تزويد لبنان بالكهرباء عبر الأردن.. لماذا يؤجل البنك الدولي المشروع رغم أزمة بيروت الاقتصادية؟

مع تنامي أزمة الطاقة بجانب الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان، أعلن الأردن اعتزامه تزويد لبنان بـ100 ميغاواط من الكهرباء عبر سوريا، فور أخذ بيروت جميع الموافقات اللازمة من البنك الدولي.

وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اللبناني، عبد الله بوحبيب، أمس الثلاثاء، إن بلاده ستستمر بالوقوف إلى جانب لبنان لتجاوز أزمته.

ومطلع العام الماضي، وقّع لبنان مع الأردن على اتفاقين لتزويده بالكهرباء عبر الأراضي السورية، في ظل تفاقم أزمة الطاقة في البلاد، على خلفية شح الوقود الناجم عن الانهيار المالي.

وطرح البعض تساؤلات عن تأخير موافقة البنك الدولي على صفقة الكهرباء والغاز من الأردن ومصر لإنقاذ لبنان، الذي يعيش في أزمة اجتماعية واقتصادية طاحنة.

إصلاحات مطلوبة

اعتبرت لوري هايتايان، الخبيرة اللبنانية في شؤون النفط والغاز، أن إعلان الأردن عن نيته لتزويد لبنان بالكهرباء بعد موافقة البنك الدولي، كان جزءا من مبادرة لمعالجة مشكلة الكهرباء في البلاد، منذ أكثر من عامين، ضمن مبادرة لتزويد المواطنين بالكهرباء عبر مصر والأردن مرورًا بسوريا، بما يقارب من 6 إلى 8 ساعات كهرباء يوميًا.

وبحسب حديثها لـ “سبوتنيك”، هذه المبادرة التي تم الإعلان عنها منذ فترة طويلة، كان تعتمد على تمويل ودعم البنك الدولي، والذي وضع شروطا منها قيام لبنان بإصلاحات تتعلق بالكهرباء، لكن الحكومة ماطلت في هذه الإصلاحات، لا سيما ما يتعلق بالهيئة الناظمة للقطاع، والتدقيق المالي والجنائي على شركة كهرباء لبنان، ولم يحصل أي من هذه الإصلاحات الجوهرية المطلوبة، سوى زيادة التعريفة.

ولفتت إلى أن البنك الدولي، اعتبر هذه الإصلاحات غير كافية، لذلك لم يدعم هذا المشروع، فطالما لم يكن هناك إصلاحات في قطاع الكهرباء، أو مالية، أو رؤية اقتصادية شاملة، سوف تكون هذه الأموال دون جدوى، فتزويد اللبنانيين بالكهرباء لساعتين فقط لن يحل الأزمة، حيث يعتبر البنك أن لا جدوى من هذا القرض ويفضل أن يكون في مشروعات أخرى.

وأكدت أن الأزمة الاجتماعية في لبنان تفاقمت إلى حد بعيد، وقد يجد البنك أهمية أكبر لهذا القرض في تمويل شراء الأغذية والحاجات الأساسية ومساعدة الأسر الأكثر فقرًا، وإعطاء المال للمشاريع البديلة، وهو ما يعطي ثمارا أفضل من شراء كميات بسيطة من الكهرباء لن تغير في حياة المواطنين.

وعود أمريكية كاذبة

بدوره، يرى المحلل السياسي اللبناني ميخائيل عوض، أن البنك الدولي وصندوق الدولي من ضمن الأدوات التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية لإخضاع الأمم والشعوب، معتبرًا أن ما حدث من استقدام لهذه المسألة جاء على طريقة الوعود التحفيزية التي أطلقتها السفيرة الأمريكية وقت أزمة المحروقات والكهرباء الشديدة في بيروت، لا سيما بعد إعلان مساعي أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله لتأمين بعض المشتقات النفطية من إيران لحل الأزمة.

وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، خرجت السفيرة الأمريكية للحديث عن بذل الجهود لتأمين الغاز المصري والكهرباء الأردنية للبنان، ومن ثم انكفأت هذه الجهود على مدار عامين ونصف، تحت حجج وذرائع واهية، لكنها في مضمونها ابتزازية تحاول انتزاع مكاسب سياسية مقابل تحقيق هذه الوعود، على الرغم من أن هذه الخدمات لن تكون مجانية، حيث سيمولها صندوق النقد وتسجل كديون على لبنان.

