موازنة 2024… هيمنة الدولار تطغى على إنجاز الاقرار

للمرة الأولى منذ واحد وعشرين عاماً نجحت الحكومة اللبنانيّة في إقرار مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2024، ضمن المواعيد الدستورية وذلك بعد الانتهاء من مناقشة جميع بنودها على أن تتمّ إحالتها على المجلس النيابي نهاية الأسبوع الجاري من أجل دراستها والمُصادقة عليها. إقرار الموازنة وصفه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالبطولة وبالإنجاز الكبير نظراً إلى مدى الصعوبة في إنجاز الموازنة في هذا التوقيت بالذات. ولفت ميقاتي إلى أنّ الموازنة مقبولة وحازت على إجماعٍ كاملٍ من مجلس الوزراء من أجل تبنّيها وقد تضمّنت عجزاً أقل من أي سنة سابقة، غير أنّ هذا العجز ليس عجز موازنة إذ يمكن القول بأنّ الفائض النقدي أكثر من “العجز بالكاش” في ما يتعلّق بموضوع الواردات والمصاريف.

وعلى الرغم من ايجابية خطوة الإلتزام بالمهل الدستورية للموافقة على مشروع موازنة الـ2024، إلّا أنّ البنود المطروحة فيها وضعها في مرمى الانتقاد بحيث اعتبرت موازنة “مُدولرة” تخبئ في جعبتها الكثير من الرسوم والضرائب المُعدّلة والمُستحدثة والتي سوف تُستوفى بالدولار الأميركي بدل الليرة اللبنانيّة. وفي هذا الإطار، أظهر تقرير صادر عن “الدولية للمعلومات” حول مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2024، لائحة بهذه الرسوم والضرائب أبرزها: رفع الضّريبة على القيمة المضافة من 11 في المئة إلى 12 في المئة، تعديل الرسوم التي تستوفيها وزارة العمل لا سيما الموافقات المسبقة واجازات العمل والمحاضر، فرض رسوم مقابل خدمة جمع النفايات الصّلبة ومعالجتها، فرض رسم استهلاك للحفاظ على البيئة، زيادة الرسوم المقطوعة في قانون الرسوم والعلاوات البلدية إلى 40 ضعفاً، استحداث رسوم بقيمة بين 300 و500 ألف في المديرية العامة للتعليم العالي واستحداث رسوم اضافية لجميع الافادات، استحداث رسم بدل خدمات سريعة وطارئة لدى الادارات العامة يستوفى من الراغبين في إنجاز معاملاتهم بسرعة، إنشاء رسم جديد للحصول على ترخيص لاستثمار مؤسسة سياحية، بالاضافة إلى استيفاء الضريبة من الرواتب المدفوعة بالعملة الأجنبية واستيفاء عدد من الرسوم بالدولار الأميركي وليس بالليرة مثل الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي عند الاستيراد ورسوم كهرباء لبنان وغيرها الكثير.

التقرير الذي قامت بإعداده “الدولية للمعلومات” أشار إلى أنّ مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2024 يتألّف من 64 مادة موزعة على أربعة فصول وقد أورد توضيحاً للمواد التي تضمّنها المشروع لكلّ من النفقات والايرادت، البندان الأساسيان للموازنة. وفي ما يتعلّق بالبند الأوّل، تمّ تقدير النفقات العامة بـ 300.519 تريليون ليرة، أي بزيادة 7.35 أضعاف عن موازنة الـ2022 وتبلغ حوالي 3.5 مليارات دولار أميركي على سعر صرف 85500 ليرة للدولار. على صعيد الوزارات، تبيّن أن احتياطي الموازنة نال النّسبة الأكبر من الاعتمادات وهو بالأمر المستغرب بحيث وصلت للمرّة الأولى نسبة هذا الاعتماد إلى 33.7 في المئة من مجمل النفقات. كما أن توزّع النفقات بين الادارات والوزارات أظهر تخفيض موازنة وزارة المالية عن مشروع العام 2023 من 45 ألف مليار إلى 4.7 آلاف مليار، في إشارة إلى نقل النفقات التشغيلية والرواتب ومعاشات التقاعد إلى احتياطي الموازنة. وقد نالت وزارة الدّفاع النسبة الأكبر من الاعتمادات بحيث بلغت نسبة 13 في المئة من مجمل الموازنة تليها وزارة الصحة بنسبة 10.4 في المئة. أما على صعيد تصنيف النفقات، فقد بلغت النفقات التشغيلية حوالي 285 ألف مليار في حين سجّلت نفقات التجهيز والاستثمارات 15.5 ألف مليار فقط.

