ديرقانون النهر قرية يشهد التاريخ لها

تحقيق غادة دايخ وكوثر عيسى

تصوير محمد قعفراني

تألّقت بلدة ديرقانون النهر على عرش مملكة الشهداء، خطّت طريق العزّة ورسمت وجه العنفوان أمام كل طاغِ، صنعت من الموتِ حياة وحملت داخِل تُرابِها أثمنَ وأوفى الأجساد والأرواح فألقوا عليها أفخر الأسماء ” بلد العلماء والشهداء”، جمعت بأهلها المحبة والإحترام فتوحّدوا لبناءِ مستقبلٍ رافضٍ كل ألوان الإنقسام.

هي من تلك القرى الشامخة على تلال الجبال تقع على هضبة مليئة بالحكايات، ترتفع ديرقانون النهر عن سطح البحر مسافةً تقاربُ 275 متر في أعلى نقطةٍ لها وهي صلة الوصل بين العديد من القرى إذ أنها الرابط الأساسي بينهم، تملؤها الأحياء والطرقاتُ القديمة منها والحديثة، وقد تجاوز عدد سكانِها في الأونةِ الاخيرة وبعد حرب 2006 حوالي العشرةَ آلاف، 80% منهم يقيمون فيها صيفاً شتاءً بعد النهضة العمرانية وتوفر الخدمات.

تملكُ ديرقانون النهر نسبةً عالية من المثقفين على مستوى الدين والفكر التاريخي القديم فكانت مركز إستفتاء قضاء نتيجة وفرة وجود علماء دين ذات مقامات علمية راقية، وصولاً إلى يومنا هذا أصبحت البلدة منفتحة ثقافياً (تعدد ثقافي فكري متنوع) بسبب خصوصية موقعها الجغرافي وتطور المستوى التعليمي المتقدّم، ومن المعروف تاريخياً أنها مركز لرصد القمر في شهر رمضان الفضيل.

تتميز هذه البلدة بإنتاجها الواسع الذي يطغى عليه اليوم الزيتون، والعديد من المنتجات مثل: الحبوب، التين، الصبير، الرمان، الحمضيات، وغيرها من المحاصيل، إضافةً إلى تربيةِ النحل وإنتاج العسل،وهذا ما وفّر لبعض الجمعيات إنشاء تعاونيات زراعية خاصة بصناعة الموادُ الغذائية.

تسليطاً للضوء على قُرانا الجنوبية الصامدة التي يسكنها الحب والوفاء زارَ موقع صوت الفرح واحدة من هذه القرى وهي ديرقانون النهر لتميُزها الجغرافي، الثقافي، التنموي، الإجتماعي، وجلنا في زوايَاها متحدثين مع أهلها الذين هم رمزٌ للعزّة، وقد أجمع أهلها بشبابهم وشيوخهم ونسائهم على نفس المبدأ تجاه قريتهم معبرّين عنها بأنها موطنهم الصغير الذي لا يمكنهم مفارقته.

وفي لقائنا مع رئيس بلدية ديرقانون النهر المهندس عدنان قصير الذي أنجز عدداً من الخدمات المتواصِلة في عهده تأكيداً وإصراراً من أبناء البلدة الذين قالوا بحقه “أنه من أفضل رؤساء البلديات في تاريخ ديرقانون النهر وحتى على مستوى محافظة جبل عامل”.

قال أنه في دورته الأولى بدأت ولايته من منتصف العام 2011 مارس كرئيساً للبلدية، فكان دوره بالمجلس البلدي الجديد متّكلاً بإنطلاقته الجديدة على التوافق السياسي الذي كان ركيزة الإنسجام العام في بلدتهِ، وبحسب قوله فإن المجلس البلدي قائم على فلسفة خدمة الناس، أما الإنجاز الأساسي هو العمل مع فئة الشباب بقلب وعقل ويدٍ واحدة فأصل وجود مجلس بلدي ذو طبيعة إنمائية هو القدرة على خدمة كل الفئات العمرية بشكل عادل وهذا ما يقصد ويرغبُ إليه المجلس البلدي، مستمرين بهذا النهج منذ الإنطلاقة حتى الآن.

