الدولة والبطاقة التمويلية: موت الاقتصاد وتجويع الناس بصمت

 

كتب خضر حسان – المدن : تتفكَّك بسرعةٍ أحجار الدومينو المؤلِّفة للمشهد الاقتصادي والاجتماعي. والدولة إزاء ذلك، لم تُظهِر شفقةً على مواطنيها، ولم يعمَد ساستها إلى حَبْكِ مخارج مناسبة كما عادتهم في حبك الأزمات والأسباب المؤدّية إليها. والإصرار على ترقيع الحلول مع تنامي معدّل الأزمات، وتهديد البلاد بالشلل التام وبالفوضى الاقتصادية، وما ينتج عنها من فوضى اجتماعية، أفرَزَ قرارات مبتورة ذات صبغة شعبوية، لكنّها غير فعّالة. وعلى رأس الحلول، ذلك الاقتراح المتمثّل بالبطاقة التمويلية.

إعلان الاستسلام

كان الاعتراف بسقوط الدعم عن استيراد الدواء، أولى علامات الاعتراف بالاستسلام. وما السعي للبحث عن أطر لعدم فك الارتباط فجائياً بين الدولة وقطاع الدواء، من خلال طرح وسائل لترشيد دعمه، من دون الاقتراب من القمح والمحروقات، في محاولة للايحاء بأن استيراد القمح والمحروقات بمأمَن.

لم يدم تجاهل عمق الأزمة وحتمية الوصول إلى رفع الدعم بشكل كامل. إذ بدأت الدولة ببحث غمكانية رفع الدعم أو ترشيده لاستيراد القمح والمحروقات، فتحوَّلَت أنظار اللبنانيين من تحمُّل تبعات ارتفاع أسعار الأدوية وفقدان بعضها، إلى تحمُّل ارتفاع أسعار المحروقات والخبز وما يترافق مع الارتفاع من اضطرار للوقوف في الطوابير.

الأزمة الثلاثية وجدت مشروع حلِّها من خلال إعطاء الدولة مساعدة مباشِرة لكل مواطن راشد، قيمتها 50 دولاراً، و25 دولاراً لكل طفل. وبهذا المشروع تنتقل الدولة إلى الدعم المباشر لمن يحتاج الدعم، وفي ذلك تأكيد على عشوائية الدعم المعمول به حالياً.

استسلمت الدولة واقرَّت بفشلها بشكل غير مباشر. لكنّها تتّجه نحو فشل آخر، يتمثّل بعدم فعالية مشروع البطاقة التمويلية على المدى البعيد.

استنزاف إضافي للدولار

المؤكَّد هو حاجة غالبية اللبنانيين إلى الدعم والمساعدة، ولا فرق في الشكل مبدئياً، طالما أنّ الحاجة واحدة. لكن يصبح الشكل مفيداً ومحورياً إذا أسهَمَ في تأجيج الأزمة، لا حلّها. فأي شكل للدعم، إنما هو قائم على استنزاف الدولارات الموجودة في مصرف لبنان والمصارف، في حين يتكفَّل التضخّم في امتصاص السيولة الموجودة لدى الناس. وعليه، إذا ما جرى تحويل شكل الدعم ممّا هو عليه اليوم، إلى الدعم المالي المباشر، فإن الـ50 دولاراً لن تتمكَّن من سد قيمة المواد المطلوب شراؤها، خاصة الدواء والخبز والمحروقات.

في الوقت عينه، إقرار قانون الكابيتال كونترول يعطي جرعة أمل للمصارف ويقضي على ثقب التنفُّس للمودعين، كما أنّه يقيّد الاستيراد بفعل اضطرار المستوردين إلى البحث عن الدولارات في السوق السوداء، ما يعني حكماً، رفع أسعار الدولار مقابل الليرة، وبالتوازي، ارتفاع أسعار السلع وتبخُّر قدرة الـ50 دولار على الإعالة.

التعلّق بالبنك الدولي

ترفع الدولة يدها وتقول بأنّها ليست مسؤولة عمّا سيحصل قريباً. ستعطي مبلغاً من المال لمواطنيها، وتتركهم لمصيرهم في مواجهة أسعار السوق ومحتكريه، وتحيل معالجة التداعيات المقبلة إلى الجهات الدولية، وفي مقدّمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي هذه الإحالة، جرأة تبلغ حدَّ الوقاحة وتجاهل الواقع. فالبنك الدولي أعلنَ صراحة انّه لن يساعد لبنان من دون إصلاحات. والموقف عينه أبلَغَه صندوق النقد إلى أركان الدولة التي استسهلت التخلّص من عملية التدقيق الجنائي، التي تُعتَبَر المدخل الرئيس للإصلاحات. وعلى هذا المنوال، يصبح تعلُّق وزير الاقتصاد راوول نعمة بقشّة البنك الدولي بعد عملية الدعم المالي للأفراد، لا يُجدي.

أمام إقرار الدولة بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة تفلّت الأسعار، وغياب الدعم عن السلع الغذائية، فضلاً عن زيادة الطلب على الدولار في السوق وانخفاض إضافي في قيمة الليرة، فإن حالات الفقر والبطالة ستزداد. لكن الأهم، هو الخوف من حالات الانفلات الأمني المترافق مع الحاجة المتزايدة للمال والخبز، وهو ما لم تبحثه السلطة السياسية، ولن تمنعه المساعدات المالية المرشّحة للتوقّف بفعل ضغط الأسعار ونضوب الدولارات المخصصة للدعم.

تُرِكَ المواطنون من دون حماية، ولن يسمع أحد أصواتهم بعد استخفاف الدولة بمطالب المجتمع الدولي بالاصلاح، واستهتارها بمستحقات حاملي سندات اليوروبوند حين علّقت الدفع. وحالياً، إنَّ الاتجاه نحو رفع الدعم والاستعاضة عنه بمساعدات مالية، يعني أنّ البلاد باتت محاصرة بقرار داخلي، وناسها يجوعون بصمت.

Leave A Reply