عرقلة إمدادات الإغاثة – كتب د. خضر ياسين

يستخدم مفهوم العقاب الجماعي للتعبير عن اتجاه بعض الأطراف إلى تحميل جماعة ما (سكان قرية أو مدينة مثلاً) مسؤولية أفعال ارتكبها فرد أو أكثر من المنتمين إليها، وكثيراً ما أدى هذا النوع من المسؤولية إلى أعمال انتقامية ضد سكان مثل هذه القرى أو المدن تأتي رداً على أعمال مقاومة مسلحة ضد دولة الاحتلال، كما حصل في الحرب العالمية الأولى عندما أعدم الألمان القرويين البلجيك جزاءً جماعياً لقيامهم بأعمال المقاومة، ثم كرّر الألمان هذه السياسة في الحرب العالمية الثانية بفرضهم شكلاً من العقوبة الجماعية لقمع المقاومة من خلال تحميل قرى وبلدات ومقاطعات بأكملها مسؤولية أي نشاط مقاوم يقع في مناطقها.

لقد قامت قوات العدو الإسرائيلي بإطلاق النار تجاه تجمّع للمواطنين الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون وصول شاحنات تحمل مساعدات في منطقة دوار النابلسي جنوب مدينة غزة، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وأسفر الهجوم عن مقتل 112 شخصا وإصابة 760 آخرين. ونتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والقيود الإسرائيلية، بات سكان غزة ولا سيما محافظتي غزة والشمال على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي يحاصره العدو الإسرائيلي منذ 17 عاما. في هذا السياق يفرض القانون الدولي الإنساني على كل طرف في النزاعات المسلحة أن يكفل حرية مرور جميع ارساليات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصراً إلى السكان المدنيين لطرف آخر، حتى ولو كان خصماً، والسماح بحرية المرور لأي ارساليات من الأغذية الضرورية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل. وجاء في المادة (54) من البروتوكول الاضافي الأول(1977) لإتفاقيات جنيف الأربع ما يلي:

1- يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب

2- يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر.

وتوجب المادة (70) منه على كل طرف في النزاع بأن يسمح ويسهل المرور السريع وبدون عرقلة لجميع إرساليات وتجهيزات الغوث والعاملين عليها والتي يتم تزويدهم بها حتى ولو كانت هذه المساعدة معدة للسكان المدنيين التابعين للخصم.

وحظّر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة الثامنة منه تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف لعام 1949.

من جهة ثانية يشكل إخضاع هؤلاء الأشخاص لظروف معيشية قاسية تؤدي إلى القضاء عليهم بصفة كلية أو جزئية إحدى وسائل الإبادة الجماعية، فهي إبادة بطيئة للجماعة، حيث يتم إجبارهم على الاقامة في بيئة جغرافية معينة تحقق هذه النتيجة، كالإقامة في ظروف مناخية قاسية تجلب الأمراض مع عدم تقديم العلاج، أو الحرمان المتعمد من الموارد الضرورية لبقاء الجماعة على قيد الحياة مثل المياه الصالحة للشرب والغذاء والكساء والمأوى والخدمات الطبية، ومصادرة المحاصيل الزراعية ومحاصرة وصول المواد الغذائية، كما أن المسؤولية الجنائية عن جريمة الابادة الجماعية تنهض في مواجهة مرتكبها بمجرد فرض هذه الأحوال المعيشية على شخص أو أكثر من الجماعة بقصد تدميرها كلياً أو جزئياً، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما جرى في بيافرا (نيجيريا) خلال الستينات من القرن العشرين، عندما ثار سكانها ضد الحكومة المركزية وطالبوا بالإستقلال، فحاصرتهم القوات النيجيرية حتى استسلموا من الجوع ونقص الدواء، بعد ان مات منهم حوالي مليون شخص.

Leave A Reply