علماء بريطانيون: “جائحة أخرى قادمة ونحن غير مستعدين لها”

في ظل المخاوف التي يثيرها تفشي متحورة “كوفيد” الجديدة في الهند، أكد علماء بارزون أن المملكة المتحدة ليست في جهوزية أفضل مما كانت عليه في عام 2020

رأى خبراء بريطانيون في علم الفيروسات، أن المملكة المتحدة ليست مستعدة لمواجهة وباء عالمي مقبل بسبب تداعي الخدمات العامة في البلاد، وإلغاء التمويل الحكومي لأبحاث علمية حيوية.

فقد نبه علماء بارزون – بعد أكثر من ثلاثة أعوام من تفشي فيروس “كورونا” في العالم – إلى أن استعدادات المملكة المتحدة ليست بأفضل حال مما كانت عليه في عام 2020، لمواجهة وباء جديد محتمل.

ويعتبرون أن وباءً آخر بدرجة خطورة “كوفيد-19” هو أمر لا مفر منه، إلا أن وقف الاستثمار في خدمات مراقبة العدوى، وتفكيك البنية التحتية الرئيسة، والوضع المتدهور الذي تعانيه “الخدمات الصحية الوطنية” (أن أتش أس) NHS، جميعها عوامل تعني أن البلاد في موقف هش، من شأنه أن يجعلها “تفقد القدرة على السيطرة” على زمام الأمور.

هذا التحذير يأتي في وقت أوضح فيه علماء الفيروسات لـ”اندبندنت”، أن المتحورة الأخيرة لـ”كوفيد-19″، تتسبب في ارتفاع حالات الإصابة الجديدة بالعدوى إلى نحو 10 آلاف يومياً في الهند، مما ينذر باحتمال تحول هذه الطفرة لتصبح أكثر عدوانية، وأن تكون السلالة المهيمنة في المملكة المتحدة.

ويشار إلى أنه جرى لأول مرة تحديد المتحورة الجديدة – التي تعرف باسم “أركتوروس” Arcturus – في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، في 22 دولة، في بما فيها المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد حدا هذا التطور بالهند إلى معاودة إنتاج اللقاحات المضادة للفيروس.

“هدف سهل”

السير جون بيل الاختصاصي البارز في علم المناعة، والعضو في فريق عمل لقاح “كوفيد” في المملكة المتحدة أثناء فترة تفشي الوباء، حذر من “المبالغة في تبسيط أثر عدوى “كوفيد-19″، واعتبارها مجرد “أزمة تحدث مرة واحدة فقط في كل جيل”.

وكتب في “اندبندنت” منبهاً إلى أن المسألة باتت تتمحور حول “الوقت الذي ستقع فيه جائحة أخرى، وليس فيما إذا كانت ستقع أم لا”، معتبراً أن البلاد تحتاج إلى تبني نهج “مستدام”، يشمل بناء نظام رعاية صحية أكثر مرونة، وإجراء مراقبة أفضل، وتحديد التهديدات المستقبلية”.

ورأى أنه “على رغم كل ما تعلمناه فإننا لسنا مستعدين لمواجهة جائحة مقبلة، يمكن أن تكون أكثر تدميراً من الوباء السابق. ويتعين أن نكون في حال استعداد دائم لأزمة صحية كبيرة مقبلة. وفي حال لم نتحرك الآن، فإن أحداً لن يغفر لنا”.

ولفت إلى نظام النمذجة العلمي المعتمد في تحليل الأوبئة، والذي يشير إلى أن هناك احتمالاً بنسبة 38 في المئة لحدوث وباء آخر خلال حياتنا، الأمر الذي من شأنه “أن يتسبب في أضرار أوسع نطاقاً”.

البروفيسورة تيريزا لامب وهي من الباحثين الرئيسين الذين يقودون برنامج لقاحات “أكسفورد – أسترازينيكا” Oxford-AstraZeneca، اعتبرت هي أيضاً أن المملكة المتحدة فشلت في استخلاص الكثير من “العبر التي تم اكتسابها بشق الأنفس” من تجربة “كوفيد”. ونبهت إلى أن الناس سيكونون “هدفاً سهلاً” في مواجهة جائحة جديدة، إذا لم تبذل الحكومة جهوداً أخرى في مجال الاستثمار في الاستعدادات لمواجهة العدوى.

وسلطت الضوء على قرار الحكومة “حل” أنظمة التتبع – بما فيها مسح “كوفيد” الرائد ذو “المستوى الذهبي”، وهو آخر نظام متبق يستخدم لرصد العدوى – مما يدل على أن البلاد لن تكون في جهوزية تامة لمواجهة وباء آخر.

وكتبت البروفيسورة لامب في “اندبندنت” تقول، إن أنظمة المراقبة هذه تعد “حاسمة” في إطار تحديد المتغيرات الجديدة، وتتبع أرقام حالات الإصابة، ومساعدة المملكة المتحدة على معالجة أي انتشار للفيروسات. وأضافت، “لقد تعلمنا مراراً أننا بحاجة إلى تتبع هذا الفيروس بعناية، لمعرفة ما إذا كانت التوصيات الراهنة المتعلقة باللقاح كافية”.

واعتبرت أنه “ما لم يتم بذل مزيد من الجهود للعمل معاً والاستثمار في الاستعدادات لمواجهة الأوبئة، فإننا سنكون هدفاً سهلاً للفيروس المقبل”.

