الموظف اللبناني ضحية أزمات متتالية

تؤثر الأزمات باختلاف أنواعها في الصحة النفسية للأفراد عامة، ومن ضمنهم الموظفون الذين قد يتراجع لديهم الأداء المهني لأسباب معنوية ومادية.

وسواء كانت الأزمة صحية مثل جائحة كورونا أو ترتبط بحرب، أو عبارة عن مشكلة اقتصادية كتلك التي يشهدها لبنان منذ أكثر من أربعة أعوام، فمن الطبيعي أن تكون لها تأثيرات نفسية في الموظفين بصورة يظهر أثرها بوضوح على إنتاجيتهم وأدائهم.

وبطبيعة الحال تكون هذه التداعيات أهم وأكبر عندما ترتبط بموظفين في مراتب عليا، فكيف انعكست الأزمات المتتالية التي شهدها لبنان والعالم بصورة عامة على الموظفين؟ ومن كان الأكثر تأثراً بها؟

لكل أزمة تداعياتها

من المؤكد أن آثار الأزمات تختلف باختلاف أنواعها، فلكل منها أثر مختلف على الأفراد وعلى الموظفين خصوصاً، فعلى سبيل المثال من الطبيعي أن يزيد التوتر في بيئة العمل عند حصول أزمات اقتصادية، كما حصل في لبنان.

وكذلك تزيد الأعباء في مجال العمل، لا سيما عندما يبدو أن الاقتصاد يتخذ مساراً سلبياً، مما يفاقم القلق لدى رب العمل من جهة، ولدى الموظف من جهة ثانية، وربما ترتبط الأزمة التي تواجهها البلاد بكوارث طبيعية مثل الفيضانات أو الحرائق أو الزلازل، أو ربما حتى بأوبئة كما حصل مع انتشار الجائحة، ويمكن أن تكون الأزمة من صنع البشر، كما في الحروب والأزمة الاقتصادية كتلك التي يمر بها لبنان حالياً.

كل تلك الظروف عاشها اللبنانيون بالفعل، وكانت لها آثار واضحة على صحتهم النفسية، وترى الاختصاصية في المعالجة النفسية لانا قصقص أنه مهما كان نوع الأزمة فهناك نتائج نفسية واجتماعية على الأفراد، تختلف بحسب حدة الأزمة وأثرها عليهم.

وتقول قصقص “من الأزمات ما قد يتسبب بزيادة حالات الوفيات كما في حالات الكوارث الطبيعية، أو مع انتشار فيروس كورونا، ومنها ما يؤدي إلى مزيد من الإعاقات فيكون الأثر هنا مختلفاً عن ذاك الناتج من الأزمة الاقتصادية مثلاً، فبحسب حدة الأزمة وما ينتج منها تظهر آثار نفسية واجتماعية لها”.

وتوضح أنه “يظهر اضطرابان من الآثار النفسية الأساسية الناجمة عن الأزمات، الأول هو اضطراب الكآبة والثاني هو اضطراب ما بعد الصدمة، فهما الأكثر شيوعاً بعد حصول حروب وأزمات أيّاً كان نوعها، سواء كانت طبيعية أو من صنع البشر”.

تلقائياً، عندما تؤثر الأزمات في الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد ويتأثر بها أداء الموظفين في مجال عملهم، ينعكس ذلك بصورة واضحة على إنتاجيتهم، فعندما يكون الوضع الاقتصادي متردياً، لا تُلبى الحاجات الأساسية للأفراد كافة، لذا من الطبيعي أن ينعكس ذلك على بيئة العمل وعلى صحتهم النفسية عندما لا تتأمن الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب ومأوى وتعلم وطبابة.

إلى ذلك، يعرض فقدان الحاجات الأساسية الشخص المعني للأذى مباشرة ولتفاقم وضعه النفسي والاجتماعي، فيتأثر حكماً أداؤه الوظيفي، مع ما لذلك من تداعيات على قدرته على التركيز في مجال العمل وعلى اندفاعه وإنتاجيته، ويبدو الوضع أسوأ في حال تدني الحد الأدنى للأجور بالمقارنة مع حاجات الأفراد والظروف المعيشية، كما حصل في لبنان.

