفائتة.

البعثة الفرنسية لا تعرف كيف تتصرف. وكل خطوة تقوم بها كما لو أنها تحفر أكثر وتعمق الحفرة. فقد عقد الأساتذة اجتماعات كثيرة مع مدير البعثة الجديد. وحضرت وفود من فرنسا لبحث الوضع الاقتصادي. لكن لا نوايا بتحسين أوضاع الأساتذة. بل جل ما بدر إلى حد الساعة دفع “مكافأة” مالية زهيدة. فقد تلقى الأساتذة رسالة، مفادها أن الإدارة ستدفع لهم مكافأة قدرها 250 دولاراً. ولم تحدد كيف ستُدفع، بالدولار النقدي أم على أي سعر صرف: على سعر المنصة 3900 ليرة أو سعر السوق. وقال أساتذة إن هذه المكافأة بمثابة رشوة تدفع لمرة واحدة، في محاولة لتفادي تصاعد صرخة الأساتذة الذين يعتزمون تنظيم اعتصام أمام السفارة الفرنسية قريباً.

حسنة وشفقة

تخضع رواتب الأساتذة إلى السلسة التي أقرتها وزارة التربية. فعلى سبيل المثال، أستاذ مضىت على خدمته 15 عاماً في المدرسة، يصل راتبه إلى نحو 3 ملايين و500 ألف ليرة. أما الأستاذ الذي يعلم في المدرسة منذ ست سنوات، فراتبه مع كل الزيادات والنقليات والضمان الاجتماعي، فيصل إلى مليونين ومئة ألف ليرة. أي إن هذه الرواتب باتت لا تكفي حتى لشراء الأستاذ حاجياته اليومية. ورغم ذلك صرفت المدرسة أساتذة وفتحت باب التوظيف، لأن الأستاذ المبتدئ يصل راتبه إلى مليون ونصف مليون ليرة، أي ما يوازي مئة دولار. وتستفيد المدرسة من عدم تعليم أبنائهم مجاناً، كما قررت الإدارة بحق هؤلاء الجدد.

في السنوات الفائتة كانت المدرسة تقدم حوافز ورواتب إضافية، وكان وضع أساتذتها أفضل من أي مدرسة أخرى. أما حالياً، فجل ما بدر عن البعثة “حسنة وشفقة” من 250 دولاراً تعتزم الإدارة تقديمها إلى الأساتذة، الذين باتوا يشكلون جيشاً من الفقراء برواتبهم الحالية، كما تقول المصادر، مشيرة إلى أن مدرسة الويلسبرينغ سترفع الأقساط بين ثلاثة وخمس ملايين ليرة، كي ترفع أجر الأساتذة مليون ليرة إضافية، شهرياً.

وتلفت المصادر إلى أن المساعدات التي قدمتها فرنسا سابقاً، للحفاظ على التعليم الفرنكوفوني، كانت موجهة للأهل غير القادرين على تحمل أعباء الأقساط في الظروف التي يمر بها لبنان. لكن لم تضع حال الأساتذة في الحسبان. لذا تسأل المصادر: هل بهجرة الأساتذة الأكفاء تحافظ فرنسا على دورها في الحفاظ على التعليم الفرنكوفوني؟ ألا تقلص فرنسا دورها وتنسحب تدريجياً من لبنان؟

Leave A Reply