التوتر الأمني مفتاح الخروج من المأزق… أو سلاح التفجير؟

هيام القصيفي- الاخبار:

خبر لبنان منذ خمسٍ وأربعين سنة معنى الوصول الى المأزق تلو الآخر. على مدى سنوات الحرب والسلم، كان الانفراج الحقيقي لأيّ أزمة حادة يأتي في أعقاب حدث سياسي أو أمني مفصلي، يعيد الجميع الى طاولة حوار أو وقف النار العسكرية بما يسمح بترتيب داخلي وإقليمي والذهاب الى تسويات مرحلية، في انتظار استحقاق جديد. بعد سنة وشهرين من بدء مرحلة الانهيار، يقف لبنان اليوم أمام أزمة خانقة على المستوى السياسي والاقتصادي، وزادها تعقيداً انفجار المرفأ، وتكتمل بمهزلة مفاوضات التأليف التي أثبتت في الساعات الأخيرة عقمها، لتأتي معلومات أمنية استخبارية غربية وإقليمية في الساعات الأخيرة تتحدث عن مخاوف من احتمالات أمنية تسمح طوعاً أو افتعالاً بإحداث خرق في الجمود الحالي. في استعادة لتسوية الدوحة التي أعقبت 7 أيار 2008، فإن إخراج الأزمة من عنق الزجاجة يومها، جاء على وقع أحداث بيروت والجبل. اليوم، تختلف الأسباب السياسية، ولا سيما لجهة موقع حزب الله في المعادلة السياسية في شكل مغاير محلياً وإقليمياً عما كان عليه حينها. لكن تدحرج الأحداث منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وإعادة تكليفه بعد استقالة الرئيس حسان دياب وتكليف السفير مصطفى أديب واعتذاره، والمراوحة في مفاوضات التأليف على وقع الانهيار الاجتماعي، لم يعد لجمه ممكناً سوى بإحداث خرق ما. في معلومات هذه التقارير، أن التدهور الاجتماعي والفقر المتزايد، يشكّلان الأرضية الصالحة التي يمكن أن يبني عليها أي طرف محلي أو خارجي، لإحداث خضّة أمنية، وخصوصاً أن المئة دولار اليوم، وفق التقارير، قادرة على اجتذاب عناصر فتنة أكثر مما كان عليه الأمر في مراحل سابقة استخدم فيها سلاح الفتن المتنقلة. وتشير الى أن احتمالات اندلاع توترات تلقائية بفعل عامل «المجاعة» في أعقاب الانهيار الاقتصادي والمالي، تقارب احتمالات استخدام أطراف ما لهذه العوامل وتغذيتها والإفادة منها لزيادة منسوبها تدريجاً، بما يسرع من عوامل الخضّات الأمنية وتوسعها في مناطق مختلفة. وكل طرف يمكن أن يجيّر هذه الاحتمالات لحسابه الخاص، ولمصلحة أجندات سياسية مختلفة محلية وإقليمية.

وفيما الغاية من التحذير الأمني لا تصبّ في خانة التهويل الأمني، فإنّ في المقابل ثمة إشارات إلى ضرورة التعاطي معها وفق السيناريوين المطروحين. لأنّ زجّ القوى الأمنية من جيش وقوى أمن لمواجهة أي تحركات وتظاهرات اجتماعية ومطلبية تتحول بطريقة عفوية الى توترات، أمر يختلف عن زجها في أي حدث أمني مفتعل، بما يمكن أن ينسحب على انقسامات وتجاذبات داخلية بين مرجعياتها. وهذا لا يصب في نهاية المطاف في مصلحة أي مرجعية سياسية أو الدولة اللبنانية ككل. وكذلك فإن الأسئلة المطروحة حول الغاية من افتعال أحداث تخلّ بالأمن، لا تزال ضبابية وسط الخشية من انفلات الوضع الى ما يشبه الانفجار، ما يفترض التحسّب له بجدية، أو إحداث خرق في جدار الأزمة كما كانت الحال في بعض المحطات، للوصول الى تسوية سياسية. وهنا تكمن أهمية موقف حزب الله تحديداً مما قد يحدث ميدانياً، علماً بأنه لا يزال متمسكاً بالحريري رئيساً مكلفاً، كي يبقى نقطة تقاطع أساسية مع أي من رعاة التسوية الإقليميين والدوليين كما جرت العادة.

لكن حتى الساعة، لا تزال العواصم الإقليمية والدولية التي كانت عادة تتحرك لإطفاء الحريق اللبناني، والعمل على تسويات، منقسمة حالياً تجاه رؤيتها للبنان. فبين الاختلاف الأوروبي مع فرنسا، والابتعاد العربي والخليجي عن لبنان، وسط ضبابية أميركية تراوح بين التشدد والتخلي في آن معاً، يصبح لأي خلل أمني تبعات سودواية. من هنا، يترافق التحذير الأمني مع أسئلة حول مدى استيعاب القوى السياسية خطورة الوضع، فيما تستمر المراوحة والتمهل في الدخول جدياً في مفاوضات سياسية ومالية واقتصادية مع الداخل والخارج، لمنع الانزلاق نحو مستقبل غير مضمون. فما رشح في مفاوضات الساعات الأخيرة عكس النفور بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الذي حاول رفع التهمة عنه بعرقلة التأليف وإلصاقها برئيس الجمهورية، مع علمه المسبق بأن الأخير لا يمكن أن يقبل بما حمله إليه من تشكيلة. كذلك يتصرف رئيس الجمهورية وفريقه وكأن لا حالة طوارئ تحتّم تأليف حكومة بأسرع وقت، ما يعزز موقف العواصم التي تبدي ملاحظات سلبية على أداء القوى السياسية، ويرخي بظله أيضاً على الدوائر الفرنسية الداخلية التي تهتم بلبنان. وتنقل جهات على اطلاع على مواقفها ارتفاع حدّة استيائها من أداء القوى السياسية حيال تحركها تجاه لبنان، بما ترك أثراً على علاقاتها الخليجية والأوروبية، وبما سينعكس على برنامج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وتقترح تلك الجهات الفرنسية على ماكرون تخصيص زيارته لتفقد القوات الفرنسية العاملة في إطار القوات الدولية، وصولاً إلى عدم زيارة قصر بعبدا، أو الاكتفاء بأقل قدر ممكن من البروتوكول!

Leave A Reply