يفتش كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بـ”الفتيلة والسراح” على آخر مختار أو عضو بلدي في آخر قرية أو بلدة من لبنان لإضافته الى سجلاتهما لرفع رصيدهما في الانتخابات البلدية التي شهدت معارك سياسية غير مسبوقة بين القطبين المسيحيين إستعدادا للإستحقاق الأكبر والأهم المتمثل بالانتخابات النيابية المقبلة في أيار 2026.
خاضت القوات الاستحقاق البلدي مستفيدة من المتغيرات السياسية التي فرضت نفسها بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان، وهي إعتبرت أنها جاءت لمصلحتها بعد دخولها الى جنة الحكم من بابه الواسع، وحاولت إستثمار ذلك في الانتخابات البلدية ومهدت ببروباغندا إعلامية سعت الى إظهار القوات بأنها الطرف الأقوى على الساحة المسيحية مقابل تراجع كل التيارات الأخرى سواء كانت من الخصوم أو من الحلفاء.
وإعتمدت القوات اللبنانية في معاركها القاعدة الميكافيلية وهي “الغاية تبرر الوسيلة”، فتحالفت مع الحزب القومي في الكورة وعاليه، ومع حزب الله وحركة أمل في أماكن متفرقة لا سيما في بيروت، وهادنت التيار الوطني الحر وتحالفت معه في البترون والقبيات كونهما مدناً غير محسومة النتائج، وتكاثرت مع حلفائها عليه في جونية، وإستفادت من النأي بنفسه في إنتخابات زحلة وحققت فوزا كاسحا علما أن التيار ترك لأنصاره حرية الاختيار في عروس البقاع، والمعروف أن التيار لا يروق له التصويت لأسعد زغيب رئيس اللائحة المدعومة من خصوم القوات، ما دفع معظم التياريين الى التصويت للائحة القوات ما زاد من مجموع الأصوات التي نالتها لائحة “قلب زحلة” برئاسة سليم غزالة، كما شهدت القرى والبلدات الكسروانية والمتنية والجنوبية عمليات كر وفر حيث فازت القوات في بعضها وخسرت في بعضها الآخر.
أما التيار الوطني الحر، فكان هاجسه الاول والأخير هو الرد على الأجواء التي تبثها القوات اللبنانية بأنه مع إنتهاء نفوذه السياسي وخروجه من الحكم تراجعت شعبيته الى حدودها الدنيا وأنه لن يستطيع مواجهة تسونامي القوات التي تجتاح البلدات والقرى المسيحية.
لا شك في أن التيار نجح في الرد على القوات، وأكد أن كل الكلام عن تغير في المزاج المسيحي تجاهه هو ممنوع من الصرف، وان النتائج التي حققها في الانتخابات البلدية والتي بدأت تتظهر في الاتحادات وكان أولها الفوز برئاسة ونيابة رئاسة إتحاد بلديات المتن بالتحالف مع عائلة المر، تؤكد أنه متعافٍ سياسيا وما يزال محافظا على تمثيله الشعبي الذي يمكنه البناء عليه في الانتخابات النيابية المقبلة.
ولعل المنازلة الأقوى والأكثر وضوحا بين التيار والقوات كانت في قضاء جزين، التي سجل البرتقاليون فيه بالتعاون مع النائب إبراهيم عازار فوزا صريحا سواء في جزين ـ عين مجدلين (18 ـ صفر) أو في البلدات الأخرى، ولعل الخسارة الأقسى كانت في كفرفالوس مسقط رأس النائبة القواتية غادة أيوب حيث فاز التيار (9 ـ صفر) ويفترض بإتحاد بلديات جزين أن يؤول الى التيار الذي فاز مع حلفائه بـ 19 بلدية من أصل 30 بلدية.
يمكن القول أن فوز التيار في جزين، وفوز القوات في زحلة قد أحدث توازنا بين نفوذ وشعبية القطبين المسيحيين، ولربما شعرت القوات بأنها تعرضت لصفعة كون التيار فاز عليها في جزين، بينما لم تسجل عليه فوزا في زحلة بل ربما دعمت أصواته البرتقالية فوزها، لذلك جاءت زيارة الدكتور سمير جعجع والنائبه ستريدا جعجع الى عروس البقاع للمشاركة في حفل التهنئة بفوز لائحة “قلب زحلة” كرد على الخسارة في جزين ولتعزيز البروباغندا الاعلامية للقوات في إظهار إنتصاراتها البلدية.
أمام هذا الواقع، لم تحقق الإنتخابات البلدية طموحات القوات اللبنانية، فلا هي إجتاحت الساحة المسيحية، ولا نجحت في قصّ أجنحة التيار الوطني الحر، حيث جاءت النتائج لا غالب ولا مغلوب، بإنتظار التطورات السياسية المقبلة وموقع كل من الفريقين منها، ونتائجهما في الانتخابات النيابية المقبلة التي وحدها القادرة على أن تحدد من الأقوى شعبيا القوات أم التيار؟!..
غسان ريفي – سفير الشمال