وأكد أن إعادة طرح الموضوع مرة أخرى جاء كجزء من الإغراءات ومحاولة إيهام اللبنانيين بأن هناك رغبة أمريكية أوروبية للمساهمة في حل الأزمة اللبنانية، لكن في الحقيقة تستخدم لابتزاز اللبنانيين في مسألة الانتخابات الرئاسية، وشروط الرئيس القادم، مشددًا على أن هذه الوعود لا يمكن لأحد تصديقها مرة أخرى، ولن تثمر عن شيء.

خطة واشنطن

من جانبه، أعرب داوود رمال، المحلل السياسي اللبناني، عن تمنياته بأن يكون الإعلان الأردني نهائيا، ومكفولا بغطاء أمريكي يسهل عملية تزويد لبنان بالكهرباء عبر الخط العربي الذي يمر في سوريا، حيث ينتظر لبنان منذ ما قبل ترسيم الحدود، أن تمنح الولايات المتحدة استثناءً له من قانون قيصر، بحيث يحصل على الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، لكنه لم يحصل.

وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، سبق وأن وعدت واشنطن بأن الموافقة ستكون بالتزامن مع إبرام اتفاقية ترسيم الحدود، لكنها لم تلتزم بوعدها، واختلقت ذرائع لها علاقة بشروط البنك الدولي، وأن على لبنان القيام بإجراءات إصلاحية، منها تعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، وعلى الرغم من التزام لبنان بكافة المطالب التي طرحها البنك الدولي، بقي هذا الاستعصاء قائمًا، بسبب عدم إعطاء الضوء الأخضر الأمريكي لهذه العملية.

وقال إن هناك تحولات الآن على مستوى الإقليم، بعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، هذا الاتفاق الذي بدأ ينعكس على كل دول الإقليم، وتحديدًا العربية، فبات هناك انفتاح عربي على سوريا وتحضير لعودة العلاقات السورية العربية، وانفتاح سعودي تحديدًا، واتجاه لدعوة سوريا لمؤتمر القمة العربية الذي سيعقد في مايو/أيار المقبل، لتعود دمشق وتشغل مقعدها بجامعة الدول العربية.

ويرى رمال أن أدوات الضغط التي كانت تستند عليها واشنطن تحللت إلى حد بعيد، ولم يعد هناك هذه الحلقة المكتملة التي تحاصر سوريا وتلتزم بقانون قيصر الذي خنق سوريا ولبنان، وأدخلهما في ضائقة مالية واقتصادية ونقدية، وأفقد العملات الوطنية قيمتها الحقيقية، مضيفًا: “إذا كان الموقف الأردني مستندًا إلى ضوء أخضر أمريكي، الاستنتاج يكون أن واشنطن أعطت هذا الضوء للبنك الدولي الذي لا يقوم بأي عمل ولا يقدم أي مساعدة من دون هذه الموافقة”.

ولفت إلى أن النية الأردنية في مساعدة لبنان صادقة ولكن الوعود الأمريكية كاذبة وتخديرية للقول بأنهم يسعون لمساعدة لبنان والكل يعلم بأن واشنطن رأس حربة في الحصار السياسي والاقتصادي والمالي على لبنان، وهي لا ترى ضيرا في ذهاب لبنان للدمار الشامل، باعتقادها أنها تعيد بناءه من جديد وفق خطتها القديمة الجديدة بما يسمى الشرق الأوسط الجديد.

وتعهد البنك الدولي بتمويل الاتفاقين شريطة إجراء لبنان إصلاحات عدة في قطاع الطاقة، بما في ذلك التدقيق في حسابات مؤسسة كهرباء لبنان.

وأضاف وزير الخارجية الأردني، خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره اللبناني: “الضغوطات تستوجب تعاونا أكبر وتنسيقا أكثر مع لبنان”.

وشدد على وقوف الأردن مع لبنان “في هذه الظروف الصعبة” التي يواجهها لتجاوز أزمته، بتوجيهات من عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني.

وأكد الصفدي أنه بحث مع نظيره اللبناني بوحبيب “الآليات التي يمكن أن تستمر في دعم لبنان سياسيا في مسيرته، وتثبيت وحماية مؤسساته والتعاون الاقتصادي وفي مجالات أخرى”.

وتابع: “نريد لبنان آمنا مستقرا يوفر الحياة الكريمة لشعبه، ونأمل أن يبدأ الإصلاح من الداخل اللبناني”.

Leave A Reply