المقاومة في دائرة الاستهداف.. لمصلحة من؟!

في 23 آذار من العام 1970 وعند كوع الكحالة، وخلال نقل الفدائيين الفلسطينيين أحد الشهداء لتشييعه في مخيم اليرموك في سوريا، تعرض الموكب لكمين مسلح نفذه شبان من المنطقة، نتج عنه إشتباك بالأسلحة الرشاشة أسفر عن سقوط ستة قتلى ونحو 15 جريحا، وعلى الفور حضر وزير الداخلية آنذاك كمال جنبلاط، ورئيس حزب الكتائب اللبنانية بيار الجميل، وعدد من القيادات السياسية والحزبية، حيث دعا الجميع الى التهدئة وضبط النفس وعدم الانجرار وراء الفتنة وترك هذا الحادث يأخذ مجراه القضائي الرسمي.

وبالرغم من هذا التعاطي العقلاني والهادئ مع حادثة كانت تعتبر في ذاك الزمن خطيرة جدا، فإن الحرب الأهلية إندلعت بعد خمس سنوات بالتمام والكمال في 13 نيسان 1975.

يوم أمس الأول الأربعاء، وعند كوع الكحالة نفسه، إنقلبت شاحنة تابعة لحزب الله شأنها شأن سائر الشاحنات التي تنقلب بشكل شبه يومي بفعل خطورة هذا الكوع الذي يشهد حوادث سير متعددة، ولم يمر وقت طويل حتى جاءت كلمة السر السياسية مترافقة مع تحريض إعلامي تلفزيوني لتتحول الشاحنة الى هدف بدءا من محاولة إقتحامها للسيطرة على ما تحمله، مرورا برميها بوابل من الحجارة، وصولا الى إطلاق النار عليها وعلى من فيها في سلوك غير مبرر ويعكس حالة الاحتقان الطائفي الذي يعيشه الفريق الذي يشحن نفوس وغرائز أنصاره ليل نهار.

وقد أدى ذلك، الى إشتباك مسلح بين شبان حزبيين وبين عناصر حزب الله المولجين بالحماية والذين سقط منهم الشهيد أحمد قصاص، بينما أصيب فادي بجاني من الطرف الآخر ونقل الى المستشفى وما لبث أن فارق الحياة.

وبينما الدماء كانت لا تزال على الارض سارع البعض الى الاستثمار فيها لاستدراج المزيد منها ومن الضحايا لتحقيق مكاسب مهما غلا ثمنها سياسيا، تبقى رخيصة جدا أمام سلامة الناس وأمنهم، وذلك في ظل غياب المسؤولين المعنيين عن مسرح الحادث، باستثناء الرئيس نجيب ميقاتي الذي أجرى سلسلة اتصالات ودعا الى التهدئة وضبط النفس، والجيش اللبناني الذي أبلى البلاء الحسن في التعاطي مع الحادث واحتواء الازمة برفع الشاحنة وتفريغها واعادة فتح الطريق، أما رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل “فجاء ليكحلها قام عماها”.

كان لافتا ان نوابا قواتيين وعونيين وكتائبيين وتغييريين ومستقلين ومعهم قياداتهم السياسية تحدثوا بذات النفس الطائفي لا بل تنافسوا في التحريض والشحن وإثارة النعرات والغرائز ما وضع البلد برمته امام شفير حرب أهلية قد يعلم هؤلاء كيف تبدأ لكن احد لا يعلم كيف تنتهي وكيف ستكون تداعياتها وآثارها الكارثية في بلد منهار اقتصاديا وماليا واجتماعيا.

لم يفكر أحد من هؤلاء أن يدعو الى التهدئة أو الى ضبط النفس أو الى إحتواء الحادث لحقن الدماء، ما يشير الى أجندة سياسية واضحة يلتزمون بها وترمي الى إستهداف المقاومة وتحميلها مسؤولية كل ما يحصل في البلاد بهدف إشغالها أو إرباكها في الوقت الذي يتربص العدو الاسرائيلي بلبنان بالخروقات والاعتداءات وقضم الاراضي والتهديدات.

ما حصل عند كوع الكحالة لم يكن يستدعي كل هذه “الهمروجة”، فحادث السير كان قضاء وقدرا، إنما ما تلاه من إراقة دماء كان بفعل تحريضي واضح، خصوصا أن الحادث هو من مسؤولية قوى الامن الداخلي وما بداخل الشاحنة هو من مهام الجيش اللبناني، إلا أن بعض شبان المنطقة وبتوجيهات سياسية وحزبية صادروا دور قوى الامن والجيش والقضاء فوزعوا الاتهامات وأصدروا الأحكام ومارسوا الامن الذاتي المسلح باطلاق النار كما أظهرت الفيديوهات حيث لم يظهر الضحية فادي بجاني فيها، علما انه من حزب الوعد، لكن المنافسة بعد وفاته كانت على أشدها من أجل تبنيه من قبل الاحزاب المسيحية، بينما أصيب عنصر حزب الله بسبع رصاصات حسب الطبيب الشرعي ما يشير بوضوح الى الجهة المهاجمة.

في الوقت الذي تهدد فيه اسرائيل لبنان على لسان وزير الدفاع بإعادته الى العصر الحجري، كان لا بدّ للمقاومة من أن تستعد وتجهز نفسها لأي إعتداء وان تعمل على نقل العتاد والاسلحة الى الخطوط الامامية في الجنوب وذلك في إطار الحق الممنوح لها للدفاع عن الارض وتحقيق توازن الرعب مع العدو، ضمن ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” التي تضمنتها كل البيانات الوزارية واعطت كل التيارات السياسية في مراحل متعددة الثقة للحكومات على أساسها وشاركت فيها الى جانب وزراء حزب الله.

لكن فجأة، بدا ان بعض التيارات السياسية وخصوصا المسيحية منها وكأنها ولدت يوم أمس، ولا تدري ان في لبنان مقاومة وتمتلك سلاحا، وان هذا السلاح ينتقل وفقا للضرورات الميدانية ويتحرك تبعا لتهديدات العدو، فعبرت عن دهشتها من مرور سلاح للمقاومة في الكحالة واستغربت واستنكرت إقدامها على هكذا عمل، لكنها بلعت ألسنتها حيال تهديد وزير الدفاع الاسرائيلي.

بات واضحا ومنذ فترة أن ثمة أوركسترا تعمل على استهداف المقاومة بشكل يومي ومنظم ما يطرح تساؤلات لجهة: ما هو أفق هذا الاستهداف؟ ولمصلحة من؟ والى أين سيصل بعض أصحاب الرؤوس الحامية بإصرارهم على ممارسة شعبوية طائفية من شأنها أن تأخذ لبنان الى فتنة داخلية، أو الى اعتداء اسرائيلي يبدو ان البعض قد أخذ على عاتقه تهيئة الاجواء والارضية له؟!..

غسان ريفي – سفير الشمال

Leave A Reply