طلال سلمان.. دمعة في “هوامش”.. “على الطريق”

أن تتفق مع طلال سلمان أو تختلف معه… ذلك لا ينفي أن الرجل كان كبيراً، بل وعملاقاً في الصحافة اللبنانية والعربية.

بقي طلال سلمان على ارتباطه بالمهنة التي أحبها حتى الإدمان… ثم كانت “السفير” رسالته من لبنان إلى “الوطن العربي”، ومن “الوطن العربي” إلى لبنان، فاعتبر نفسه “موظّفاً” في خدمة هذه الرسالة، و”جندياً” في الدفاع عنها، و”مقاتلاً شرساً” في حماية مضامينها التي آمن بها حتى النخاع الشوكي.

بقي طلال سلمان نموذجاً، حتى للذين كانوا يكرهونه، وأمثولة للذين احترموه، ورمزاً لأولئك الذين أحبوه، وأستاذاً لكل الصحافيين الذين خرجوا من “مدرسة السفير”، و”أيقونة” لكل المناضلين على طريق فلسطين والعروبة.

ويقيناً، أن طلال سلمان لم يشعر بالهزيمة يوماً، وهذا ما شكّل حافزاً دائماً لنضاله اليومي، في “السفير”.

ويقيناً، أن الغدر لم يستطع اغتيال طلال سلمان، لأنه يؤمن بقضية لا تموت بسقوط حامل الراية، فهو متأكّد أن الأمة لا يختصرها شخص، ولا تتلاشى بسقوط قائد أو رمز أو مناضل.

في ذاكرة طلال سلمان الكثير من أولئك الرموز الذين حملوا راية الأمة، وسقطوا، لكن الراية بقيت ترفرف، وبقيت فلسطين تسكن الضمير الجمعي للأمة، وهذا ما كان يحفّز “أبو أحمد” ويمنحه مزيداً من القوة والإصرار على مواصلة النضال.

كانت فلسطين نقطة ضعف طلال سلمان، وكانت العروبة مصدر قوة طلال سلمان.

ولكن…

ربما أدرك طلال سلمان أن “الذين لا صوت لهم” لم يعودوا بحاجة إلى “صوته”، لأن “صوت الورق” قد خفّ صداه، وصار من دون “رجع”، وتراجع تأثيره، وباتت كلماته “صعبة الفهم” على أجيال تقرأ ما ترتاح إليه في “أوراق” العصر الالكترونية وتكنولوجياته، وبات الجمهور مؤثِّراً لا متأثّراً، وفاعلاً لا متلقياً، وباتت الكلمة مسطّحة في المعنى والمغزى… بل وربما صار الجمهور في عالمٍ آخر وزمنٍ آخر غير زمن طلال سلمان ومفاهيمه وقِيَمِه.

أدرك طلال سلمان هذه الحقيقة، فقرّر “طي الورق” و”كتم الحبر” والوقوف “على الطريق” وإلغاء “هوامش”، وهو على يقين أن “أجيال السفير” ستكمل الرسالة التي حملها دهراً، لعلّها أقدر على التعامل مع “الزمن الجديد” و”شاشاته” و”تكنولوجياته”.. وعقله أيضاً.

مع ذلك.. بقيت “السفير” غصّة، على الرغم من أن كثيراً “أبناء السفير” قد انتشروا في الأرض ينثرون أحرفها “على الطريق”، لعلها تنبت من “السفراء” و”الأصوات” ما يكفي لتبقى “السفير” “صوت الذين لا صوت لهم”، ويبقى طلال سلمان رسالة لبنان إلى الوطن العربي ورسالة الوطن العربي إلى لبنان.

حان الوقت لاستراحة طلال سلمان من أثقاله وهمومه التي كانت أكبر من الوطن.. لكننا لا نستطيع قمع “هوامش” دمعة تسقط عفواً “على الطريق”، وعلى رحلة عمر في “السفير”، وعلى زملاء من زمن “السفير” يتساقطون تباعاً.

عذراً “أبو أحمد”.. لا أستطيع منع دمعتي.. أنا الذي “تهرّبت” من لقائك كي لا أراك ضعيفاً، وحتى تبقى في ذاكرتي ذلك “القوي” الذي يكتم ألمه كي لا يُظهر ضعفه.

رحم الله الراحل الكبير الذي استسلمت روحه للقدر.. هو الذي آمن أن “الهزيمة ليست قدراً”.

يستحق طلال سلمان أن يكون “وسام لبنان في الوطن العربي.. ووسام الوطن العربي في لبنان”.

 خضر طالب

Leave A Reply