وفي سؤالنا الموجه لرئيس البلدية عن تقييم الأعمال المنجزة للبلدية حتى الآن، أجاب قائلاً:” نسبة الرضى جيدة ومتقدمة، صلاحيات البلديات عادةً واسعة جداً فهي تطلُّ على كل الشؤون الحياتية للمجتمع، ابتداءً من البُنى التحتية انتهاءً بالموضوع الإجتماعي والثقافي والتربوي، لذلك عمِلنا على منهجية الإنتقال من الحاجات الضرورية إلى الحاجات الكمالية، فالمواطن يعاني من حاجات ملَحّة جداً ولبنان بلد مهترئ سياسياً، من هذا المنطلق أصبحت البلدية واجهة مباشرة بين المواطن وحاجاتِه، ونحن نشكَل نبض الشارع في حاجاته.

وتابع :” بدايةً ومنذ ثلاث سنوات عالجنا مشكلة المياه وعززنا الشبكة وتوصّلنَا لمرحلة عدم احتياج الناس لشراء أي نقلة من المياه، وبمبادرةٍ خاصة منَ البلدية ومنذ الثلاث سنوات الماضية تم توفير خدمة الكهرباء للمرة الأولى للمواطن على مدى 24 ساعة لكلٍ حسب حاجته، وكان هذا التحدي فيه جِزء من المغامرة ولكن انعكسَ المشروع إيجابياً وبشكل ملحوظ وانتقلت العدوى على عدة مناطق لبنانية”.

أهمَ الإنجازات التي قامت بها البلدية خلال عام 2013:

رئيس البلدية:” قمنا بورشة عمل على مستوى الطرقات(تعبيد الطرقات ومداخل المنازل)، إستكمال تأهيل مبنى البلدية، متابعة لتنفيذ حملة تشجير الطرقات العامة والمشاعات، تطوير تربية النحل، دورة لمزارعي الزيتون، زيادة عديد شرطة البلدية، تطوير مصلحة النظافة، تشكيل لجنة العمل النسائي، دورة محو الأمية للنساء، دورة إسعافات أولية، دورة تقوية طلابات الشهادات، تغطية إعلامية شاملة للبلدة، إحتفالات، إحياء مناسبات (عيد الأم، عاشورا، أعياد، إفطارات كبيرة…)، وأهم عمل إنساني للبلدية والذي نقوم به في كلِ عام هي رحلة المسنين إلى بعلبك تكريماً لهم.

اما الصعوبات التي تقع على عاتق البلدية:

أجاب عنها رئيس البلدية قائلا”: ” البلدية تختزن الكثير من الأزمات و المجتمع متأزم سياسيا و امنيا, و المواطن اصبح يعيش ثقافة الفوضى, حاولنا قدر الامكان ان نعود الناس على نظام معين في العديد من الخطوات, واجهنا صعوبات و حاولنا قدر الامكان التغيير بثقافة المجتمع و هذا من اكبر التحديات, فرضنا على مجتمعنا نظام الضريبة الجزائية و هذه تضحية كبيرة و لكن مع الوقت تعاون المواطن معنا بشكل كبير و هذا ما بنا الثقة بين البلدية و الناس.”

و أثنى المهندس قصير على الدّور البارز للعمليات الإستشهادية في البلدة وعلى رأسها العملية الإستشهادية للشهيد أحمد قصير وقد شكّلت هذه العملية لعنةً على الاسرائيليين، وفي كل الحروب كان لديرقانون النهر نصيب من المواجهة مع العدوان ولا زالت حتى الان، فإن لهذه البلدة عدد كبير من الشهداء، ونتيجة للغنى الفكري والثقافي ولّد حالة جهادية متميزة.

و في حديثنا مع سامر قصير(عضو في المجلس البلدي) فقد قال : ” دير قانون بلدة الشُهداء والعُلماء وهي الرمز الأكبر لموضوع المقاومة،أما المجلس البلدي في البلدة فهو يضم حزبين مختلفين ولكن نحنُ نعمل بيدٍ واحدة لاستثمار الطاقات لمصلحةِ المواطن و هذا أمر أساسي في النجاح أمّا المشاكل المترتبة على البلدية فهو الموضوع المادي و هذا أمر هامّ لاستكمال مسيرتنا على الرغم من عدم وقوفنا لحظة واحدة حتى الآن.

