جملة مفارقات تواكب انتهاء ولاية سلامة

رضوان عقيل – النهار

من سوء طالع المؤسسات وتدهور أحوالها غير المطمئنة أنه كلما اقترب موعد انتهاء ولايات القائمين عليها في ظل الشغور الرئاسي المفتوح تكثر الاجتهادات والفتاوى الدستورية في مشهد لا يُحسد اللبنانيون عليه وهم يتفرجون على انهيار إداراتهم. وما يجري اليوم يعكس التخبط في التعاطي مع حاكمية مصرف لبنان وعدم حسم من سيتولى ادارة أهم مؤسسة تتناول حياة اللبنانيين وماليتهم المنهارة جراء عدم الاطمئنان الى مصير ودائعهم المعلقة بين المصارف والدولة حيث لم توضع بعد اي خطة تشرح كيف يمكن لأصحابها استعادتها ولو بعد سنوات إن لم تكن قد تبخرت. وما يحصل اليوم مع حاكم مصرف لبنان يشبه الى حد ما ما رافق الايام الاخيرة من ولاية المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم مع فارق في ظروف الرجلين والمؤسستين ولو تلقّى ابراهيم وعوداً عدة تقضي بالتمديد له، إلا انها لم تأخذ طريقها الى التنفيذ نتيجة جملة من الحواجز ليس أقلها عدم تسهيل مهمة حكومة تصريف الاعمال في الإقدام على هذا التمديد. وانتهى الحال في الامن العام بتكليف اللواء الياس البيسري تسيير هذه المؤسسة. واذا استمر الوضع على هذا المنوال من سوء انتظام الادارات وعدم تمكن البرلمان من انتخاب رئيس للجمهورية فقد ينسحب الامر على قيادة الجيش في كانون الثاني المقبل بغية دفع العماد جوزف عون للذهاب الى منزله وقطع الطريق امامه على انتخابه لرئاسة الجمهورية. وهذا ما تريده جهات عدة في مقدمها “التيار الوطني الحر” الرافض لأي تعيين في الحكومة حيث يتصدى رئيسه النائب جبران باسيل بكل ما أوتي من قوة لأي محاولة من هذا النوع مستنداً الى عدم وجود رئيس للجمهورية. ويعمل في الوقت نفسه على إحراج بكركي و”القوات اللبنانية” في حال عمدتا الى مباركة أي تمديد او تعيين حكوميين. ويحظى بدعم واضح هنا من “حزب الله” الذي وجه باكراً رسالة غير مشفرة الى كل من يعنيه الامر بعدم مشاركة وزيريه علي حمية ومصطفى بيرم في أي جلسة يتضمن جدول أعمالها تعيين او التمديد لأي اسم حتى لو كان في حجم رياض سلامة والمهمات التي يتولاها. ولم يعارض الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي منذ البداية التمديد لسلامة لجملة من الاسباب أبرزها تلمّسهما “تهيّب” نواب الحاكم الاربعة وعدم استعدادهم لحمل كرة النار المالية هذه. وتوضح مصادر مواكبة لهذا الملف الحساس ان كل الخيارات تبقى مفتوحة الى يوم الجمعة المقبل ومن بينها التمديد لسلامة بقرار من وزير المال يوسف الخليل او رئيس الحكومة على غرار ما فعله الرئيس الراحل رشيد كرامي عام 1984 مع الحاكم ميشال الخوري آنذاك. وتضيف المصادر هنا أن رسالة غربية وصلت الى مراجع تحذر من انهيار وفراغ نقدي وعسكري، ويُقصد بذلك انه اذا لم يحصل التمديد لسلامة فسيشمل هذا الامر قائد الجيش حيث سيحرم من هذا التمديد، علماً ان الرجل لا يشاء التعليق الان على هذا الموضوع. ولا يزال بري على موقفه من ضرورة ان تعيّن الحكومة حاكما جديدا، الطرح الذي يرفضه “حزب الله”.

وحصلت في الايام الاخيرة جملة من الامور المواكبة لانتهاء ولاية سلامة في 31 الجاري وتتمثل في النقاط الآتية:

– يتعاطى النائب الاول للحاكم وسيم منصوري بحذر أكثر من شديد نتيجة المسؤوليات التي تنتظره مع النواب الثلاثة الآخرين، لكن الانظار الاعلامية والسياسية ستكون مصوبة نحوه اكثر لجملة من الاعتبارات. ولذلك يخشى الرجل من الانعكاسات القانونية والاخلاقية التي سترمى عليه، مع التذكير بأنه يتحسب جيدا لرحلة مشواره الوظيفي وربطها بالسياسة. وبعدما التقى كبار المسؤولين في وزارة الخزانة الاميركية فضلاً عن مشرف على بنك للمراسلة في دبي، عاد الرجل بمعطيات لا تضع “فيتو” على اسمه ولم تمانع حلوله في موقع سلامة بحسب قانون النقد والتسليف، وسمع كلاماً بأن لا نية لعرقلته.

– من المفارقات التي رافقت منصوري في الايام الاخيرة انه لم يكن على قلب واحد مع اعضاء كتلة “التنمية والتحرير” التي سمّته وعيّنته في هذا الموقع الحساس. ولم يبدِ منصوري ميلاً الى الاستقالة وان بقيت موضوعة على الطاولة. وثمة مفاجأة حصلت في جانب من جلسات لجنة الادارة والعدل مفادها ان نقاشاً دار بين منصوري ونائب شيعي فهم من خلاله بعد كلام الثاني: “نحن من جاء بك الى نيابة الحاكم”. ويفهم هنا ان “أمل” الحركة تفضل استقالة منصوري من اجل ان لا تسجل على هذا الفريق مسؤولية أي انهيارات مالية اخرى وتصاعد سعر الدولار الاميركي امام الليرة الجريحة.

– ان التهويل القائم حيال توجه البلد نحو الاسوأ وتحميل نواب الحاكم وعلى رأسهم منصوري مسؤولية هذا الامر لا اساس له من الدقة، ولا سيما بعد تسجيل كل هذه الزلازل المالية على مدار الحكومات المتعاقبة التي أفقدت الليرة 98 في المئة من قيمتها وذهاب ودائع المودعين وكل ملياراتهم حيث لم يعد ينفع هنا تحميل الشيعة مسؤولية أي انتكاسة مالية جديدة بعد وصول البلد الى البكاء على أطلال كل هذه الخسائر المالية.

وكان منصوري قد رد على سائليه مع عدم ميله الى تقديم استقالته بناء على رأي مرجعيته السياسية، بأنه يلتزم نص قانون النقد والتسليف ولن يتخلى عن الواجبات المطلوبة منه.

Leave A Reply