شركة واحدة تعطل شبكة الإنترنت

خلال الأسبوع الماضي، فوجئ عدد كبير من مستخدمي الإنترنت في أنحاء العالم بسقوط مجموعة من المواقع الكبرى، وعدم إمكانية الولوج إليها، على الرغم من أن العطل لم يستمر طويلاً قبل أن تبدأ المواقع في العودة للعمل تدريجياً.

كانت الحادثة غريبة، خاصة أن المواقع التي تعطلت تتوزع على مساحة جغرافية كبيرة، كما تتنوع اهتماماتها بطريقة ملحوظة، وأصاب هذا العطل مواقع مثل «ريد آت» للشبكات الاجتماعية، و«سبوتيفي» للموسيقى، ونيويورك تايمز، وسي إن إن وغيرها من المواقع، وكان الشيء الوحيد المشترك بينها جميعاً، هو الاعتماد على شبكة واحدة لتوصيل المحتوى CDN تسمى “فاستلي”.

في الأغلب، لا يعرف الكثيرون شركة «فاستلي»، ولكن الحقيقة أنه من المحتمل أن غالبية المستخدمين يتفاعلون معها بطريقة ما في كل مرة يتصلون بالإنترنت، فبالإضافة إلى «كلود فلير» و«أكامي»، تعتبر هذه الشركة من أكبر مزودي خدمات توصيل المحتوى CDN في العالم. وعلى الرغم من غموض ما حدث وقت انقطاع الخدمات إلّا أن الحادث يوضح بشكل كبير مدى هشاشة البنية التحتية للإنترنت وترابطها، خاصة عندما يتوقف جزء كبير من الشبكة على عدد قليل من الشركات التي تعمل إلى حد كبير خارج نطاق المعرفة العامة.

لكي يمكن فهم طبيعة المشكلة التي حدثت، يجب أن نعرف الدور الذي تلعبه شبكات CDN في نظام عمل الإنترنت، وفي حين يمكن أن يتخيل الكثيرون أن شبكة الإنترنت بلا شكل مركزي واضح، حتى أن الغالبية تطلق عليه وصف «السحابة»، إلا أنه في حقيقة الأمر فإن المقالات والنصوص والأغاني والأفلام والصور وغيرها من المواد المنشورة عبر الإنترنت تتواجد على أجهزة خوادم فعلية، وعلى الرغم من أنه قد يتم استضافة هذا المحتوى بشكل أساسي لدى مزود خدمة يوفر الخدمات السحابية إلّا أن الشركات تحتاج في النهاية إلى توصيله للجمهور بسرعة وكفاءة

وهنا يأتي دور شبكات CDN، فمن خلال تواجد أجهزة الخوادم الخاصة بهذه الشركات في جميع أنحاء العالم، يمكن لهذه الشبكات تقليل المسافة بين الهاتف الذكي وصفحات الإنترنت التي تتابعها، ويمكن التفكير فيها باعتبارها شبكة وسيطة، فبدلاً من الحصول على منتج معين من شركة الإنتاج في الولايات المتحدة مثلاً، يمكنك الحصول عليه من مخزن بدولة مجاورة، سيكون الأمر أسرع وأكثر كفاءة.

وتقول أنجلينا ميدينا، خبيرة أجهزة مراقبة أداء الشبكات في تصريحات إعلامية: “تتيح هذه الطريقة أداءً عالياً لتحميل المحتوى، سواء كان ذلك عروض الفيديو، أو محتوى موقع، أو حتى كل مصغرات الصور التي تظهر عند الانتقال إلى موقع للتجارة الإلكترونية، لأن تقديم هذا المحتوى من مكان قريب للمستخدم يقلل الكثير من وقت التحميل، ويمكن الجميع من الاستمتاع بتجربة رائعة عند تصفح الويب”.

ويمكن تبسيط الأمر بالقول، إن أي مقال تقرؤه على شبكة الإنترنت، في الأغلب سيكون عبارة عن نسخة محفوظة في ذاكرة التخزين المؤقت لما يعرف باسم «نقطة التواجد»، وهو عبارة عن جهاز خادم في مكان ما بالقرب من موقعك الجغرافي، وتشير خريطة عمل شركة «فاستلي» التي تسببت في المشكلة إلى أنها تقوم بتشغيل «نقاط التواجد» في 58 مدينة على الأقل حول العالم، بما في ذلك عدد من هذه النقاط في المناطق المكتظة بالسكان مثل لوس أنجلوس ولندن وسنغافورة وغيرها. كما أن قدرتها المجمعة على التوصيل تصل إلى سرعة 130 تيرا بايت في الثانية.

