بروفا “القوات”.. طرد السوريين من الشرقية!

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

حسناً، تأبى لنا “القوات اللبنانية ” أن ننسى ماضيها. تصرّ دوماً على تذكيرنا بأفعالها. عند كل مرّة نقرّر فيها تجاوز آلام الماضي، تخرج علينا بمثال حيّ على صورة حاجز من هنا أو كمين من هناك، فيُعاد تدفق المشهديات القديمة تلقائياً. غالباً، الطبع يغلب التطبّع!

المثال أعلاه ينطبق على الدكتور سمير جعجع ، متّخذ محل الإقامة في أعالي جرود كسروان. يرى “روما” من فوق كما يتمنّى. الرجل هو الآخر لا يسعه الخروج من عباءته القديمة. خلال 17 تشرين وما تلاه، اعادَ تفعيل مشهدية الإطباق على الطرقات وإنشاء الحواجز. واليوم عادت النشوة لتأخذه. لم يرق له مشاهدة الأمور تفلت من بين يديه، وأن من راهن عليهم سياسياً لأجل إحداث التغيير في الشام، ينبرون زاحفين صوب الاقتراع لرئيس عُمِلَ على شيطنته طيلة أعوام. في هذه اللحظة شعر قائد “القوات” بإحتمال خسارة كل الرهان السابق، وفي لحظة، إنقلبَ على كل خطاب المودّة للنازحين وأعادَ هندسة خطابه. أطلق عبارة مفتاحية عبر “تويتر”: “نطلب الحصول على لوائح كاملة بأسماء من سيقترعون للأسد غداً، والطلب منهم مغادرة لبنان فوراً..”.

سريعاً تُرجم “أمر العمليات التويتري” إجراءات على الأرض. نزل القواتيون منذ الصباح الباكر واستوطنوا مفترقات وأزقّة وطرقاً رئيسية عند الطريق الساحلي، من جونية باتجاه نهر الكلب وجل الديب، وفي ساحة ساسين وعند يسوع الملك. الأوامر صدرت بارتداء القمصان السود للتمييز بين الأشخاص، والتزوّد بما تيسّر من عصي وسلاح أبيض. الهدف، منع مواكب السوريين المتوجهين للإقتراع من الوصول إلى مقر السفارة السورية في اليرزة، وبالقوّة.

عند نهر الكلب إختلطَ الحابل بالنابل. اشتُبه على القواتيين “الكامنين” داخل الطرقات الفرعية، موكب آتٍ من الشمال كان بصدّد التوجّه إلى بلدة مارون الرأس للمشاركة بفعالية نصرةً لغزة. إنهال القواتيون على السيارات والأفراد بالضرب والتكسير وكيل الشتائم لسوريا وفلسطين و”حزب الله”، رغم أن البعض من الأفراد المُعتدى عليهم كان يصرخ بأنهم لبنانيون وليسوا سوريين متوجهين للاقتراع، بل للتضامن مع غزة.

في ساحة ساسين، نصب القواتيون حاجزاً لمنع تدفق السوريين. أراد هؤلاء القفز من فوق رجال الأمن ومنع المواكب السورية من العبور بداعي أن “الاشرفية قوات!”. عند ما تبقى من الطريق الساحلي، أعاد القواتيون الكمن وفي أكثر من محطة ومارسوا الاعتداء وقطع الطرقات وملاحقة السيارات والباصات، في لعبة كرّ وفرّ خاضوها مع عناصر الجيش اللبناني الذين كانوا يحاولون ملاحقتهم في أكثر من نقطة، لفتح الطريق ووضع حدّ للتمادي والتعدي والبلطجة.

سياسياً، جرت تغطية “أوامر الاطباق على الطرقات ونصب الكمائن والإعتداء على السوريين” من خلال بيانات مصدرها نواب وشخصيات قواتية، اتخذت من نفسها صفة تبرير الإعتداءات. الوزيرة السابقة مي شدياق، طالبت بطرد السوريين المقترعين للأسد. النائب وهبي قاطيشا ، كرّر الأمر ذاته بعد تطعيمه بجرعات من العنصرية. حزب الوطنيين الاحرار الذي عاد مؤخراً لمزاولة نشاطه، استلحق نفسه ببيان “قضاء حاجة”، فيما تولى النائب جورج عقيص، سرد فقرات من القانون الدولي واتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، لإعطاء التبرير لأفراد جماعته من الموتورين للإفراط في ممارسة الإعتداء بحق مدنيين عُزّل.

هذا في الشكل، أما في المضمون، كانت الأوامر واضحة: منع السوريين من الوصول إلى اليرزة. عملياً، هذا التوجيه يخفي بين طياته محاولة لتخريب الإنتخابات الرئاسية السورية في لبنان والتعكير والتشويش عليها وإفقادها الشرعية الشعبية عبر محاولة خفض أعداد المشاركين، اولاً من خلال منع السوريين من الوصول إلى مركز الإقتراع باستخدام القوّة، وثانياً إشاعة الفوضى والتخويف عبر الإعلام بنية التأثير على الآخرين ممن كانوا يتحضرون للنزول والإقتراع.

الأمر الآخر الأكثر خطورة، أن القوات واذرعها السياسية المؤلفة من نواب ووزراء حاليين وسابقين، منحوا أنفسهم حق تحديد من يجب أن يبقى ومن يجب ألا يبقى على الأراضي اللبنانية من دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة. في كلامهم أعلاه حول طرد السوريين وإعادة النازحين المقترعين للأسد إلى ديارهم وطلب اللوائح الاسمية، مخطط مدروس لبدء تفريغ، أقلّه المنطقة المسمّاة “شرقية”، من السوريين، بذريعة اقتراعهم للأسد، وهو إتهام اشتمل، من خلال أحداث أمس، على تعميم واضح ومقصود، دفع بالسوريين إلى التخوف من احتمال أن تكون “اللوائح الاسمية” –بحال تمكنت “القوات” من الحصول عليها- أداةً للوصول والإعتداء عليهم وربما أكثر من ذلك، في ظل تاريخها الحافل بالارتكابات!

كذلك، يمثل الفعل “القواتي” تصريحاً وتنفيذاً، إطباقاً وإنقلاباً على كل التغني السابق بالنازحين، وإقراراً من جانب معراب بسقوط مشروع المراهنة على النازحين في لبنان لانخراطهم في برنامج مشروع يستهدف سوريا إنطلاقاً منه. هذا يعني أن كل الخطابات التي تخندقت فيها “معراب”، تحت عنوان الدفاع عن النازحين السوريين والمزايدة عليهم وعلى خصومها داخل البيئة المسيحية، واتهام الآخرين بالعنصرية تجاه السوريين، سقطت عند المدفون و نفق نهر الكلب وأزقة ساسين.

لكن كما درجت العادة، ركنت “القوات” ومن خلال وسائل إعلام تدور بفلكها ، إلى تبرير الاعتداءات برد الفعل على إستفزاز! فقد جرى تعميم توجيهات، من أن المنخرطين في الاعتداءات، ليسوا سوى أهالي المنطقة الذين استفزّهم مشهد الأعلام والصور فتحركوا عفوياً، لكن تلك الإدعاءات سرعان ما تسقط بمجرد معاينة صور لقواتيين تجمهروا منذ الصباح الباكر عند تقاطعات حيوية عدة، و بعتادهم الكامل.

Leave A Reply