الأحد, مايو 19
Banner

النظام التعليمي.. بين جلّاده ولعنة الدستور..

رمزا محمد صادق خيرالدين

التعليم عن بُعد، هو نمط جديد طرأ على العملية التعليمية – التعلمية في لبنان، نتيجة “كوفيد 19″، ما اضطر الطلاب وأولياؤهم والأساتذة للتعامل مع هذا النمط الجديد، في ظلّ واقع تربوي غير مهيأ لمثل هذه الأنماط، عدا عن كونه واقعاً مأزوماً.

لا شكّ، في أن التعليم عن بُعد، يطرح العديد من التساؤلات، ومنها، هل سنشهد تبدلاً في المعايير التي يقاس على أساسها مستوى الطلاب؟ وهل الامتحانات الرسميّة ستبقى هي المعيار المقياسي لمستوى الطالب، أم ستحلّ مكانها الامتيازات المختلفة والمسابقات العالمية؟

النقاشات كلّها تدور حول مدى الإفادة من التعليم عن بُعد، وتبدي خشية على مستقبل التعليم في لبنان وتدنّي مستواه، خصوصاً في ظل استحالة توحيد المناهج التربوية، وعدم قدرة لبنان بتحديث وتطوير نظامه التربوي.

غياب السياسات التربوية..

الشأن التربوي هو أساس في نهضة الشعوب، لأنه شأن معرفيّ، والمعرفة هي أساس نهوض المجتمعات. إن الدول التي سلكت طريق التقدّم والازدهار، أسست انظمة تربوية حديثة انطلاقاً من رؤية واضحة موحدة، وهذا ما انعكس تطوراً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

مع عصر العولمة والرقمنة والمكننة، بات الشأن التربوي محورياً، ومرتكز العلاقات التكاملية في أي مجتمع، ما يعني أن النظرة للحياة والوجود تتطور بنجاح الأنظمة التربوية. لذلك يبقى التعليم منقوصاً في حال لم يبنَ على رؤية تربوية متكاملة.

واحدة من المشكلات تكمن في بعض المؤسسات التي تتبنى توجهات تربوية مختلفة، ما يجعلها شريكة في عدم الوصول الى نظام تربوي موحّد، رغم ادعائها بتحقيق أهداف التعليم. وهنا لا تقع المسؤولية حصراً على المؤسسات الآنفة الذكر، بل على الدولة بوصفها الجهة المسؤولة عن توحيد المناهج التربوية. علماً أنّ مبدأ التعليم الحرّ في لبنان، كما نصّت المادة 10 من الدستور.. منح الطوائف والحزبيات الدينية حق إنشاء مدارس ووضع مناهج خاصة بها. ولذلك فإن توحيد المناهج يستدعي تشريعات جديدة كخطوة أولى للإنقاذ التربوي.

مناهج “منقولة”..

ليس خافياً أن المناهج التقليدية الحالية مطعّمة باستعارات من المناهج الفرنسية والأميركية والبريطانية، ولذلك، فإنّ ما يهمنا هو المعايير التي يتوجب اعتمادها لإعداد المناهج بشكلٍ يتناسب والتطور الحاصل عالمياً، وليس بالتقليد العشوائي، ولا بمناهج لإعداد جيل روبوتيّ يردّد ما تلقنه من معلومات.

إن للبنان خصوصية ثقافية واجتماعية وسياسية، والمطلوب مناهج لإعداد طلبة مدججين بالمعرفة والفهم، ومتمكنين من تطبيقها باستخدام مهارات التفكير العليا. وهنا الجانب التطبيقي للسياسة التربوية التي ستتمثل في المناهج عبر إدراج طرائق تدريس تمكن الطالب من تفعيل المعرفة والفهم في حياته اليومية وصولاً إلى القدرة على الإبداع والابتكار والتميّز. من هنا يتبلور دور العقل البشري باعتباره “الشرع الأعلى” الذي ينمّي مهارات التفكير العالي من خلال إثرائه بالمعرفة فتصبح قوة رادعة بوجه الركود الفكري الذي يبطئ سرعة العقل في إنتاج الإبداع.

من ناحية أخرى، إن التطور التكنولوجي والاقتصادي والصناعي يُملي على واضعي المناهج من تربويين ومختصين نفسيين وأكاديميين، أن يعدّوا مناهج للمواد الدراسية المختلفة تكون مواكبة لهذا التطور ومناسبة لسوق العمل المحلي والعالمي.. وذلك لا يتحقق إلا بمحاولة لدمج بعض المواد الدراسية في التعليم المهني إلى مواد التعليم الأكاديمي. بذلك تكون المناهج عصرية وتحاكي واقع التطور التكنولوجي والصناعي المتسارع. فزمن التلقين وحفظ المعلومات من دون تحليلها أو حتى التشكيك بها آن له أن يستبدَل بطرائق حديثة.

بالرغم من كل المحاذير، فإن استخدام الوسائل التكنولوجية في المؤسسات التربوية بات ضرورة لمواكبة التقدم المعرفي وتعزيز القدرة على تحويل المعارف إلى مهارات، خصوصاً في ظلّ وجود أنماط متعددة للذكاءات والفروقات الفردية.

بين فنلندا ولبنان..

ثمّة دول حققت تقدماً لا بل تمايزاً وتفرداً في مجال التعليم، لا سيما فنلندا والصين وكوريا وماليزيا، ولنأخذ فنلندا مثالاً للدول التي حققت إنجازات على الصعيد التربوي، فهي تمتلك نظاماً تعليمياً هو الأنجح عالمياً، وساهم في ذلك استقرارها السياسي والاجتماعي، والمحفزات التي وفرتها للتعليم، حيث إن المعلم يقوم بواجباته وعمله مقابل العيش برخاء الحصول على كامل حقوقه..

أما لبنان، الذي يعتبر “التعليم رسالة”.. فالمناهج حدّث ولا حرج، في حين أن المعلم لا يحصل على أبسط حقوقه، ورغم ذلك واجه أصعب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. واستمر في أداء رسالته، متحدياً الاستعمار التركي والانتداب الفرنسي والاحتلال الصهيوني والفقر الجوع والتهجير، وهو اليوم أمام تحدي الانتقاص من حقوقه التقاعدية.. لذلك، فإن تطوير القطاع التربوي يحتاج إلى تدابير وإجراءات وتشريعات تبدأ بالقوانين العصرية وبنظام تربوي موحّد ولا تنتهي إلا بصون حقوق المعلم.

*باحثة تربوية.

Leave A Reply