في لبنان انخفضت الأجور بصورة جنونية وسط الأزمة، ومن كان يتقاضى 600 دولار أميركي مثلاً، بات أجره لا يتخطى 100 دولار، مما انعكس على مستواه الاقتصادي والاجتماعي، فبات عاجزاً عن تحمل عدد من المسؤوليات الملقاة على عاتقه، فكيف لذلك ألا يعرضه لضغوط نفسية تؤثر في مختلف جوانب حياته، ومن ضمنها إنتاجيته في مجال عمله، لذلك من الطبيعي أن تلحظ الشركات في مثل هذه الظروف تراجعاً في مستويات الإنتاجية بين موظفيها نظراً إلى الضغوط النفسية الكثيرة التي يتعرضون لها.

من جهة أخرى، عندما تكون الأوضاع الاقتصادية متردية، تزيد الضغوط على الشركات التي من الممكن أن تلجأ عندها إلى خفض الأجور أو تسريح موظفين، فيما ترتفع توقعاتها من الموظفين بسبب مخاوفها على مصالحها الخاصة لأن الوضع المالي لا يكون واضحاً، وتلقائياً يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغوط النفسية والاجتماعية على الموظفين أنفسهم.

تغيير في أسلوب العمل

حصلت خلال الأعوام الأخيرة تغييرات كثيرة في بيئة العمل وأسلوبه ونوعيته داخل المؤسسات والشركات، مع ما لذلك من أثر على المردود الإنتاجي، كما تم تسجيل انعدام رضا لدى الموظف، سواء كان في مراتب أعلى أو لا، مع تراجع مدخوله بالمقارنة مع ما كان عليه قبل الأزمة، فبسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي تراجع اندفاع الموظف في العمل وخفت قدرته على التحمل، ومن الطبيعي أن يزيد ذلك كل أنواع المشكلات في أماكن العمل ويؤدي إلى تغييرات ملحوظة فيه.

وتأثرت كذلك العلاقات الاجتماعية بصورة واضحة وتبدلت الديناميكيات في الشركات بعد جائحة كورونا، إذ سيطر أسلوب العمل عن بعد بسبب انتشار الفيروس، وأيضاً بعد أن تبين للمؤسسات أنها قادرة على الحد من الإنفاق بهذه الطريقة في ظل الأزمة.

وبسبب العمل عن بعد لم يعُد الموظفون قادرين على التواصل المباشر في ما بينهم، مما انعكس بوضوح على سلوكاتهم، وأدى إلى سوء التواصل بين الزملاء في مكان العمل مع ما يرافق ذلك من مشكلات، ولذلك أيضاً آثار نفسية، إضافة إلى تأثيره في الإنتاجية.

التراجع في إنتاجية العمل عن بعد، وإن كان قد يسهم في الحد من النفقات، دفع شركات عدة إلى العودة لنظام العمل الحضوري، فبحسب قصقص، يختلف إلى حد بعيد التواصل المباشر بين الموظفين في ظروف العمل الحضوري عن ظروف العمل عن بعد، ويبدو الأثر أهم في ما يتعلق بالموظفين الذين هم في مراتب أعلى، نظراً إلى أن أي تقصير أو تراجع في أدائهم الوظيفي ينعكس بمعدلات أعلى على الإنتاجية في العمل.

لا تنكر قصقص أن شخصية الفرد أو الموظف تحدد مدى تأثره بالأزمة لجهة الأداء الوظيفي، فمما لا شك فيه أن الشخصيات القلقة هي أكثر تأثراً بالأزمات وتكون تداعياتها أكبر عليها، إذ تعاني مزيداً من الاضطرابات النفسية لأنها تشكو أساساً من هشاشة نفسية أعلى ولديها مناعة نفسية متدنية.

وتتأثر الشخصيات القلقة أكثر بالأزمات والمحيط والوضع العام، وتكون الانعكاسات أكبر على إنتاجيتها وعلاقاتها في مكان العمل، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء الأشخاص في موقع مسؤولية أو لا، لكن من المؤكد أن المشكلات تزيد أكثر بعد عندما تكون هذه الشخصيات القلقة في موقع مسؤولية، فالديناميكيات الموجودة في العمل لا تكون صحية، ومثل هؤلاء يولدون بيئة عمل سامة وغير صحية وأكثر توتراً، مما يؤثر في الإنتاجية والقدرة على التحمل للموظفين.

كارين اليان ضاهر- اندبندنت

Follow Us: 

Leave A Reply