جيبة المواطن تُموّل الموازنة… ضرائب لتغطية النفقات

بعد انتظار دام أشهر، أحالت وزارة المال مشروع قانون موازنة العام 2023 إلى الحكومة من أجل درسه وسط جدل كبير حول مضمون بنوده واعتماده بصورة رئيسة على فرض المزيد من الضرائب كمصدر لتمويل نفقات الدولة العامة. مشروع قانون الموازنة الذي تضمن 82 مادة، قدّر النفقات بحوالي 181,923 مليار ليرة أي بزيادة 141 ألف مليار عن موازنة العام 2022 (445 في المئة مقارنة بموازنة العام 2022)، ما يعادل ملياري دولار على سعر صرف 91 ألف ليرة. أما الإيرادات، فقُدرت بـ 147,739 مليار ليرة. ومن أبرز النفقات الحكومية التي ذكرت في مشروع الموازنة قيمة الفوائد على سندات الخزينة الخارجية (5,475 مليارات ليرة)، قيمة الفوائد على القروض الداخلية (7,307 مليارات ليرة)، المخصصات والرواتب والأجور وملحقاتها (30 مليار ليرة)، مساهمات للرواتب والأجور في مؤسسات عامة (2,299 مليار ليرة)، ومخصصات اجتماعية للعاملين في القطاع العام (51,804 مليار ليرة). وفي حين لم تُحدد وزارة المال الايرادات المحصلة فعلياً في العام 2022، بل اكتفت بإيراد أرقام من العام 2021، أشارت إلى أن العجز يبلغ 18,79 في المئة.

أما الضرائب المفروضة فكانت حاضرة بقوة بحيث ستحصّل أبرز إيراداتها من ضريبة الدخل على الأرباح ورؤوس الأموال، ضريبة على الأملاك، الرسوم الداخلية على السلع والخدمات، الرسوم على التجارة والمبادلات الدولية، وإيرادات ضريبية أخرى والتي قدرتها الموازنة بـ112,767,817 مليار ليرة، في حين يصل مجموع الإيرادات غير الضريبية إلى 34,971,588 مليار ليرة وهي عبارة عن حاصلات إدارات ومؤسسات عامة /أملاك الدولة، الرسوم والعائدات الادارية والمبيعات، الغرامات والمصادرات، وغيرها من الايرادات غير الضريبية المختلفة.

من جهة أخرى، كان لافتاً في بنود الموازنة فرض رسم استهلاك داخلي على المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والمشروبات التي تدخلها مادة السكر المعبأة ضمن أوعية مختلفة والمعدة للاستهلاك الداخلي سواء كانت منتجة محلياً أو مستوردة من الخارج بقيمة 5000 ليرة. وفي ما يتعلق برواتب القطاع العام، أشارت المادة 80 من مشروع الموازنة إلى أنه خلافاً لأي نص عام أو خاص ولأي نظام يرعى عمل المؤسسات العامة والهيئات العامة والصناديق من أشخاص القانون العام، لا تدخل أي زيادة على الرواتب وملحقاتها استفاد منها منذ العام 2020 العاملون في القطاع العام، ضمن أساس الراتب بل تبقى في إطار ما يُسمى زيادة غلاء معيشة أو مساعدات اجتماعية أو تعويض استثنائي، فضلاً عن إلزام المصارف عدم تسليم مبالغ مودعة لديها باسم متوفى إلى ورثته إلا بعد اقتطاع نسبة 3 في المئة منها وذلك عند تقدم الورثة لقبضها.

شوائب مشروع الموازنة كثيرة حتى أنه بات بالامكان القول إنها موجهة ضد قدرة المواطن اللبناني على الصمود في ظل عجز تصل قيمته الى 34 ألف مليار ليرة، ستعمل الحكومة جاهدة على تغطيتها من جيوب اللبنانيين التي أنهكها التضخم وغلاء الأسعار. فأي عدل في قيمة ضرائب ورسوم جديدة لا تتوافق مع قيمة الرواتب والأجور؟ وأين هي الشفافية في ظل غياب نشر الايرادات المحصلة في موازنة العام 2022؟ ولماذا لم يتم احتساب الزيادات التي تمنح للقطاع العام في أساس الراتب السنوي التي أصبحت تكلف اليوم 6,300 مليار ليرة؟

ظاهرياً، يأتي مشروع موازنة العام 2023 في إطار تلبية شروط صندوق النقد لا سيما وأنها أتت متأخرة في التوقيت كما أصبحت تجري العادة مؤخراً متخطية بذلك المهلة الدستورية، لتكون بذلك موازنة صورية بعيدة كل البعد عن أي بنود إصلاحية تتناول آليات توحيد سعر الصرف وإعادة هيكلة المصارف وإعادة هيكلة الدين العام. فالموازنة التي تحتاج إلى أسابيع وربما أشهر لإقرارها ونشرها في الجريدة الرسمية لن يكون أمامها سوى فترة قليلة قبل نهاية العام الجاري ليكون مصيرها مماثلاً لموازنة العام 2022 وهدفها الوحيد تأمين الايرادات للدولة عبر مضاعفة الرسوم بمختلف أنواعها 30 ضعفاً، لتكون بذلك استكمالاً لحالة الفوضى المالية والتخبط النقدي الذي يعيشه لبنان وسط انحراف تام عن مسيرة الاصلاحات الاقتصادية والهيكلية وغياب أي قواعد ثابتة لتحقيق مؤشرات مالية إيجابية تُسهم في إرساء مستويات مستقرة من الإنفاق الاستراتيجي بعيداً عن أي أعباء إضافية على الخزينة والمواطن.

هدى علاء الدين

Leave A Reply