مبادرة بري سلكت.. هل تتوج في بعبدا؟

سابين عويس – النهار

في الشكل، سلكت مبادرة رئيس المجلس نبيه بري طريقها. فرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي كان منتظراً في عين التينة منذ السادس والعشرين من الشهر الفائت، متأخراً بضعة ايام عن الموعد المقترح للقاء، على ضوء المشاورات التي اجراها مع بري عقب جلسة مناقشة الرسالة الرئاسية قبل أسبوع، حط اخيراً في بيروت، وتوجه مباشرة للقاء صاحب المبادرة. ودائماً في الشكل، عكس الوقت الطويل للقاء الذي دام نحو ساعتين وتخلله غداء، ان البحث لم يبق في العموميات، كما جاء في البيان المقتضب لعين التينة، وإنما دخل في التفاصيل. ورغم التكتم الشديد الذي سعى الطرفان الى الالتزام به، منعاً لأي خربطة او “حرتقة” على المبادرة، فقد عكس اللقاء تعاطياً جيداً مع ملف التشكيل، انطلاقاً من المعايير التي اقترحها بري في مبادرته، والتي وافق عليها الحريري، لا سيما وأنها تلاقي في العديد من بنودها المبادرة الفرنسية التي انطلق منها بري في مبادرته.

هذا من حيث الشكل، الذي ينتظر ان يستكمل بلقاء مرتقب بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون لتكتمل صورة المشاورات الحكومية، ويكتمل معها مسار المبادرة، بحيث تتوج في بعبدا مع رئيس الجمهورية، وتترجم حكومة مكتملة الاوصاف والمعايير. اما في الجوهر، فبدا الحريري جديًا في تلقفه المبادرة والسير فيها، ولا يناور، اذ يحمل في جعبته مسودة حكومية جديدة، يفترض ان تلقى استجابة الرئيس، في ما لو وافق على الاسمين المسيحيين المقترحين بحقيبتي الداخلية والعدل، علماً ان في المعلومات من يؤكد ان الحقيبتين لم تعودا تشكلان مشكلة.

في انتظار صعود الحريري الى بعبدا، لتبين ما مدى حظوظ تبني المسودة المقترحة، ونجاح المبادرة التي يصفها الوسط السياسي بأنها حتماً الفرصة الاخيرة قبل الارتطام الكبير الذي تتسارع الخطوات في اتجاهه مع اشتداد حدة الأزمات الاقتصادية والمالية المتفجرة الواحدة ولو الاخرى، ومع اعلان المجلس المركزي لمصرف لبنان انه ليس في وارد المس بالتوظيفات الالزامية للمصارف لديه، والتي هي عملياً آخر ما تبقى من ودائع اللبنانيين، باتت الاولوية الملحة لتشكيل حكومة، ولكن اي حكومة، وبأي مهمة، وأي قبعة ستظلها؟

بما ان الاولوية للاتفاق على الأسماء والمعايير، يبقى الجواب على مهمة الحكومة العتيدة مشوباً بالغموض، وهو غموض قادر على إطاحتها قبل ولادتها، خصوصاً اذا ما كان الدور المنتظر منها ان تكون حكومة انتخابات، فعندها ستحتل الحسابات الانتخابية الاولوية متقدمة على اي مشروع اصلاحي ينتظر ان تلتزم به.

الثابت انه لن يكون في وسع الحكومة العتيدة ان تلبس قبعتي الانتخابات والإنقاذ نظراً الى التضارب الكبير الذي ستواجهه في الجمع بين القرارات الجريئة والمؤلمة التي تخولها السير في طريق الإصلاح والإنقاذ والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج يتيح جمع الدعم الخارجي حوله تمهيدا. للخروج من مستنقع الانهيار، وبين القرارات الشعبوية المطلوبة لاستقطاب الناخبين، على غرار قرار سلسلة الرتب والرواتب الذي اتخذ في سنة انتخابية بامتياز، ويدفع ثمنه له اللبنانيون بمختلف شرائحهم، المستفيدة وغير المستفيدة.

والمناخ الذي تتداوله الأوساط السياسية اليوم في ظل الكلام المتجدد عن تشكيل حكومة، تحت وطأة الضغط بالذهاب الى استقالات جماعية من البرلمان تمهد لانتخابات نيابية مبكرة، يبدأ من السؤال عما اذا كان قرار التأليف قد نضج عند مختلف الافرقاء الذين رفضوه وعطلوه طيلة الأشهر السبعة الماضية، او ان ثمة مستجدات ضبطت الايقاع على مايسترو بري لتولي المهمة الشاقة وحتى المستحيلة ربما، على قاعدة انها المحاولة الاخيرة قبل السقوط المريع، او ان المناخ الإيجابي المستجد لن يغير في واقع الاصطفافات شيئاً، بحيث لا تتجاوز حركة الحريري المنتظرة في اتجاه بعبدا بعد عين التينة، جولة اخرى تنتهي عند شهادة “اللهم انني بلغت”؟

Leave A Reply