اللبنانيون والفراغ.. تعايشٌ طويل!

عبد الكافي الصمد – سفير الشمال

بعدما رفع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الجلسة العاشرة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في 15 كانون الأوّل الجاري، والتي كانت نتيجتها كالعادة الفشل في انتخاب الرئيس العتيد، لم يحدد موعداً للجلسة الـ11 المقبلة التي جرى ترحيلها إلى العام المقبل، حسب ما كان صرّح في وقت سابق، ما يعني أنّ الفراغ الرئاسي سيمتد فترة زمنية أطول، منذ أن بدأ بعد خروج رئيس الجمهورية السّابق ميشال عون من قصر بعبدا في 31 تشرين الأول الفائت بعد انتهاء ولايته الدستورية.

الفراغ في المنصب الرئاسي الأوّل في الدولة، وهو السّادس في تاريخها منذ الإستقلال، تحوّل إلى نمطٍ إعتاده اللبنانيون في العقدين الأخيرين، كلّما حلّ الإستحقاق الرئاسي، وهو فراغٌ ظهر أنّه لا يقتصر على الرئاسة الأولى فحسب، بل يبدو بأنّ السّلطة الثانية وهي السّلطة التشريعية قد أصابتها العدوى نفسها، ودخلت في مرحلة من التعطيل تكاد تشبه الفراغ.

فالفشل في انتخاب رئيس للجمهورية دفع نوّاباً إلى رفض عقد المجلس النيابي أيّ جلسة تشريعية، مستندين إلى مواد دستورية تمنع على المجلس القيام بأيّ عمل تشريعي، وأنّه تحوّل إلى هيئة ناخبة دائمة، لا عمل لها سوى إنتخاب رئيس للجمهورية، وهو أمر لا يوافقهم عليه نوّاب آخرون يرون أنّه لا يُفترض أن يكون هناك معارضة لعقد جلسات ما للمجلس النيابي لإقرار عدد من المشاريع الهامّة، تحت شعار “الضرورات تبيح المحظورات”، ما أثار سجالاً سياسياً ودستورياً لن ينتهي قبل انتخاب رئيس للجمهورية.

الفراغ إمتد أيضاً بشكل أو بآخر إلى السلطة الثالثة أو التنفيذية وهي الحكومة. فالجلسة التي عقدتها حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في 5 كانون الأول الجاري من أجل إقرار بعض البنود الملحة، لا يبدو أنّ انعقاد جلسة ثانية لها في المستقبل القريب سيكون متاحاً، في ضوء الإنقسامات ورفض التيّار الوطني الحرّ تحديداً عقد جلسات للحكومة في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، علماً أنّ الحكومة الحالية لم تجتمع منذ أكثر من ستة أشهر، ما جعل البلد في فراغ، وتحديداً في أعقاب الإنتخابات النيابيّة التي جرت في 15 أيّار الماضي، كما لم تتشكل حكومة جديدة في أعقابها برغم تكليف ميقاتي تشكيل حكومة جديدة لن تنجح المحاولات العديدة التي بُذلت في ولادتها، بسبب شروط عدّة وضعها فرقاء على صيغة الحكومة من حيث الشّكل والمضمون.

هذا الفراغ المثلث الأضلاع والمتفاوت بين الرئاسات الثلاث تمدّد إلى مؤسّسات الدولة وأغلب إداراتها، وبات يهدّدها بالتحلّل والإنهيار، وبعدما دخلت البلاد في نفق طويل من المعاناة على جميع الصعد، من غير أن تلوح في الأفق القريب أيّ بادرة بخروج البلد منه.

Leave A Reply