ليس هذا فقط كل ما يتعلق بوظائف شبكات CDN، فهي لا تكتفي بتخزين المحتوى بالقرب من أجهزة الاستهلاك، ولكنها أيضاً تساعد في توجيهها عبر الإنترنت، كما يقول راميش سيتارمان، الذي ساعد في إنشاء أول شبكة توصيل محتوى رئيسية، مؤكداً: “الأمر يشبه تنظيم الحركة المرورية على نظام طرق ضخم، فإذا فشلت بعض الروابط عبر الإنترنت، أو كانت تلك الطرق مزدحمة، فإن خوارزميات هذه الشبكات تساعد في العثور على طريق بديل إلى المستخدم”.

طبيعة ما حدث في شركة «فاستلي» وتسبب في تعطيل الكثير من مواقع الإنترنت ليس واضحاً، وإن كان متحدث باسم الشركة قال في بيان رسمي: “حددنا مشكلة في إحدى الخدمات التي تسببت في حدوث اضطرابات في نقاط التواجد على مستوى العالم وقمنا بالتعامل معها، وعادت شبكتنا العالمية للعمل”.

تعبير الشركة حول تفاصيل العطل غير واضح، ولكن المؤكد أنه مهما كان السبب الحقيقي فقد كانت له آثار واسعة النطاق، ووفقاً للتقارير التقنية فإن جميع قارات العالم عدا القارة القطبية الجنوبية، تأثرت بشكل أو بآخر، وحتى بعد إصلاح المشكلة الأساسية، حذرت الشركة من أن المستخدمين ربما يواجهون بعض المشكلات في الوصول إلى أجزاء من المحتوى.

انقطاع خدمات تزويد المحتوى نادر ومفاجئ، نظراً لأن شبكات CDN مصممة عادة للتغلب على هذه المشكلات، ويقول ساتيرمان متحدثاً عن هذه الشبكات بشكل عام: “من حيث المبدأ هناك فائض هائل، فإذا تعطل أحد الخوادم يمكن للخوادم الأخرى تولي الحمل، وحتى في حالة فشل مركز البيانات بالكامل يمكن نقل الأحمال إلى مراكز البيانات الأخرى، والهدف بالأساس هو وجود نوع من المرونة تضمن ألّا يشعر المستخدمون بحدوث مشكلة”.

وحتى مع ذلك، فإن المواقع الأصلية التي تستخدم خدمات شبكات توصيل المحتوى تكون لديها خطط احتياطية، وفي حقيقة الأمر يمكن إدراك جزء من هذه الخطط الاحتياطية عندما نتابع كيفية استجابة المواقع الكبرى للعطل الذي حدث، فقد استغرق الأمر مثلاً من «أمازون» نحو عشرين دقيقة لاستعادة نشاطه، لأنه كان باستطاعته تحويل حركة المرور إلى شبكات المحتوى الأخرى التي يتعامل معها، أما بالنسبة للمواقع التي تعتمد على «فاستلي» فقط فقد كان عليها أن تنتظر حتى تحل الشركة مشاكلها. ويقول الخبراء إنه على المواقع الكبرى أن تتعامل مع أكثر من مزود خدمات توصيل المحتوى لتجنب هذه المشكلات.

ومع ذلك، فإن الخيارات محدودة للغاية، فكما سيطرت شركات «أمازون» و«غوغل» و«مايكروسوفت» على خدمات السحابة، فإن ثلاث شركات أخرى هي «كلاود فلير» و«أكامي» و«فاستلي» سيطرت هي الأخرى على خدمات تدفق المحتوى، ويقول الخبراء إن هناك تركيزاً كبيراً في يد عدد قليل للغاية من الشركات، وبالتالي عندما يواجه أي من المزودين مشكلة يظهر التأثير بشكل واضح في قطاعات كبيرة على شبكة الإنترنت كما حدث في الحالة الأخيرة.

Leave A Reply