لبنان أمام خيارات العودة الآمنة والعودة الطوعية والمنظّمة للنازحين السوريين

د. علي فاعور – اللواء

لا تبدأ نهاية الأزمة السورية قبل عودة سوريا الى الجامعة العربية، ولا تكتمل عودة سوريا دون عودة اللاجئين إليها.. معادلة ترسم نهاية الأزمة السورية التي بدأت قبل اثنتي عشرة سنة، حتى باتت تمثل أكبر أزمة لاجئين منذ إنشاء المفوضية العليا للاجئين عام 1951.

ففي 19 أيار 2023، انعقدت القمة العربية الـ 32 في جدة بمشاركة سوريا وذلك بعد انقطاع دام أكثر من عشر سنوات، وهذا سيؤدي لاحقاً الى عودة الدول العربية لاستعادة دورها في سوريا، مما سيمهّد الطريق لإيجاد حلول للملفات الشائكة، والتعاون في إطار الجامعة العربية لمواجهة الأزمات المحلية والاقليمية وفي مقدمتها أزمة اللاجئين السوريين، وبخاصة من دول الجوار في لبنان والأردن وتركيا، الى قراهم ومدنهم داخل سوريا.

ثلاثة خيارات لعودة النازحين

يُعتبر الحق في العودة بمثابة مبدأ إنساني له أساس متين في القانون الدولي، وذلك بمجرد أن تختفي أسباب النزوح أو الفرار في بلد المنشأ، ويصبح الوضع آمنًا مرة أخرى للعيش في هذا البلد، كما هي الحال بالنسبة للوضع في سوريا اليوم، وبخاصة بعد عودة سوريا الى الجامعة العربية، بحيث يمكن البدء بتنظيم إعادة اللاجئين إلى بلدهم الأصلي.

وبما أن أزمة اللاجئين في سوريا تعتبر أكبر أزمة لاجئين عرفها العالم، فقد بات على جميع الدول التعاون والمشاركة في إيجاد حلول دائمة لمشاكل اللاجئين، وتسهيل كافة ظروف العودة الى ديارهم.. وبما يضمن حق الفرد في العودة الطوعية الى بلد المنشأ أو الجنسية، كما أن حق العودة هو جزء من مفهوم حقوق الإنسان، ويكفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن «لكل فرد الحق في مغادرة أية دولة ، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده»..

ويتكوّن هذا الحق من إعطاء كل نازح ثلاثة خيارات، تتفاوت بحسب أوضاع البلدان المستقبلة للاجئين، ومقدرة المجتمعات المضيفة على التحمّل والاستيعاب، وتتوزع وفق الآتي:

• الاندماج المحلي في بلد اللجوء:

وذلك حيث يتوفر للاجئين خيار الاندماج المحلي الكامل، وبما يتماشى مع السياسة التي تعتمدها البلدان المضيفة في استقبال المهاجرين وتوطينهم، لإنهاء وضعهم كلاجئين… ودون أن يسقط حقهم في العودة.

• إعادة التوطين في بلد ثالث:

يتوجب على المجتمع الدولي، والبلدان التي تستقبل اللاجئين أن تشارك «بسخاء» في تحمّل الأعباء وقبول إمكانية «إعادة التوطين في بلد ثالث» لمن يرغب في ذلك من اللاجئين، وبحسب مبدأ القانون الدولي حول «تقاسم المسؤولية» بالنسبة لتوزيع اللاجئين… وفي المشاركة لتقديم المساعدة في التوطين الدائم لأولئك الذين يختارون البقاء في المنطقة وكذلك الحصول على حق الإقامة الدائمة والتجنيس.

• العودة الطوعية إلى الوطن:

حق العودة هو مبدأ في القانون الدولي والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين (عام 1951) ، وبما يضمن حق كل فرد في العودة الطوعية، وهو جزء من مفهوم حقوق الإنسان الأوسع ، وهو حرية التنقل ، كما أنه مرتبط بالمفهوم القانوني للجنسية.

صندوق دعم لإعادة اللاجئين والاندماج في سوريا

بعد مضي اثنتي عشرة سنة على بداية الأزمة السورية، والانتشار الواسع للاجئين السوريين في البلدان المجاورة لسوريا، وتزايد أعدادهم في الخارج، فقد بات من الضروري أن يتم تنظيم إعادة اللاجئين من خلال تقديم الدعم والخدمات وتسهيل عملية التنقل، وتحسين إدارة الهجرة وتوفير كافة الاجراءات القانونية لتأمين العودة الآمنة والكريمة، ولا سيّما للاجئين الذين يقيمون في الخارج بشكل غير قانوني، من خلال تقديم الخدمات والدعم المالي، وضمان تطبيق سياسة العودة الإنسانية وإعادة الاندماج الشامل في بلد المنشأ.

