الفقر والبطالة من جهة… وأجندات مَشبوهة من جهة أخرى

 

ناجي س. البستاني – الديار

عادت ظاهرة إنطلاق بعض التظاهرات والإحتجاجات الشعبيّة وعمليّات قطع الطُرقات في عدد من المناطق اللبنانيّة، إلى الواجهة من جديد، حيث تتجدّد التحرّكات بشكل يومي مع حلول الظلام. والسيناريو الأخطر شهدته وتشهده عاصمة الشمال، طرابلس، في ظلّ إتهامات مُتبادلة بين عدد من المسؤولين السياسيّين بإستغلال النقمة الشعبيّة على الأوضاع المُتدهورة، لتوجيه رسائل سياسيّة ناريّة. فما الذي يحصل، وخُصوصًا ما هي الأهداف غير المُعلنة والأجندات الخفيّة، ومن يقف وراءها؟

بحسب مصدر أمني شماليّ سابق، لا يُمكن وضع ما حدث ويحدث في طرابلس، في خانة واحدة، وبالتالي لا يُمكن تحميل مسؤوليّة الوُقوف وراء الأحداث الأخيرة لجهة واحدة أيضًا. وأشار إلى أنّ مجموعة كاملة من الأسباب المُتراكمة والمُتداخلة أدّت إلى هذه النتيجة الكارثيّة، حيث تداخلت حالات الفقر والعوز وتفشّي البطالة مع أجندات إستخباريّة مَشبوهة، ومع رسائل وضُغوط سياسيّة ناريّة مُتبادلة. وأوضح أنّ نسبة العاطلين عن العمل باتت مُرتفعة جدًا في كل لبنان كما هو مَعروف، وهي تحتلّ أرقامًا قياسيّة مُخيفة في مدينة طرابلس وقرى وبلدات عكّار، وكامل مُحافظة الشمال، حيث باتت تزيد على 60 % بمعدّل عام، ناهيك عن تراجع القُدرة الشرائيّة لمن يعملون في مُقابل أجور مُتدنيّة جدًا، إلى ما دون خط الفقر، بحيث أن دخلهم اليومي أو الأسبوعي لا يكفي حتى لتأمين شراء قوتهم من مأكل ومشرب! وتابع أنّ جزءًا من المُحتجّين الذين ينزلون كل ليلة إلى شوارع طرابلس هم من الفقراء ومن العاطلين عن العمل، والذين لا خلفيّة سياسيّة لتحرّكاتهم، سوى المُطالبة بالحد الأدنى من مُتطلّبات الحياة. وقال إنّ الحجر الإلزامي جاء بمثابة النقطة التي أفاضت كوب الغضب، لأنّ أغلبيّة كبيرة من الطبقة المُتواضعة الدخل في طرابلس تعيش من عملها اليومي في مهن مُتنقّلة تُستخدم فيها عربات مُتحرّكة أو أكشاك مصنوعة من الخشب والتنك، إلخ. وهي تأثّرت سلبًا من إجراءات الإغلاق، الأمر الذي فجّر غضبها المَكبوت.

وكشف المصدر الأمني الشمالي السابق أنّ أعمال الشغب الخطيرة التي حدثت لم تتمّ على يد فئة الفقراء، ولوّ أنّ قلّة من العاطلين عن العمل ومن المُراهقين المُغرّر بهم تورّطوا بها، بدافع الحماسة والتأثير النفسي الضاغط. وقال إنّ ما حصل من شغب ومن تدمير مُنظّم، قامت به مجموعات تعمل بأجندات وبخلفيّات سياسيّة وبتوجيهات إستخباريّة من وراء الكواليس. وأوضح أنّ الدليل الأبرز على هذا الأمر، هو وُصول مجموعات مَشبوهة من خارج طرابلس، وإنضمامها إلى مُثيري الشغب داخل المدينة، علمًا أنّ هؤلاء لم يتحرّكوا عشوائيًا، بل وفق خطط مدروسة سلفًا، بحيث تنقّلوا ضُمن مجموعات من مكان إلى آخر، وكانوا يُغادرون قبل وُصول القوى الأمنيّة. وأضاف أنّ من بين الأسباب التي أكّدت تورّط أجهزة إستخباريّة مَشبوهة، تحرّك مجموعات تتمتّع بخبرة أمنيّة على الأرض، يُرجّح أنّ من بينها عناصر كانت تشارك في العمليّات القتاليّة في السنوات الماضية بين باب التبّانة وجبل محسن، وهي قامت برمي قنابل حربيّة على القوى الأمنيّة، وقامت أيضًا بتحضير قنابل مولوتوف وبرميها بشكل مُحترف أيضًا.

وأشار إلى أنّه في ظلّ التراجع الكبير على مُستوى شعبيّة ونُفوذ مُختلف القوى والتيّارات الحزبيّة في لبنان عُمومًا، وفي طرابلس وعكّار بالتحديد، تأثّرت شرائح واسعة من العاطلين عن العمل والفُقراء بحملات التعبئة والإستمالة التي تمّت خلال الأشهر القليلة الماضية من قبل أجهزة إستخباريّة خارجيّة، منها الإستخبارات التركيّة، ومن قبل شخصيّات من الصفّ الثالث وغير معروفة سوى في بلدات مُحددّة من مُحافظة عكّار، وفي شوارع وأزقّة مُحدّدة داخل طرابلس. وأضاف أنّ هذه الجهات الطارئة على المنطقة الشماليّة، باتت قادرة على تقديم إعانات إجتماعيّة ومُساعدات مادية ولوّ مَحدودة، لكن كافية لإستمالة الكثيرين. وكشف أنّ أكثر من جهة سياسيّة، من داخل لبنان ومن خارجه، تعمل على تتبع هذه المفاتيح وعلى مُحاولة إستمالتها، لتوجيه رسائل سياسيّة ناريّة مُتبادلة، وفقًا لأجندات ولأهداف مُختلفة، وحتى مُتضاربة في بعض الأحيان.

وحذّر المَصدر الأمني الشمالي في الختام من أنّ أعمال الشغب ستستمرّ في طرابلس، وهي قد تتوسّع لتشمل مناطق أخرى عدّة في لبنان، ما لم تُسارع القوى الأمنيّة إلى فرض هيبتها من جديد، والأهمّ ما لم تبدأ السُلطات المَعنيّة كلّها، بمُعالجة أسباب الإنفجار الشعبي، عن طريق صرف مُساعدات ماليّة فوريّة، وعبر توفير فرص العمل لأكبر شرائح مُمكنة من الناس، وكذلك عن طريق إعادة أجواء الإستقرار إلى البلاد عبر تشكيل حكومة إنقاذيّة فورًا، ومن دون تضييع أيّ يوم إضافي!

Leave A Reply