علي قصير: عاش علي في قريته منذ ولادته، درسَ في معهد جامعي اختصاص ادارة و تسويق وعبّر عن مدى حبِّه لقريتهِ التي تتميز بكثرة الشهداء والعلماء مفتخراً بما تملكه بلدته من مقومات إنمائية تبعده عن فكرة الإبتعاد عن دير قانون.

يبلغ عيسى حسين حريري السابعة عشرة من العمر ويدرس للسنة الثانية في معهد ويرى أن قريته أجمل من المدينة ولديهم أفضل رئيس بلدية لأنه يهتم بشؤون الشباب.

نوال سكيكي انتقلت من مدينة بيروت للعيش في ديرقانون وتعمل في محل خاص بها، وتؤكد أن قريتهم أصبحت كالمدينة تتوفر فيها الخدمات الإجتماعية وخاصة بحضور رئيس بلديتهم واصفةً إيّاه بالأب العطوف.

عادل حركي الذي يعمل في مجال الإعلانات ويسكن في ديرقانون منذ الخمس سنوات وبكل ثقة يتحدّث عن رئيس بلديتهم قائلا أنه أفضل رئيس بلدية في محافظة جبل عامل فقد أعطاهم الأمل بالماء والكهرباء وسهلّ الكثير من حاجات لأهل المدينة وهم يتعاونون مع بعضهم وهذا ما يميز البلدة التي تملك كل درجات الثقافة حسب قوله.

المواطن خليل سكيكي: “بلدنا تملك إستشهاديين كُثر وهذا يخلّص كل الكلام”.

المواطنة فاطمة قصير تعمل في الخياطة وتقول أنه روحها تتعلّق ببلدة ديرقانون وهي كالسمكة إذا غادرت الماء لا تحيا، وأخبرتنا فاطِمة عن تجربة حرب ال 2006 بقيت خلال الحرب عشرون يوم بعد القصف العنيف الذي طال أبناء البلدة دون أي رحمة، واستشهد أربعة وعشرون شهيد.

صالح حريري الذي بقي صامداً كل حرب تموز ولم يترك قريته دقيقة واحدة، وهو يعتزّ بقريته و بلديتها معتبراً أنّ رئيسها لا مثيل له، فالكرباء متوفرة ليلاً نهاراً والمياه كذلك والطرقات نظيفة وكل شئ على ما يرام.

أما الشابّة زينب قصير التي تدرس أدب عربي تحكي عن قريتها بكل حب وشغف وتقول أن أهل القرية هم الأساس فهم متحّابون وطيّبون وتجمعهم المناسبات السعيدة والحزينة، اما في رأيها عن البلدية فأكدت “أنّ البلدية تخدم جميع المواطنين وتسمع شكواهُم فالرئيس رجل متّفهم جدا ويركّز على الاهتمام بالشباب ونشاطاتهم”.

زينب نجدي أمينة سرّ جمعية لإنتاج وتصنيع المواد الغذائية وهي جمعية تأسست منذ عام 2000 المسماة “بجدتي” وسميت بهذا الإسم للعودة للزمن القديم،تتألف الجمعية من اثنى عشرة سيدة وثاني جمعية أُنشأت في الجنوب، حثّت السيدة زينب على أهمية هذه المنتجات الخالية كُلياً من المواد الحافظة وتُصنّع في البيت على أيدي العديد من السيدات الذي لا يعرف جميع الناس قيمتها، ومن بعض هذه المنتوجات: ماء الورد، ماء زهر، مربى بوصفير، مربى مشمش، مربى الطين، فريز حبّ وناعم، مربى لقطين، صابون غار، صابون الزيت…

وبعد التجوّال في هذه القرية الراقية والمتحضّرة ثقافياً واجتماعياً وانمائياً وبعد محادثةِ أهلها المقاومين باللسان والأرواح، والتي تقودها إدارة رفيعة المستوى، برئيس بلديتها الذي تسكنه كل معاني الإنسانية، نقول هذا هو الجنوب وها هم أبناؤه وقادته.

Leave A Reply