وتأتي أهمية توفير الدعم المالي لضمان فعّالية العودة الطوعية وإعادة الاندماج، عبر إنشاء «صندوق دعم اعادة اللاجئين والاندماج للفترة 2023-2030»، بالتنسيق بين دول المنطقة لتعزيز التضامن وتقاسم المسؤوليات ولا سيّما تجاه الدول الأكثر تضرراً من تداعيات الهجرة واللجوء، والتعاون الفعّال مع كافة البلدان التي استقبلت اللاجئين السوريين في الخارج، وهو يهدف إلى زيادة تعزيز القدرات الوطنية في دول المنطقة، وتنظيم إجراءات إدارة الهجرة، فضلاً عن تعزيز التضامن وتقاسم المسؤوليات بين الدول الأعضاء، كجزء من سياسة الهجرة العادلة والفعّالة لمواجهة التحديات المتعلقة بالعودة وإعادة القبول والعمل عن كثب مع دول ثالثة من خلال الشراكات في إعادة اعمار سوريا، وتنسيق حالات الطوارئ وآلية النقل، وهذا ما يتم اعتماده بين دول الاتحاد الأوروبي بالنسبة للاجئين في أوكرانيا.

قواعد الاتحاد الأوروبي لإدارة عودة اللاجئين

على الصعيد العالمي، يتبيّن أنه في كل عام، يُطلب من أكثر من 300 ألف مهاجر مغادرة الاتحاد الأوروبي لأنهم دخلوا أو كانوا يقيمون بشكل غير نظامي، وذلك عبر خطة توجيه العودة للمقيمين بشكل غير قانوني، وفق مبدأ المغادرة الطوعية من خلال وضع قاعدة عامة تنص على أنه ينبغي عادة منح «فترة للمغادرة الطوعية»، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان.

أما الدور الأساسي في تنظيم مختلف حالات إعادة اللاجئين في منطقة البحر المتوسط وأوروبا، فهو لوكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية «فرونتكس»، لضمان الحدود الخارجية الآمنة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبلدان المنتسبة إلى «شنغن»، فهي تتولى الدعم في جميع مراحل عملية العودة، بما في ذلك، إدارة عمليات العودة المشتركة ، والحصول على وثائق السفر، ودعم العودة الطوعية والمساعدة في إعادة الإدماج للعائدين في بلد المنشأ. ولا سيّما توفير الدعم المالي في إطار «صندوق اللجوء والهجرة والاندماج».. وفق سياسة الهجرة العادلة والفعّالة، وبالتنسيق مع المفوّضية في متابعة مهمة لميثاق الهجرة واللجوء.

السياسات المتعلقة باللاجئين في لبنان

بينما تعمل كافة الدول على تنظيم إدارة اللجوء والهجرة عبر تطوير السياسات المتعلقة بالمهاجرين، فان أحد أكثر الأسئلة المحرجة عن السياسة السكانية في لبنان، هو كيفية التعامل مع أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون حالياً على الأراضي اللبنانية، حيث يعتبر لبنان أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم بالنسبة لعدد السكان ومساحة الأرض، بينما لا تملك الدولة بيانات مفصّلة تتضمن أعداد اللاجئين والمقيمين من غير اللبنانيين وتوزيعاتهم بحسب الجنسية، وبخاصة من الذين يعيشون بشكل غير قانوني، وأكثرهم من النازحين السوريين، من المسجلين لدى المفوضية، ومعظمهم من المهاجرين الاقتصاديين للبحث عن عمل.. بينما بحسب القوانين اللبنانية يجب تحديد هوية كافة المهاجرين الذين يعيشون في لبنان بشكل غير قانوني واتخاذ الاجراءات المناسبة بشأنهم.. وذلك وفقاً لمضمون قرار مجلس الوزراء عام 2014 المتعلق بورقة سياسة النزوح السوري الى لبنان، مع التأكيد على ان الاجراءات المتخذة لإعادة النازحين تتم وفق قرار المجلس الأعلى للدفاع عام 2019.

بدأت الحكومة اللبنانية بتطبيق سياسة العودة الطوعية للنازحين السوريين إلى سوريا، وذلك وفق خطة العودة التي بدأت عام 2019، وبمشاركة المفوضية، وشملت عودة آلاف السوريين النازحين. وقد تم تنسيق خطة العودة مع السلطات السورية لجهة الموافقة على أسماء العائدين ممن لا توجد لديهم ملفات أمنية، لحمايتهم من الاعادة القسرية.. وفي عام 2014 قرّر مجلس الوزراء الموافقة على ورقة سياسة النزوح السوري، وقد تضمنت الخطة:

• «وقف النزوح على الحدود باستثناء الحالات الإنسانية الاستثنائية، وتسجيل الداخلين وفق أسباب دخولهم للتأكد من تطبيق هذا الإجراء، وكذلك الطلب من مفوضية شؤون اللاجئين الالتزام بوقف تسجيل النازحين، إلّا بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية.

• تشجيع النازحين السوريين على العودة الى بلادهم أو الى بلدان أخرى بكل الوسائل الممكنة، وكذلك نزع صفة «النازح» عن كل من يذهب الى سوريا، وكل من يخالف القوانين اللبنانية.

• تكليف البلديات إجراء مسح إحصائي دوري للنازحين في إطارها الجغرافي وتوفيرها العناصر الضرورية للشرطة البلدية لحفظ الأمن».

