“خليل حاوي: الديوان الأخير “

محمود شريح – النهار

هو #خليل حاوي (1919-1982) الشاعر القدّوس كما سمّاه الشاعر المعلّم شوقي أبي شقرا في كلمته الوجيزة الناصعة على الغلاف الأخير من”خليل حاوي: الديوان الأخير “(دار نلسن ومؤسسة أنور سلمان الثقافية، 2022، في 104 صفحات من القطع الصغير وصورة غلاف لحاوي في شبابه رسمها حليم جرداق، ورسوم داخليّة للفنّان التشكيلي شوقي شمعون وصُوَر فوتوغرافية للشاعر في شبابه في الشوير وصنّين، إضافة إلى صورة لوحة تحمل رسم حاوي إلى جانب إليوت وولف على حائط جامعة كامبردج، مع كلمة للناشر سليمان بختي، وبحث مطوّل لوجيه فانوس (1948-2022)، عن الذات الإنسانية في كيان حاوي، كان كتبه د. فانوس في ذكرى غياب حاوي الأربعين مقدّمة للديوان الأخير هذا لأُستاذه، لكن القدر لم يمهلْه رؤيةَ صدورِه). هي قصائد كتبها شاعر الجسر والسندباد في رحلته الثامنة والبحّار والدرويش في سنواته الأخيرة فجاء جمعُها ثمرةَ جهد عمره عقد ونيّف، وكان لعائلة الشاعر الراحل وجمانة حاوي، إبنة إيليا، شقيق خليل، فضل في إظهارها إلى النور.

شوقي أبي شقرا، صديق حاوي منذ منتصف الخمسينات، رأى أن حاوي “لا يبكي، ولا هو من جماعة النبلاء ولا من قبيلة الدمعة على رحيل الذهب والفضّة وسائر المعادن. ولا من القوم الذين عندهم الضوء، ضوء القنديل وضوء المعرفة وضوء القصيدة تذهب في الفيافى وفي حقول الفاكهة والأشجار في فصولها”.

أمّا سليمان بختيّ فرأى أن هذه القصائد ربّما تتساوى قيمتها التوثيقية بقيمتها الفنّية، فيما شهد د. فانوس في مبحثه الرائد على غنى حاوي الثقافي ومهارته التقنيّة الفذّة في التعبير فأصبح الرمزُ عنده، كما الأسطورة عنده، عنصر تحريك وجداني عميق.

قصائد حاوي الأخيرة سجلّ حياته صوب نهايته المؤلمة فأرّخ فيها قلقه الوجودي بالنار:

لستُ أدري

كيف تصفو أسطري

صفوةَ الوهج الطري

أتراها انسكبتْ

من دفقة الينبوع

لفظاً ومعاني؟

أم تُرى صُفّيت

لفظاً ومعاني

عبر عصر يتمطّى ويعاني

ما يعانيه اجتراراً

في اجترارْ

دون طعم الملح

أو طعم البهارْ

على هذا النحو لمسَ حاوي فاجعةَ الحدث التاريخي لحظةَ لم يخرج قيد أُنملة عن تعاليم أنطون سعادة، فجاءت دواوينه الثلاثة نهر الرماد والناي والريح وبيادر الجوع تشكّل مجتمعة استعارة متصلة الحلقات لفهمه الدقيق لأسطورة أدونيس – تمّوز كما جسّدها سعادة في الصراع الفكري في الأدب السوري، مع إضافة حاوي إليها بُعداً فلسفيّاً مستمدّاً من دراسته الفلسفية وانحيازه إلى كانط في مؤلّفه نقد العقل المحض. من هنا فرادة حاوي وتمايزه على خارطة الحداثة العربية.

حاوي، شاعر الطليعة المقبلة، ضاعتْ في عينيه البراءة في عالم المدينة، وأدركَ بحدس نفّاذ أنّ علاقات المدينة هزمَته، رغم تشوّقه إلى حبّ مخلص وفيّ، فتحسّر على سالف عهد ذهبي ولّى وانكسرَ فتمزّق حاوي أسى على هزيمة الانبعاث العربي الذي طالما دعا إليه:

أتغنّينَ لنا الحبّ ونجواه ولبنَهْ

وصفاءَ الأمس في أرض السكينة

أتغنّين؟ وهل أبقى لنا ليلُ المدينة

أضلعاً تشتاقُ ما كان وتشتفّ حنينهْ

Leave A Reply