إستفسارات.. و 8 سيناريوهات!

نبيل هيثم- الجمهورية

لا يستطيع أحد أن يجادل رئيس الجمهورية في تحديده موعد الاستشارات النيابية الملزمة، فقد مارس حقه الدستوري الذي لا يشاركه فيه أحد.

على أنّ الدستور لا يقيّد رئيس الجمهورية بمهلة محدّدة للدعوة الى الاستشارات الملزمة، وتبعاً لذلك، فإنّ كثيرين تساءلوا عمّا حمله على تحديد موعد هذه الإستشارات، وهو عالمٌ أنّ نادي المرشحين لرئاسة الحكومة فارغ تماماً؟

جواب بعبدا، أنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يُبقي الاستحقاق الحكومي على هذا الجمود، ولذلك أراد أن يحرّك المياه الراكدة، ويضع المكونات السياسيّة والكتل النيابيّة امام مسؤولياتها، ويحثها على التواصل في ما بينها للاتفاق على الرئيس العتيد، ليتمّ تثبيت اسمه رسمياً في استشارات الخميس 15 الجاري، اي بعد خمسة أيام.

ولكن امام هذا الجواب كلام آخر، فإن كان قصد رئيس الجمهورية، هو الحثّ، فهو في الاساس يتوجّه الى كتل سياسية ونيابية مقطوع أصلاً حبل الودّ بين بعضها البعض، وكذلك التواصل في ما بينها، منذ ما قبل اعتذار مصطفى اديب، وهنا تحضر مجموعة اسئلة:

– اولاً، هل يضمن رئيس الجمهورية حصول الاتفاق الذي يرمي إليه؟

– ثانياً، كيف لهذه الكتل أن تتفق على شخصية لرئاسة الحكومة في ظل هذا الانقطاع الكلّي بينها؟

– ثالثاً، قبل أن تتفق هذه الكتل على شخصية رئيس الحكومة، الاّ يجب أن تتفق قبل ذلك، على أن تتواصل مع بعضها البعض؟

– رابعاً، طالما أنّها لا تتواصل مع بعضها البعض، ألا يتطلّب ذلك وسيطاً بينها لحملها على التواصل؟

– خامساً، من سيلعب دور هذا الوسيط؟ رئيس الجمهورية؟ وإن فعل، كم من الوقت سيستغرق نجاح مهمّة الوسيط – هذا اذا نجح – لاقناعها بالتواصل، يوماً، يومين، ثلاثة أيام، وكلها ايام تأكل من المهلة الفاصلة عن خميس الاستشارات، فماذا سيبقى للاتفاق على رئيس الحكومة قبل خميس الاستشارات؟

– سادساً، أيّ كتل سياسية ونيابية هي التي يريد رئيس الجمهورية ان تتوافق في ما بينها؟ هل المقصود كلّ الكتل السياسية والنيابية؟ أم أنّ التوافق المقصود هو حصراً بين الرئيس سعد الحريري ومن خلفه نادي رؤساء الحكومات، وبين ثنائي حركة «امل» و»حزب الله»، أيْ التوافق بين السنّة والشيعة، في اشارة غير مباشرة الى انّ المشكلة كامنة هنا؟

– سابعاً، لنفرض أنّ هذه الكتل المطلوب أن تتوافق، قرّرت الجلوس مع بعضها، خلال ما تبقّى من أيام من تلك المهلة، فعلامَ ستتفق؟

– ثامناً، هل تستطيع هذه الكتل أن تتفق على تكرار ذات الطريقة التي اعتُمدت خلال تسمية مصطفى اديب، بمعنى أن يُسمّي نادي رؤساء الحكومات السابقين شخصية لرئاسة الحكومة، فيوافق عليها «الثنائي» وسائر الكتل؟

– تاسعاً، هل تستطيع هذه الكتل أن تتفق على مقاربة جديدة وعاقلة لملف التكليف، بالاستفادة من كل الالتباسات التي احاطت التجربة السابقة التي انتهت الى فشل مصطفى اديب في تشكيل حكومة، وأدّت الى قطع أوصال العلاقات بين الكتل المذكورة، ودفعت بها الى متاريس تبادلت من خلالها اتهامات من فوق الزنار وتحت الزنار؟

– عاشراً، هل التوافق المطلوب هو على إسم رئيس الحكومة فقط، أم على شكل الحكومة وتركيبتها ومن يسمّي وزراءها ومن سيتولّى حقيبة وزارة المال؟

– حادي عشر، هل ثمة ما أوحى بأنّ تبديلاً أو تغييراً أو تعديلاً شاب مواقف الأطراف، فصارت ليّنة، خلافاً للصورة الصدامية التي كانت عليها خلال تجربة تكليف مصطفى أديب؟

– ثاني عشر، لم يظهر أيّ من أطراف الصراع حول الحكومة في زمن تكليف أديب، أنه بدّل موقفه او موقعه او تخلّى عن شروطه، وتبعاً لذلك، هل ثمة ما يضمن او من يضمن ألاّ يفتح النقاش بين المدعوّين الى التوافق، على جولة جديدة من السّجال حول أحادية تسمية وزراء حكومة اختصاصيّين لا سياسيّين، التي أصرّ عليها الحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقون، وحول تسميّة الوزراء الشيعة وابقاء وزارة المالية من ضمن الحصة الشيعية، اللذين كان ولا يزال ثنائي «أمل» و»حزب الله» مصرّينِ عليهما مع أي حكومة تتشكّل؟

في موازاة هذه الأسئلة، ثمّة حديث عن مجموعة سيناريوهات:

– السيناريو الأول، أن تفشل الكتل السياسية في التوافق على شخصية لرئاسة الحكومة، عندها يبادر رئيس الجمهورية الى تأجيل الاستشارات، لمزيد من المشاورات.

