استمرار استنزاف مخزون المصارف اللبنانية يعرض الودائع للذوبان

جوزف فرح – الدبار

اذا استمر استنزاف قدرات ومخزون المصارف اللبنانية منذ سنوات فعلى الودائع المحجوزة لديها السلام

والارقام التي اصدرتها جمعية المصارف حول واقع القطاع المصرفي دلت إلى أن “ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بالليرة والعملات تراجعت من 117 مليار و642 مليون دولار بحسب بسعر الصّرف الرّسمي في 31/1/2020، إلى 84 مليار و726 مليون دولار بحسب سعر الصّرف الرّسمي في 30/4/2023”.

هذا على الورق ولكن لا مصرف لبنان يمتلك هذه الاموال للمصارف ولا المصارف تختزن في خزائنها هذا الرقم وهذا ما يسمى اليوم بالفجوة المالية في مصرف لبنان وبتعبير ادق فأن الودائع لم يبق منها الا القليل ،اذ ذهبت اولا على التسليفات التي كان يعطيها مصرف لبنان للدولة اللبنانية وبالعملة الصعبة بعد ان وافق المجلس النيابي على السماح للحكومات المتعاقبة باقراض الدولة بالعملة الصعبة رغم انها عاجزة عن تسديدها بعلم المصارف والمودعين وبالتالي فأن الجميع مشارك في هذه الجريمة الموصوفة حيث تبخرت الودائع دون اي امل لغاية الان في استرجاعها لأن مصرف لبنان كان يعرض في غالب الأوقات فوائد عالية، وتحديداً على هندساته المالية. كانت المصارف تغامر في أموال الناس لكسب الفوائد العالية ولتحقيق أرباح أعلى من تلك التي يمكن أن تحققها في ظروف عادية.

والاموال التي كانت الحكومات تستقرضها ذهبت انفاقا غير مدروس ولعجز مؤسسة كهرباء لبنان وتثبيت سعر صرف الدولار “والحشو الزائد “في عدد الموظفين في القطاع العام وتطبيق سياسة الهدر التي مارستها هذه الحكومات بدليل ان البنى التحتية التي صرفت عليها الاموال الطائلة تكشفت عن ترهلها وعدم صلاحيتها وعلى سياسة الدعم التي كانت تطبقها كل الحكومات منذ اوائل التسعينات وحتى الان رغم انها اموال المودعين ومن المفروض ان يحافظ عليها مصرف لبنان لا ان يبددها دون حسيب او رقيب .

ولا بد من التذكير ان ممارسة الهيركات وتعاميم مصرف لبنان قضمت الكثير من الودائع حتى ان مصرف لبنان ما زال يعتبر ان السعر الرسمي للدولار هو ١٥الف ليرة بينما السعر في السوق الموازية هو ٩٣الف ليرة وهذا يعني المزيد من الخسائر التي بتعرض لها المودع الذي يضطر الى سحب امواله على السعر الرسمي ولم يقدم مصرف لبنان على تغيير هذا الرقم الضئيل رغم المطالبات المتكررة برفعه الى ٣٥الف ليرة او ٤٠الف ليرة .

كما ان هناك ٦مليارات دولار هربت الى الخارج ذهبت من ودائع المودعين وبالتالي لم يعرف حتى الان في كيفية استردادها في الوقت الذي تمارس المصارف تقنينا ماليا على اصحاب الودائع وهيركاتا منظما .

وعلى الرغم من عدم تمكن المجلس النيابي من اقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول فان الحكومة سارعت الى اتخاذ قراربتاريخ 18-4-2023 وقضى بطلب مجلس الوزراء من المصرف المركزي، اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة، لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحباً او تحويلاً)، وفقاً للتعاميم ذات الصلة وإلّا التعامل بشكل يساوي في ما بينهم، وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى، أو على اي إلتزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه او مصدره، والإستمرار بمنح عملائها حرية التصرف بالأموال الجديدة.

أما تعميم مصرف لبنان المقصود، فهو التعميم رقم 165 الصادر بتاريخ 19 نيسان 2023 ويتعلق بعمليات التسوية الإلكترونية العائدة لـ”الأموال النقدية”. دخل التعميم حيز التنفيذ في شهر حزيران الحالي ويُسمح بموجبه بتسوية الشيكات المصرفية وإجراء المعاملات النقدية عبر مصرف لبنان من دون الحاجة الى المرور بالمصارف الاجنبية المراسلة.

وقد اصدرت الحكومة هذا القرار بعد نجاح المودعين من سحب ودائعهم عبر الدعاوى في الخارج او الاقتحامات التي كانت تتم من قبل صغار المودعين

ويأتي قرار الحكومة الذي لم يوضع موضع التنفيذ بعد ان تمكن عدد من المودعين الكبار من ربح الدعاوى التي اقاموها في الخارج وقلص ما تبقى من ودائع.

هذا في الوقت الذي ابدى فيه نائب رئيس مجلس حكومة تصريف الاعمال سعاده الشامي خشيته من عدم التمكن من اعادة الودائع دون المئة الف دولار اذا استمر هذا النزف في مخزون القطاع المصرفي اللبناني وفي الوقت الذي لم تتمكن الحكومة من اطلاق خطة تتعلق بمصير الودائع.

وقد اعلن امين عام جمعية المصارف الدكتور فادي خلف عن انه خلال ثلاثة وأربعين شهراً، فقد خلالها المودعون واحدا وخمسين مليار دولار من ودائعهم وما زالت الدولة تناقش مشاريع، ثم تسحب بعضها وتعيد صياغة أخرى وإذا ما أقرّت بعض القوانين تبلغت عدم رضى صندوق النقد عنها.

ويضيف خلف : تبقى المصارف مع مودعيها في انتظار تواريخ واهية، فتسمعهم يقولون؛ في آخر الربيع، بعد استحقاق الحاكمية، وبعد انتخاب رئيس، وقد كُتب على اللبنانيين انتظار “غودو” إلى أن يجد لنا الآخرون الحلول. لقد آن الأوان لمعالجة الأسباب تزامناً مع النتائج، بحيث تترافق إعادة هيكلة القطاع المصرفي مع تطهير الدولة من الفساد والمحسوبيات على كافة المستويات، لِتَكُفّ الحكومات المتعاقبة عن تبديد ما تبقى من أموال المودعين وإلا فالمعالجات ستبقى تراوح مكانها، ليصحّ فيها قول المثل: “فالج ما تعالج”.

ومن له اذان صاغية فليسمع.

Leave A Reply