الأحد, ديسمبر 8
Banner

“إسوارة ذهب” في لبنان أقوى من النظام المصرفي

مع ختام زيارة بعثته إلى لبنان في سبتمبر (أيلول) الجاري، قال صندوق النقد الدولي في بيان إن السلطات اللبنانية لم تطبق الإصلاحات العاجلة المطلوبة مما سيؤثر في الاقتصاد لأعوام مقبلة، منتقداً غياب الإرادة السياسية في اتخاذ قرارات صعبة، وإن كانت شديدة الأهمية، لبدء الإصلاح.

وأوضح البيان أن الافتقار إلى الإرادة السياسية في اتخاذ قرارات صعبة يضعف القطاع المصرفي، مشدداً على ضرورة المضي في خطة شاملة لاحتواء العجز المالي وبدء إعادة هيكلة النظام المصرفي، في خطوة اعتبر مراقبون أنها تنعي الاتفاق بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد وتعود بها للمربع الأول، أي مرحلة عام 2020 عندما أعلن رئيس الحكومة السابق حسان دياب في التاسع من مارس (آذار) أن لبنان سيعلق دفع ديونه المستحقة لأن “الدين أصبح أكبر من قدرته على تحمله وأكبر من قدرة اللبنانيين على تسديد فوائده”، مسقطاً خطة “لازارد” (شركة متخصصة في تقديم خدمات إدارة الأصول والاستشارات المالية) من دون تقديم أي بديل عنها.

أزمة لبنان الأعمق

وكانت بعثة الصندوق قدمت تقريرها الأول لدى انفجار الأزمة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 الذي تضمن الكلفة الباهظة المترتبة على عدم القيام بالإصلاحات في الاقتصاد والمالية العامة، وإمكان النهوض والتعافي وفرص رد الودائع.

ووفقاً لآخر إحصاءات لجمعية المصارف في لبنان، ارتفع الدين العام الإجمالي بنحو 3.16 مليار دولار أميركي على صعيد سنوي، ليسجل 102.47 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) 2023.

وكانت وكالة التصنيف الائتماني “ستاندر أند بورز”، أعلنت منذ عام 2020 أن ديون لبنان تشكل نحو 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من النسب الأعلى في العالم، وبحسب تقرير لصندوق النقد الدولي في يونيو (حزيران) الماضي، فإنه إذا ما استمر الوضع الراهن في البلاد على حاله فقد يصل الدين العام إلى 547 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027.

وفي ظل استعصاء عام للمضي بالإصلاحات المطلوبة على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية نظراً إلى الشغور الرئاسي الذي يوشك على إكمال عامه الأول، وجمود للسلطة التنفيذية مما يصعب إيجاد سبل الحلول لمواجهة أعمق أزمة للبلد في تاريخه الحديث، ما هي الحلول المتبقية والمبتكرة لدى اللبنانيين لمواجهة تلك الأزمات؟

الثقة بالقطاع المصرفي

في آخر دراسة صادرة خلال سبتمبر الجاري عن “الدولية للمعلومات” (وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة) يعتبر هذا العام لغاية نهاية أغسطس 2023، الأقل تصديراً للمجوهرات والأعلى استيراداً، إذ سجلت حركة الاستيراد نحو 1.49 مليار دولار في حين أن معدل الأعوام الـ10 الأخيرة لم يتجاوز الـ1.22 ملياراً.

وتشير الدراسة إلى أنه لدى مراجعة حركة استيراد وتصدير المجوهرات والحلي التي تشمل اللؤلؤ والألماس والأحجار الكريمة والذهب والفضة وغيرها، تبين انخفاض أرقام التصدير بشكل لافت.

وتتوقع الدراسة أن تكون هذه السنة الأقل تصديراً للمجوهرات والأعلى استيراداً، إذا ما استمرت النسبة على هذا المنوال، مما يعني أن اللبنانيين والمقتدرين منهم بشكل عام يلجأون إلى ادخار الحلي والمجوهرات، في حين أن الآخرين باتوا دون خط الفقر.

يقول مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق (LIMS) باتريك مارديني لـ”اندبندنت عربية” إن الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعانيها لبنان منذ أربعة أعوام تسببت في انخفاض الناتج المحلي للبلاد من نحو 54 مليار دولار إلى ما دون الـ20 ملياراً، مما يعني اختفاء 60 في المئة من حجم الاقتصاد.

وبشكل عام في بلد مثل لبنان، حيث لم يعد الناس يثقون بالقطاع المصرفي وسط فجوة مصرفية كبيرة جداً تصل إلى ما يقارب 80 مليار دولار، ومن المحتمل أن تؤدي إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي في عمليات دمج، أو تعمد بعض البنوك إلى الإقفال، حيث جرى حديث عند بداية الأزمة حول أن عدد المصارف سيتقلص من 50 إلى 10 مصارف، فإن المواطنين أصبحوا يخشون إيداع أموالهم في البنوك، ليس فقط بالليرة اللبنانية بل بالدولار الأميركي أيضاً لأنهم يتخوفون من إغلاق المصرف وعودة المواجهة من جديد لاستعادة أموالهم.

من هنا عمد كثير من اللبنانيين إلى إبقاء أموالهم في البيوت على رغم أخطار كثيرة منها السرقة، كما أن الإبقاء على الأموال بصورتها الورقية وتراكمها مع الوقت يؤديان إلى مشكلة بالنسبة إلى أحجامها، لذا تعمد الناس شراء الذهب والأحجار الكريمة التي تمتلك ميزة أنها صغيرة الحجم لكن سعرها مرتفع، لذلك فالهدف من شراء الذهب هو للاحتياط من الأخطار وأهمها السرقة.

الذهب كملاذ آمن

يرى مراقبون أن الاستثمار في الذهب أو العقار تحدده عوامل عدة، إذ يقول الباحث الاقتصادي محمد محمود عبدالرحيم في حديث صحافي، “تتوقف نصيحة الاستثمار سواء في الذهب أو العقارات عند عوامل مؤثرة عدة منها مستوى دخل الفرد ومستوى الادخار، فعلى سبيل المثال يمكن أن تكون قيمة ادخار شخص خلال عام هي قيمة ادخار شخص آخر خلال شهر، كما أن الاستثمار، سواء في الذهب أو العقارات، يظل نشاطاً غير منتج من وجهة نظر الاقتصاد الكلي.

ويضيف أن الذهب يتمتع بمرونة كبيرة عن العقارات، سواء من حيث سهولة الشراء والبيع، أو القيمة إذ يمكن شراء أية كمية تبدأ من غرام أو أقل وحتى أكبر كمية ممكنة، ويمكن القول إن الاستثمار في العقارات لا يمتاز بذلك، فهو غالباً ما يحتاج إلى رأسمال كبير وإن تسييل العقار قد يحتاج إلى بعض الوقت بعكس الذهب.

ويشرح مارديني أن أحد أهم الأسباب التي تدفع اللبنانيين إلى شراء الذهب يعود لأزمة التضخم العالمي، فالولايات المتحدة تعاني التضخم، مما يعني أن النقد يخسر جزءاً من قيمته ولو كانت الأموال المودعة بالدولار، وتنخفض القيمة النقدية لهذه الودائع مع الوقت لأن الأسعار بالدولار الأميركي ترتفع حول العالم. من هنا يأتي الاستثمار في الذهب وسيلة لحماية الودائع، فلا أحد يطمئن للإبقاء على كل أمواله مسيلة.

سوسن مهنا – اندبندنت

Leave A Reply