الدور الروسي يتفاعل من غزّة إلى لبنان حراك موسكو يتنامى… بعد انتصار القيصر

تعوّد لبنان على الحلول الخارجية، حيث شهد مؤتمرات ولقاءات وتسويات على خلفية الحروب التي اندلعت فيه، فكانت هناك حركة من كبار الموفدين الدوليين منذ منتصف السبعينيات وصولاً إلى اتفاق الطائف، لكن ذلك تجدد في مراحل لاحقة من تسوية الدوحة وصولاً إلى ما يبحث اليوم من خلال اللجنة الخماسية، فيما ثمة حراك لموفدين دوليين وغربيين وعرب وإقليميين وسواهم، وجميعهم يأتون إلى بيروت في جولات استطلاعية لجس النبض على خلفية تطبيق القرار 1701، ومن ثم الاستحقاق الرئاسي ولا سيما عبر حركة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وإن كان غاب عن الأضواء بعدما خطف الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الأضواء، وصولاً إلى أدوار متلاحقة ومحطات مماثلة على صعيد دعم البلد.

في السياق، ثمة تساؤلات أين موسكو التي تبقى لاعباً كبيراً؟ فهي تخوض الحرب في أوكرانيا، وكذلك عاد القيصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الكرملين في ولاية جديدة، ما يعني أنه مع بروز معطيات وأجواء ومؤشرات أعطت روسيا هامشاً أساسياً على الصعيد الدولي والمنطقة، وتحديداً بعد المواقف الروسية في غزة، حيث يقول أحد الديبلوماسيين العرب العريقين، إن موسكو استطاعت أن تجمع حولها مليار عربي بفعل موقفها من حرب غزة، فيما الولايات المتحدة الأميركية هبّت إلى نجدة إسرائيل قبل سقوطها، والأمر عينه للأوروبيين الذين ساروا في الفلك الأميركي على غرار ما فعلوه بعد حرب أوكرانيا، ما سبب لهم أزمات اقتصادية واجتماعية، فيما ارتفع نموّ الاقتصاد الروسي على الرغم من العقوبات التي فُرضت عليها.

توازياً تقول مصادر سياسية متابعة لـ”النهار”، حول مستجدات الدور الروسي في لبنان والمنطقة، إنه حول الوضع في سوريا ثمة خمس دول تلعب في الملعب السوري، وهي روسيا وأميركا في شمال سوريا إلى الأتراك والإيرانيين ومن الطبيعي السوريين، والساحة السورية خاضعة للروس حيث لهم قواعد عسكرية كبيرة ويمسكون بزمام الأمور، والحل لهذه المعضلة أي الحرب السورية وتداعياتها، يأتي في إطار توافق روسي-أميركي، لكن الخلاف القائم وما يجري في فلسطين وأوكرانيا يحول دون ذلك.

أما على الصعيد اللبناني، فتلفت المصادر إلى أن ذلك يحتاج إلى توافق أميركي إيراني، كاشفة عن أن قائد الحرس الثوري الإيراني جاء إلى لبنان بعد تقدّم المفاوضات مع الأميركيين، داعياً إلى التهدئة، ومن هنا بدأ الحديث عن وقف الحرب في الجنوب وكل ما يحصل من توسيع رقعة الغارات الجوية الإسرائيلية والخروج عن قواعد الاشتباك، إذ لموسكو علاقات وطيدة مع غالبية الأطراف اللبنانية، وتعمل على الاستقرار في لبنان من خلال اتصالات تجريها مع تل أبيب وإيران، مشيرةً إلى أن من الطبيعي عدم إمكانية فصل جبهة غزة عن الجنوب قبل توقف الحرب في فلسطين، وذلك سينسحب على لبنان.

وتلفت إلى أن لقاء موسكو للفصائل الفلسطينية كان إيجابياً ومتقدماً، والغلطة الكبيرة كانت إقدام الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن” على تعيين رئيس للوزراء دون اللجوء أو التشاور مع حماس، كما تم في الاتفاق الذي حصل في موسكو برعاية روسية، فهذه المسألة أزّمت الوضع فيما تشير إلى أن الأمور قابلة للحل والوصول إلى تسوية للحرب، لكن تشبث نتنياهو باستمرارها ورفضه لمسار الدولتين الذي أيدته موسكو، فكل ذلك حال دون الوصول إلى الحلول المطلوبة أو التسوية الشاملة.

وتردف متابعة، أن بعض المحطات التي حصلت تتابعها موسكو بدراية تامة، خصوصاً التقارب الإيراني-السعودي، باعتبار أن لديها علاقات وطيدة مع كلتا الدولتين، مثمّنة زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” الحاج وفيق صفا لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولا سيما أنها على علاقة وطيدة مع إيران وحدودهما مشتركة وكذلك تربطهما بموسكو علاقة ممتازة، الأمر الذي يساعد في حلحلة قد تنسحب على السعودية وسائر دول الخليج، ولا سيما أن الرياض أقامت علاقات ديبلوماسية متقدمة جداً مع طهران، وثمة استقرار سياسي وأمني واقتصادي حصل في الخليج بعد عودة العلاقات التي تتفاعل وتتنامى.

أما ماذا عن الموقف الروسي تجاه لبنان؟ فتؤكد أن ثمة تواصلاً قائماً مع جميع الأطراف من قبل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي يشدد على انتخاب رئيس للجمهورية دون أن تتدخل موسكو وتفرض هذا المرشح وذاك، بل هي مع انتخاب الرئيس وعودة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني إلى البلد، لأنها قلقة من الحروب المحيطة بلبنان في ظل ظروفه الاقتصادية الصعبة.

وتخلص لافتة إلى أن الانتخابات الرئاسية الروسية قد تكون قدمت موعد زيارة الرئيس سعد الحريري لموسكو في حزيران أو تموز، لكن حتى الساعة ليس هناك مواعيد محددة لها، لكنها قائمة وسيلتقي بالرئيس فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين، وستكون الزيارة في غاية الأهمية وتوقيتها يحمل أكثر من دلالة سياسية قد تكون منطلقاً لمواكبة ومتابعة الحريري لحياته السياسية خصوصاً الاستحقاقات المقبلة في لبنان وتحديداً خوض الانتخابات النيابية والبلدية، حيث ثمة تشاور قائم بين ممثل الرئيس الحريري في موسكو الدكتور جورج شعبان، الذي يلتقي بكبار المسؤولين الروس، وهناك بيانات مشتركة تصدر دائماً، بمعنى أن ثمة مواكبة ومتابعة لهذه الزيارة المرتقبة.

وجدي العريضي – النهار

Leave A Reply