فوضى تربوية تنذر بانفجار التعليم

يشهد القطاع التربوي حالة من الفوضى تشمل المعلمين والمدارس، وتهدد استمرار السنة الدراسية. الأمر لا يقتصر على إضرابات الأساتذة والمتعاقدين التي نفذت رفضاً لمبلغ الخمسة دولارات وعلى ما اعتبروه إهانة لهم، انما تشمل الواقع التعليمي كله في ظل الازمة الخانقة وتراجع القدرة المعيشية للمعلمين والتي تعجز حتى وزارة التربية ضمن امكاناتها عن حل مشكلاته. هذه الفوضى عصفت بالرابطات التعليمية وبالمتعاقدين وأحدثت انقسامات في ما بينهم حول المطالب وطريقة مواجهة المأزق الراهن. وبينما سحب وزير التربية اقتراحه القاضي بدفع الدولارات الخمسة عن كل يوم حضور لأفراد الهيئة التعليمية، مؤكداً أنه سيواصل مساعيه مع الجهات المعنية في الداخل والخارج للحصول على دعم أفضل، فإن الفوضى التربوية مرشحة للاستمرار، طالما أن لا أموال متوافرة لدعم المعلمين.

يمكن للأساتذة الإضراب وإقفال المدارس والثانويات إلى ما لا نهاية، لكن الأمور لا تُحل بشعارات شعبوية وخطابات لا تمت إلى واقع التربية بصلة، ولا تقارب الأزمة على الرغم من أن رواتب المعلمين لم تعد تكفيهم لايام قليلة، وهو ما حدث خلال الإضراب إن كان بالاقفال الجزئي أو التام، أما الدعوات إلى إقفال المدارس في كل لبنان، فيؤدي إلى سقوط التعليم الرسمي في هوة سحيقة لا يمكن انتشاله منها بسهولة.

حالة الفوضى التي يعيشها القطاع التعليمي لا تؤسس لحركة قادرة على الجمع بين رفع المطالب وحماية التعليم الرسمي. ذلك أن التفكك الذي يصيب قطاعات الاساتذة لا يمكن أن يؤدي إلى تحسين معيشتهم وتعزيز التعليم، وهو ما يحتاج إلى إعادة تقييم أوضاع الرابطات وطريقة عملها ورفدها بما يتناسب مع الوضع القائم. إذ ليس تفصيلاً أن تصبح الادوات النقابية التعليمية بما تشمله من اساتذة ملاك ومتعاقدين تسير وفق الأهواء، وهي تحتاج إلى اعادة هيكلة وتنظيم تستطيع التصدي للأزمة بعيداً من المصالح الضيقة والحسابات الشخصية والتبعية الحزبية والطائفية.

الفوضى في القطاع التربوي وصلت إلى منعطف خطير، بفعل الأزمة والانهيارات في البلاد، ولا تتحمل وزارة التربية وحدها المسؤولية عنها ولا الاساتذة أيضاً الذين يعانون أوضاعاً مزرية، ولعل التراكمات منذ سنوات عديدة دفعت الأمور إلى ما باتت عليه اليوم من انفجار يحمله البعض لوزير التربية. لكن الواقع هو أكبر بكثير واخراج الحلول يبدو أكثر صعوبة من مجرد إطلاق مبادرات تقوم القيامة ضدها وتعتبر بمثابة الإهانة للقطاع التعليمي. فأن يتم تخصيص دعم مثلاً بـ130 دولاراً شهرياً للاساتذة، فذلك يحتاج إلى تمويل من الجهات المانحة أو أن تتحمل حكومة تصريف الأعمال مسؤوليتها بإقرار اعتمادات إذا كانت قادرة على الاجتماع دعماً للتربية، لكن هذا الأمر يبدو غير متاح إلا من خلال الجهات المانحة التي تراجعت عن الدعم بفعل مواقف سلبية من الحكومة والطبقة الحاكمة.

ليست مشكلة إذا رفض الاساتذة مبلغ الخمسة دولارات، لكن تضخيم الأمر يطرح علامات استفهام كثيرة حول أداء القطاع التعليمي وأخذ الامور نحو الفوضى والعبث بالعمل النقابي. فالحل لا يزال ممكناً رغم كل ما يحدث من خلال الارتكاز على ما تحقق في التربية من انجازات يبنى عليها. ويبدو وفق المعلومات أن وزير التربية لن يطلق أي مبادرة من دون الاستناد إلى شيء ملموس وتمويل واضح وصريح، وهو غير مستعد لتقديم وعود للاساتذة بلا أموال في الوزارة. فقد حان الوقت لتحميل الجهات المعنية المسؤولية، كي لا تبقى التربية في الواجهة أو تنفجر الامور في وجهها، خصوصاً أن صلاحياتها في الملف المالي محدودة، وهي لا تمتلك الاموال اللازمة لتأمين الدعم باستثناء بعض رصيدها. وعندما قدم وزير التربية وعداً في بداية السنة بدفع مبلغ 130 دولاراً شهرياً أخذ موافقة من الجهات المانحة بالتمويل، إلا أن هذه الاخيرة تراجعت عن وعودها، علماً أنها ملتزمة بتمويل تعليم الأولاد اللاجئين.

والمطلوب في المقابل أن تعود الأمور الى نصابها بين قطاعات االمعلمين، وإعادة تصويب التحركات، طالما ان هناك إمكان لإنقاذ السنة الدراسية.

ابراهيم حيدر – النهار

Leave A Reply