وفي العام 2015، وبناءً لطلب من الحكومة اللبنانية، توقفت المفوضية من تسجيل أسماء جديدة لسوريين نازحين، حيث بلغ عددهم بحسب آخر بيانات للمفوضية، حوالي 795.322 نازحا (186.585 أسرة) حتى تاريخ 30 حزيران 2023. لكن وبحسب ما كشفه المدير العام للأمن العام (تموز 2023)، فقد «استمرت المفوضية بتسجيل اسماء جديدة من العام 2015 حتى اليوم على سجلات موازية بحجة توزيع بعض المساعدات عليهم، وقد وصل العدد الإضافي الى حوالي 700 ألف اسم».. وتشير تقديرات الأمن العام الى أن عدد النازحين يزيد على مليوني نازح.

مذكرة تفاهم مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2003

ومع تزايد أعداد اللاجئين العراقيين الوافدين الى لبنان عام 2003، فقد أبرمت مذكرة تفاهم (بتاريخ 9/9/2003) بين المديرية العامة للأمن العام والمكتب الاقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول التعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوضية في لبنان، تضمنت تمسّك لبنان بحقوقه وبما لا يتعارض مع الدستور اللبناني الذي ينصّ على أنّ لبنان ليس بلد لجوء، بل مجرد بلد عبور لأولئك الذين يسعون للحصول على اللجوء في دول ثالثة. كما تضمنت الاتفاقية السعي لإيجاد حلول إنسانية مؤقتة لمشاكل الداخلين والمقيمين غير الشرعيين في لبنان الذين يطلبون وضع اللجوء في مكتب الأمم المتحدة، بانتظار إعادة توطينهم في بلد ثالث أو إعادتهم إلى موطنهم الأصلي. كما تضمنت الاتفاقية التأكيد، أنه:

«وحيث أن لبنان لم ينضم إلى الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين التي أقرّت في جنيف بتاريخ 28 تموز 1951 والبروتوكول الملحق الصادر بتاريخ 31 كانون الثاني 1967..

وبما أن لبنان يرى أنه غير مهيّأ ليكون بلد لجوء بالنظر لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية بالإضافة إلى وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أرضه, وحيث أن لبنان ليس بلد لجوء, وان الحل المناسب هو في إعادة توطين اللاجئين المعترف بهم من قبل مكتب المفوضية في بلد آخر»، لكن وحتى بداية النزوح السوري عام 2011، لم يتم اجراء أي تعديل أو تحديث لمذكرة التفاهم، حيث استمرت المفوضية بإصدار بطاقات التسجيل.

مخاوف التغيير الديموغرافي

وبينما اعتمدت الحكومة اللبنانية سياسة الحدود المفتوحة منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، مما أدّى الى تزايد أعداد السوريين الوافدين من كافة المناطق في سوريا، ونتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والتوترات القائمة مع المجتمعات المضيفة وبخاصة نتيجة ارتفاع مستوى البطالة والتنافس في سوق العمل، ولا سيّما نقص الموارد لعدم القدرة على تلبية الحاجات المتزايدة مما أدّى الى انقطاع المياه، والكهرباء، وتراكم النفايات بين السكان وتلوّث مجاري الأنهار والصرف الصحي.. خصوصا في الأماكن المكتظة بالسكان، فقد بدأت تتزايد الاحتجاجات المعارضة لبقاء النازحين.

وبرغم تعدد المواقف والانقسامات السياسية والحزبية حول التعامل في ملف النازحين، يتبيّن أنه بعد مرور 12 سنة، فقد بدأت تتوحّد المواقف المطالبة بعودة النازحين مقارنة بعام 2014 مثلاً، وذلك برغم التباين بحسب الانتماء الحزبي أو الانتماء الديني بين اللبنانيين، بل وعلى النقيض من ذلك، فقد تغيّرت المعادلة وبات هناك توافق بين مختلف الأحزاب، وكذلك بالنسبة للمواطنين من مختلف الانتماءات الدينية، من الذين أصبحوا أكثر دعماً لفكرة «ترحيل» جميع النازحين الذين يعيشون في لبنان بشكل غير قانوني، وإقفال معابر التهريب للحد من تدفق المهاجرين الاقتصاديين.

لقد بدأت الأكثرية تتحدث عن التغيير الديموغرافي القادم، وذلك مع تكاثر أعداد النازحين من الذين باتت أعدادهم تفوق عدد اللبنانيين في العديد من المناطق الكثيفة السكان.

وبينما يعجز لبنان عن توفير الموارد لإعالة الاطفال والمسنين، حتى توقف البعض عن تسجيل أبنائهم في المدارس، تُقدم المفوضية والمنظمات الدولية كافة أشكال الدعم للنازحين في التعليم والصحة والسكن، ورعاية الاطفال حيث بدأت تتكاثر الولادات، وبما يفوق بأضعاف عدد اللبنانيين، مما سيؤدي الى تغيير ديموغرافي واسع خلال السنوات القليلة القادمة.

Leave A Reply