“ما من شيء تغير”

تحدث بعض الخبراء أيضاً عن مشكلة تعليق العمل بمختبرات اختبار عدوى “كوفيد”، والتخطيط لبيع مختبر أبحاث وتصنيع اللقاحات في المملكة المتحدة في المستقبل – وهو “مركز المملكة المتحدة لابتكار اللقاحات وتصنيعها” UK Vaccine Manufacturing and Innovation Centre – حتى قبل افتتاحه.

يضاف إلى ذلك أنه بعد نحو عام من التحديات التي تمثلت في مواجهة البلاد فترات انتظار قياسية لدخول المرضى إلى أقسام “الحوادث والطوارئ” A&E، وتأخيرات في خدمة سيارات الإسعاف، وتزايد أرقام قوائم انتظار المرضى، تسود مخاوف من أن مرافق “أن أتش أس” هي الآن في وضع أسوأ للتصدي للوباء، مما كانت عليه عندما عصف “كوفيد” بالبلاد قبل ثلاثة أعوام.

السير ديفيد كينغ الذي كان سابقاً كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية – والذي قاد بحثاً في عام 2006 تنبأ فيه بشكل كبير بإمكان تفشي وباء “كوفيد” – توقع أن يشهد العالم انتشار فيروس آخر بدرجة الخطورة نفسها خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة.

وأضاف لـ”اندبندنت”: “ما زلنا في الوضع نفسه الذي كنا عليه في عام 2020. ولم يتغير شيء… إذا لم نقل إنه قد بات أسوأ”.

ورأى السير ديفيد أن الحكومة فشلت في الاستثمار في مرافق “الخدمات الصحية الوطنية”، وأنه “لا شك” في أنها الآن “في وضع أسوأ مما كانت عليه قبل نحو ثلاثة أعوام”.

ونبه المستشار السابق للحكومة إلى أنه من خلال الإخفاق في تمويل الخدمات الصحية أو تعزيز مناعة بريطانيا في التصدي لوباء آخر، فإن الحكومة “لا تعد العدة للمستقبل”.

وأضاف “هذا ما أثبتته الجائحة في عام 2020، فقد تخلينا عن جميع العمليات التي كان بإمكانها احتواء الوباء. ولا أرى في الوقت الراهن أي مؤشرات تدل على أي اتجاه آخر معاكس لذلك”.

وقال: “إذا بقينا في حال من الترقب لظهور موجة جديدة من الوباء – كما يبدو عليه حال الحكومة في الوقت الراهن – فإن الوقت سيكون متأخراً. كذلك، إذا ما انتظرنا حتى يتم تطوير لقاح جديد لأي مرض ممكن، فسيستغرق الأمر أشهراً طويلة قبل أن نحصل عليه. لا يمكننا الاعتماد على هذا النهج، إذ سنشهد إصابات متزايدة بالفيروس قد تخرج عن نطاق السيطرة مرة أخرى، مما قد يؤدي إلى حال من الإرباك التام في المستشفيات نتيجة تفشي الوباء”.

فقدان السيطرة

البروفيسور بيتر هوربي الذي يقود تجربة “التعافي من كوفيد” Covid Recovery الرائدة، رئيس “معهد علوم الأوبئة” Pandemic Sciences Institute، حذر من عدم جهوزية المملكة المتحدة إذا ما تعرضت لجائحة جديدة في السنوات المقبلة.

وتخوف الأستاذ في “جامعة أكسفورد” من أنه، على رغم دعم الحكومة الأبحاث العلمية خلال فترة تفشي “كوفيد”، فإن سحب الاستثمار منذ ذلك الحين يعني أن البلاد ستصبح الآن في موقف ضعيف يجعلها “تفقد السيطرة” على الأمور. وزعم أن الباحثين العاملين على تجربة “التعافي من ’كوفيد ’” التي تم إطلاقها في عام 2020، وتمكنت من تحديد أربعة علاجات للمرض، بات عليهم أن يعتمدوا على أموال خيرية نتيجة عدم توافر دعم مالي مستدام.

وأشار إلى أنه “فيما اتخذت الحكومة بعض القرارات الاستراتيجية الفعالة [في إطار استجابتها للوباء]، إلا أنني أصبت بخيبة أمل منذ ذلك الحين”.

وبحسب البروفيسور هوربي، فإن “بعض المبادرات البارزة في المملكة المتحدة في معالجة الوباء، فقدت تمويلها وتوقفت، بما فيها “مسح عدوى “كوفيد” (رصد لانتشار العدوى عبر إجراء اختيار عشوائي للأسر واختبار أفرادها) الذي أجراه “المكتب الوطني للإحصاء” Office for National Statistics (ONS)، و”كونسورتيوم المادة الوراثية لعدوى كوفيد-19″ Covid Geonomics Consortium (مجموعة تعمل على درس المادة الوراثية للفيروس)، و”تجربة التعافي من ’كوفيد ’” Recovery Trial Covid (تجربة سريرية واسعة النطاق أطلقت في عام 2020 بقيادة فريق من الباحثين من “جامعة أكسفورد”)، إضافة إلى تعليق العمل في بعض المرافق المختبرية لفيروس “كوفيد”.

واعتبر أن “(الحكومة) كانت تفكك النجاحات، بدلاً من البناء عليها. وأرى أن ذلك يشكل خطراً داهماً بالنسبة إلى المستقبل”.

وختم بالقول، “قد نعود إلى الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه في عام 2020، بحيث قد نضطر إلى مواجهة تهديد جديد، في ظل عدم توافر وسائل التشخيص، أو الأدوية أو اللقاحات، أو إمكانات المراقبة التي نرغب فيها”.

يشار أخيراً إلى أن “اندبندنت” اتصلت بوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية للتعليق على ما تقدم.

© The Independent

Leave A Reply