التراكمات تقضّ مضاجع اللبنانيين و”العدل” في صلب الصراع على الحقائب

رضوان عقيل – النهار

أورثت السنة المنقضية للتو خليفتها جملة من التراكمات السياسية والاقتصادية والمالية تقضّ مضاجع اللبنانيين الذين يخشون الوقوع في فِخاخ اكبر تهدد ما تبقّى من مقومات البلد الذي يتجه نحو مساحة اكبر من البطالة والافلاس وانهيار القطاعين العام والخاص. ويستمر المعنيون في اللعبة الفاشلة لتأليف الحكومة وسط اتساع الهوة بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري وحالة القرف والاستياء التي وصل اليها مختلف الافرقاء. هذا ما يعكسه علناً الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وكل من منظاره حيث أصيبا بأحباط شديد من جراء ما وصلت اليه الاوضاع من انهيارات. اما بالنسبة الى “حزب الله” فثمة حديث آخر وحسابات اخرى حيال كل ما يدور في المنطقة في انتظار ما ستحمله الأيام الباقية من ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب، والتي يتعاطى معها كل طرف في الداخل اللبناني انطلاقاً من مصالحه وحساباته الخاصة.

وفي ظل كل التحديات التي يواجهها اللبنانيون تنعدم المادة السياسية في البلد التي يمكن التعويل عليها للتخلص من الازمات والحد من مسلسل الخسائر. وعندما يعود الحريري للقاء عون في قصر بعبدا في اول لقاء لهما في بداية السنة الجديدة، سيتطرقان الى النقاط الخلافية بينهما حيال الحكومة وعدد الوزراء وتوزيع الحقائب واسقاط ممثلي المذاهب عليها. وفي رأي العونيين انهم نجحوا في كسب الشارع المسيحي قدر الإمكان، على عكس رأي مناوئيهم، من خلال رفع شعار الذود عن حقوق المسيحيين في الحكومة وعدم التفريط بها، وأنهم عملوا على استقطاب البيئة المسيحية حيث لم تعد لديهم خيارات أخرى في الثلث الاخير من العهد، ويقولون ان بكركي لم تكن بعيدة عن توجه العونيين وإنْ لم تعلن حماستها وتأييدها لهم.

من جهة اخرى، كان من الواضح ان علاقة البطريرك الماروني بشارة الراعي مع الثنائي الشيعي تنحو الى مزيد من التأزم، إذ أُغلِقت القنوات مع “أمل” و”حزب الله” في الاشهر الاخيرة، وتوقفت بكركي عند عدم تلقيها اي اتصال او معايدة من الطرفين في عيد الميلاد على عكس سنوات سابقة وسط كباش مفتوح على انتزاع هذه الحقيبة او تلك ولو تحت عنوان الاتيان باختصاصيين. وثمة من شد على يدي الحريري ليتصلب اكثر في مواقفه بعد اللقاء الأخير مع بعبدا، والتشدد أيضا في توزير اسمَي مَن سيتسلم حقيبتي العدل والداخلية، وخصوصا الاولى، لأن هناك من طلب منه الانتباه جيداً لمن سيتسلم العدل. وعلى سيرة العدلية، ثمة من طلب من الحريري لدى وصوله الى السرايا “تطيير” المدعي العام التمييزي غسان عويدات وتعيين قاضٍ سني بديل منه. وتوجَّه اتهامات للاخير بأنه لم يكن على قدر المسؤولية والمواجهة امام فريق آخر في العدلية يبسط سلطته على المؤسسة، ويقصد به المجموعة المساندة للمحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي فادي صوان، وان كثيرين ينتظرون جواب محكمة التمييز برئاسة القاضي جمال الحجار واستبدالها صوان بقاض آخر بعد دعوى الارتياب التي قدمها النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر.

وعند التدقيق في كل الوقائع غير المشجعة والتي لا توحي باقتراب موعد تأليف الحكومة المنتظرة، يستمر الافرقاء في فرض شروطهم ومعطياتهم، وعندما تصل الامور الى هذا المستوى من الاستياء عند رئيس المجلس فهذا لا يبشر بإشارات ايجابية سيلمسها اللبنانيون في القريب العاجل، وان القضية اكبر من مسألة توزيع حقائب والسيطرة عليها، وان الحريري غير قادر وسط هذه الظروف على اطلاق تشكيلته من دون توافقات خارجية وداخلية. اما داخليا فالمشكلة الحقيقية لا تقف فقط عند الصراع المفتوح مع رئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل.

في هذا الوقت تتجه الانظار الى “حزب الله” الذي يعاين بدقة المرحلة الانتقالية الحالية قبل تسلم الديموقراطيين مفاتيح القرارين السياسي والعسكري في البيت الابيض. ومن هنا لا تظهر كل المعطيات اقتراب حصول خرق في التأليف وسط ترقب التطورات في الاسبوعين المقبلين على وقع قرع اجراس الحرب والتهديد والوعيد بين واشنطن وطهران. وفي الخلاصة تبقى حكومة لبنان ومشكلات اللبنانيين، رغم اهمية الموقع الجيو- سياسي لبلدهم، جزءاً صغيراَ في أجندة كبار اللاعبين في العالم. وكثيرون في البلد لا يتعلمون.

Leave A Reply