على جانب البند الآخر من الموازنة، بلغت الواردات المقدّرة حوالي 300.519 تريليون ليرة موزّعة بين واردات عادية (258.7 تريليون ليرة) وواردات استثنائية (41.7 تريليون ليرة) أي بمجموع 3.5 مليار دولار أميركي وأيضاً على سعر صرف 85500 ليرة للدولار. ولم تأتِ وزارة المال على ذكر الايرادات المحصّلة فعلياً في مشروع الموازنة في العام 2022 ولا في العام 2023، لا بل اكتفت بإيراد أرقام من العام 2021، في حين لفتت إلى أن العجز يبلغ 13.89 في المئة فقط. الوزارة حسب التقرير، قدّرت ايراداتها المُحقّقة بمبلغ يوازي 16 ضعف ما تمّت جبايته في العام 2021 كرقم اجمالي واعتبرت أن الضريبة على القيمة المضافة ستحقّق 90 ألف مليار أي 30 ضعف ما تمت جبايته في العام 2021، كما أنها لم تقم بذكر أرقام الجباية المحصّلة فعلياً في العام 2022 ولا العام 2023. كذلك لم تورد من أرباح إدارة حصر التبغ والتنباك سوى 1.3 ضعف عن الايرادات التي حققتها عام 2021 على الرغم من توضيحها أنها ستقوم بتحقيق 27.7 ضعفاً إضافية عن رسوم التبغ والتنباك مقارنة بالايرادات عن العام 2021. أما في ما يختصّ بالجمارك، فقد أشارت تقديرات المالية إلى تحقيقها 27.7 أضعاف ما حققّته سنة 2021.

يأتي إقرار مشروع موازنة الـ2024 في توقيته المُبكر والصحيح خلافاً لما شهدته موازنات السنوات الماضية التي كانت تُقر قبل أشهر قليلة من انتهاء السنة المالية كما حصل مؤخراً مع موازنة الـ2023 والتي تمّ إقرارها في 16 آب الماضي. لكنّ اللافت في أرقام الموازنة الجديدة هو مقارنتها بأرقام العام 2021، في تجاهل لكل من موازنتي العام 2022 و2023، الأمر الذي يُثير التساؤل حول مدى جدوى أرقامهما ومصداقيتها. وعلى الرغم من انخفاض العجز إلى 13.8 في المئة بعد أن كان مُقدّراً بنحو 23.57 في المئة في الموازنة السابقة، إلّا أنّ استمرار وجود العجز يعني الإبقاء على حاجة الدولة إلى الاقتراض من أجل تغطيته. وحتى اليوم، لا مجال للإقتراض من المصرف المركزي مع إصرار الحاكم بالانابة على عدم المس بالاحتياطي الالزامي لتمويل الدولة لا بالليرة ولا بالدولار. كما يؤخذ على موازنة الـ2024 لجوؤها إلى إستيفاء الرسوم والضرائب بالدولار من أجل تحسين إيراداتها، وامكان تأثير هذه الخطوة على سعر صرف الدولار الذي لا يزال مُستقراً دون حاجز الـ90 ألفاً مع ما يُرافقه من تنبؤات حول المسار الذي سوف يسلكه لا سيما مع إلغاء منصّة “صيرفة” واستبدالها بمنصّة “بلومبرغ”. ويبقى ما هو الأخطر من ذلك، التداعيات الكارثية لدولرة هذه الرسوم والضرائب ومساهمتها في مضاعفة معاناة المواطنين اليوميّة والقضاء على ما تبقى من قدرتهم الشرائية المُنهارة.

سوليكا علاء الدين

Leave A Reply