– السيناريو الثاني، ان تتمكّن الكتل السياسية والنيابية من التوافق على شخصيّة سنيّة لرئاسة الحكومة؛ الرئيس الحريري او من يسمّيه، على أن تتألف الحكومة، بمعزل عن نوعها وحجمها، بالطريقة الاعتيادية التي اتّبعت في تشكيل ما سبق من حكومات منذ الطائف الى اليوم. الّا انّ هذا الأمر في ظلّ الظروف التي نشأت منذ ما بعد 17 تشرين الاول 2019 وحتى اليوم، اضافة الى الانقسام الحاد بين القوى السياسية، الذي ازداد اتساعاً وعمقاً خلال مرحلة تكليف مصطفى اديب صعب التحقيق، لا بل مستحيل.

– السيناريو الثالث، أن يتراجع الحريري عن عزوفه عن الترشّح لرئاسة الحكومة، وهذا معناه انّ «الضوء الاخضر» اضيء امامه وتحديداً من المملكة العربية السعودية للعودة الى رئاسة الحكومة، على أن يترك أمر البحث في الحكومة الى ما بعد تكليفه. وهنا تسميته في الاستشارات مضمونة بأكثرية نيابية، من ضمنها بعض القوى السياسية المتخاصم معها حالياً.

– السيناريو الرابع، أن يبقى الحريري على عزوفه عن ترشيح نفسه، وهذا معناه أنّه لا يزال في مواجهة «الضوء الاحمر»، ويقرّر أن يبارك تسمية شخصية سنّية أخرى، وفي الميدان الأقرب نجيب ميقاتي الذي رشّح نفسه بطرح الحكومة التكنوسياسية، حيث تتمّ تسميته في الاستشارات على هذا الاساس.

– السيناريو الخامس، أن يبقى الحريري مصرًّا على عدم ترشيح نفسه، وعدم تسمية أيّ شخصية سنّية أخرى. وينقل كرة تسمية هذه الشخصية الى الاكثرية النيابية، فمن شأن هذا الأمر، من جهة، أن يحشر الاكثرية بما اعلنت انّها لن تبادر اليه، اي تسمية رئيس الحكومة او تشكيل حكومة من طرف واحد، ومن جهة ثانية، يربك الاستشارات الملزمة ويضعها أمام حتمية التأجيل.

– السيناريو السادس، أن يبادر نادي رؤساء الحكومات الى خطوة صدامية عبر تزكية شخصيّة ويصرّ عليها، كالسفير نوّاف سلام على سبيل المثال، فرئيس الجمهوريّة في هذه الحالة لا يملك سبباً لتأجيل الاستشارات الملزمة، وحتى ولو كان حليفه «حزب الله» رافضاً للسفير سلام، وبالتالي إن جرت هذه الاستشارات فسيدخل اليها نواف سلام ضامناً سلفاً أصوات 46 نائباً موزّعة على «المستقبل» 20 نائباً، «القوات اللبنانية» 15 نائباً، «الحزب التقدمي الاشتراكي» 7 نواب، وكتلة ميقاتي 4 نواب. وفوزه يتأمّن ويصبح مضموناً إذا ما انضمّ الى تسمية سلام «تكتل لبنان القوي».

– السيناريو السابع، أن تجد الأكثرية النيابيّة الحاليّة نفسها، مدفوعة أمام تزكية إسم نوّاف سلام، الى خطوة صداميّة مماثلة، فتسمّي شخصيّة اخرى من بين الاكثرية. وهذا احتمال وارد جداً.

– السيناريو الثامن، أن تجد الأكثرية النيابية الحالية نفسها مدفوعة امام امتناع الطرف المعني عن تسمية شخصية لرئاسة الحكومة، ورفضه التوافق على أي شخصيّة، الى تزكية شخصية تعتبرها ملائمة لتنفيذ جوهر المبادرة الفرنسية. وهذا احتمال ضعيف.

خلاصة ما تقدّم، على ما يقول مواكبون للملف الحكومي، هي «أنّ الاستشارات الملزمة التي دعا اليها رئيس الجمهورية، حبلى بالمفاجآت، فأن تُعقد في موعدها المحدّد في ظلّ توافق الكتل السياسية والنيابية وتفاهمها، فهذا كما تؤكّد اجواء الاطراف جميعهم، احتمال ضئيل جداً، يتطلّب ترسيخه معجزة تجمع القوى السياسية المتصادمة على كلمة سواء وهدف واحد. ولكن ما يُخشى منه، هو أن تسقط هذه الاستشارات في فخّ سياسي، يؤدي الى خلق أمر واقع، عبر تكليف شخصية لا توافقية، وهذا معناه التأسيس لصدام سياسي مفتوح، يعيد خلط كلّ الاوراق في البلد، ويبعثر التحالفات».

Comments are closed.