إقالة رئيس الجمهورية بين النظرية والتطبيق ـ بقلم د. خضر ياسين

بموجب دستور العام ١٩٥٨ كان رئيس الجمهورية في فرنسا ينتخب من قبل هيئة إنتخابية منتخبة، تضم أعضاء البرلمان والشيوخ ومجالس المحافظات ومندوبين عن المجالس البلدية، غير أن الرئيس الجنرال ديغول كانت تراوده الفكرة التالية: إنتخاب الرئيس من قبل الشعب تؤمن له الشرعية الكبرى، وهكذا حصل، ففي العام ١٩٦٢ أصدر مرسومآ بإجراء إستفتاء لتعديل الدستور من أجل انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، فجرى الإستفتاء ونال أكثرية ٦٢% من الأصوات، وبذلك أصبح الرئيس الفرنسي ينتخبه الشعب مباشرة. بموجب الدستور اللبناني لعام ١٩٩٠، المجلس النيابي هو من ينتخب رئيس الجمهورية، إلاّ أن البروفيسور شارل رزق يعتبر ( أن الصفة التمثيلية لرئيس الدولة(المنتخب من البرلمان) تبقى أقوى من الصفة التمثيلية للنائب(المنتخب من الشعب)، لأنه عندما يجتمع النواب لإنتخاب رئيس الجمهورية فإنه يعكس البنية التعددية الطائفية للوطن.وعندما ينتخب المجلس النيابي رئيس الجمهورية يكون هذا المجلس قد قام (بالعمل الأكثر نبلاً)، هذه الطريقة اللبنانية بانتخاب الرئيس تجعلنا نستحضر قول الأمام المغيّب السيد موسى الصدر(أن الطوائف نعمة)، وأن التعددية الطائفية هي صورة لبنان الحضارية والمشرقة في هذا الشرق. في ظل الإنقسام السياسي الحاصل والخلاف حول تشكيل الحكومة والإختلاف حول تفسير دور رئيس الجمهورية بشأن هذه العملية الدستورية، تصدر مجموعة من مواقف سياسية تدعو رئيس الجمهورية إلى الإستقالة، ومواقف أكثر تشددآ تدعو إلى إقالة رئيس الجمهورية قبل إستكمال ولايته، فما هو الرأي الدستوري(الموضوعي) في هذه القضية؟ يرتكز النظام الدستوري اللبناني على الفصل بين السلطات وتعاونها والتوازن فيما بينها وعلى حق الرقابة والتأثير المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فهو ينظم العلاقات بينها ويوضّح آلية التعاون ويحدد سبل الرقابة. أولى هذه العلاقات تتعلق برئيس الجمهورية من خلال انتخابه من قبل المجلس النيابي بالإقتراع السري وبغالبية الثلثين في الدورة الأولى وبالغالبية المطلقة في الدورات التي تلي، وتدوم مدة ولايته ست سنوات غير قابلة للتجديد. والدستور اللبناني ينص على توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، فمن هذه الناحية لا تستطيع أي طائفة أن تتحكم بانتخاب رئيس الجمهورية وفرض هيمنتها على الأخرى.صحيح أن دستور الطائف قلص من صلاحيات رئيس الجمهورية، إلاّ أن هذا الدستور ذاته، أدخل على المادة (٤٩) الفقرة الأولى منها التي تكرّس موقعه الحيادي كحكم بين السلطات الدستورية، حيث ورد فيها ما يلي:”رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقآ لأحكام الدستور”، والمادة (٥٠) تنص على أن رئيس الجمهورية عندما يقبض على(أزِمّة) الحكم، يعني أنه السلطة الأولى في الدولة، وأن رئاسة الجمهورية ليست مجرد صلاحيات بروتوكولية أو شرفية، فالدستور اللبناني لعام ١٩٩٠ أبقى لرئيس الجمهورية مجموعة هامة من الصلاحيات التي يستطيع أن يمارسها ومنها على سبيل المثال: إصداره القوانين والمراسيم وحق الإعتراض عليها من خلال إعادتها إلى المجلس النيابي ومجلس الوزراء، إجراء الإستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف، ترؤسه مجلس الوزراء عندما يشاء، دعوة مجلس الوزراء للإنعقاد إستثنائيآ بالإتفاق مع رئيس الحكومة، يصدر بالإتفاق مع رئيس الحكومة مرسوم تشكيل الحكومة، يمنح العفو الخاص بمرسوم، تأجيل إنعقاد جلسات المجلس النيابي، المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة، وغيرها من الصلاحيات الواردة في المواد ٥٣، ٥٥، ٥٦، ٥٧ من الدستور، لذلك فالصلاحيات التي منحها الدستور لرئيس الجمهورية تبرز مكانته وموقعه في الدولة وقدرته على القيام بدور فاعل في مسار الحياة السياسية، وبعد تعداد هذه الصلاحيات، تنص المادة (٦٠) من الدستور على أن رئيس الجمهورية يعتبر غير مسؤول عن أعماله إلاّ في حالتي خرق الدستور والخيانة العظمى، أما المسؤولية السياسية عن شؤون الدولة وإدارة الحكم فيها تقع على عاتق الحكومة لأنها هي صاحبة السلطة الإجرائية وفقآ للمادة (١٧) من الدستور. وإذا ما أردنا أن نتحدث عن أدوات التأثير المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والحالات التي يمكن فيها إنهاء الوجود المادي والقانوني لسلطة دستورية سواء كانت تشريعية أم تنفيذية، نجد أن الدستور يتحدث بشكل واضح وصريح عن الحالات التالية: حل المجلس النيابي، نزع الثقة عن الوزراء أو الحكومة مجتمعة. فيما يتعلق بحل المجلس النيابي، تحدثت عنه المادة (٥٥) من الدستور التي جاء فيها ما يلي: يعود لرئيس الجمهورية في الحالات المنصوص عنها في المادتين (٦٥) و (٧٧) من الدستور، الطلب الى مجلس الوزراء حل مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة، فإذا قرر مجلس الوزراء بناء على ذلك حل المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل، وتستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد. فيما يتعلق بنزع الثقة عن أحد الوزراء أو الحكومة مجتمعة، تنص المادة (٦٨) من الدستور على أنه عندما يقرر مجلس النواب عدم الثقة بأحد الوزراء يصبح واجبآ على هذا الوزير أن يستقيل، كما أن المادة (٦٩) تعتبر أن الحكومة تكون مستقيلة في حال نزع المجلس النيابي الثقة عنها، وبالتالي تستمر بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة. يتبين لنا من خلال قراءة المواد الدستورية، أنه بإمكان المجلس النيابي محاسبة أحد الوزراء أو الحكومة من خلال حجب الثقة عنهما، بالمقابل بإمكان مجلس الوزراء بناء لطلب رئيس الجمهورية في حالات حصرية، أن يصدر قرارآ بحل المجلس النيابي وإنهاء وجوده، أي الذهاب نحو انتخاب مجلس نيابي جديد بديلآ عنه. لكن ليس هناك من وجود لنص دستوري يتطرق أو يتحدث عن موضوع إقالة او عزل رئيس الجمهورية من منصبه من قبل المجلس النيابي، بل يتحدث الدستور عن حالة خلو سدة الرئاسة(أي شغور وفراغ في موقع الرئاسة الأولى)، حيث نصت المادة (٧٤) على ما يلي: إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس، أو استقالته، أو لسبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورآ بحكم القانون، وتقول المادة (٦٢) أنه في حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، مما يعني أن الدستور لم يتطرق بتاتآ إلى مسألة إمكانية إقالة رئيس الجمهورية أو تقصير ولايته، ولو أراد المشرع الدستوري هذا الأمر لكان نص عليه بشكل واضح وصريح كما فعل بالنسبة الى مسألتي حل المجلس النيابي من قبل الحكومة وقدرة البرلمان على محاسبة الحكومة، فهكذا صلاحية خطيرة لا يمكن استنتاجها او استنباطها أو اعتماد القياس لتحقيقها، وهذا يعني أنه ليس للمجلس النيابي صلاحية بإقالة رئيس الجمهورية أو تقصير ولايته، لأن الدستور هو من يخلق الصلاحيات وينشؤها وهو من يوزعها على السلطات الدستورية التي تبقى محكومة أثناء ممارستها لصلاحياتها بالحدود التي رسمها لها النص الدستوري،فأي رئيس للجمهورية، يبقى مستمرآ في ولايته لمدة (٦) سنوات طالما لم يحدث شغور في موقع الرئاسة بسبب الحالات التي تحدثت عنها المادة (٧٤) من الدستور، والمواقف المطالبة بهذا الأمر لا تتخطى الإطار المرسوم لها في ظل الإشتباك السياسي الحاصل.

Leave A Reply