تصفية حسابات

د. نعمة جعجع – اللواء

ما يجري على ضفاف الحياة اليومية في لبنان عنوانه الوحيد «تصفية حسابات»- مبنية على مناوشات على مختلف الأصعدة- في ظلّ غياب المعالجات أو حتى المسكّنات التي تخفف من وطأة آلام اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم داخل إمبراطورية الفوضى التي يضيع فيها الحق وتسود فيها شريعة الغاب.

زعامة الفوضى معقودة للمصارف التي داست القوانين إلى حدّ لم يبلغه ظلم دولة عاتية، فتناست تلك المصارف القواعد القانونية التي ترعى «الوديعة»، وقرّرت من طرف واحد تطبيق إجراءات لم يقرّها مجلس النواب حتى اليوم، وأحلّت نفسها محلّ المشترع فاحتجزت الودائع ثم وضعت ضوابط على السحوبات النقدية حتى بالعملة اللبنانية، وها هي تتهيأ لوقف توطين الرواتب والأجور، ولا من يسأل ولا من يجيب وكأننا أمام مباريات ودّية لا اعتبار فيها للأهداف ولا حتى للتصفيق على المدرّجات.

في إمبراطورية الفوضى اكتشفنا وجود حالة من الفقر السياسي العام، وأن حالة التصحّر المناخي التي تشغل العالم قد توسّعت عندنا إلى حالة التصحّر السياسي إن لم نقل «القحط السياسي»، مقابل حالة الخيبة لدى الناس بلغت كلّ مبلغ، فلا الإحتجاجات الشعبية التي انطلقت في تشرين الأول 2019 ولا الإنتخابات النيابية التي جرت في أيار 2022 أفضت إلى نتيجة، لا بل تفاقمت الأمور واستمرّ الإنهيار ليصل إلى درجة غير مسبوقة.

إنها تصفية حسابات في السياسة أيضًا، فخلاف السياسيين على الأحجام والأوزان السياسية حال دون تشكيل حكومة بعد الانتخابات والمفترض أنه أمر بديهي، وبدل أن تعلَّق الآمال على نجاح الحكومة في وقف التدهور، بات تشكيل الحكومة أقرب إلى الحلم منه إلى الحقيقة. وتصفية الحساب السياسي باتت تنذر أيضًا بعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 71 يومًا من انتهاء ولاية الرئيس الحالي، والنتيجة واحدة تعزيز إمبراطورية الفوضى التي يعرف الجميع من أين تنطلق ولا يعرف أحد إلى أين تصل.

وهي تصفية حسابات اجتماعية لمجرّد إدارة الظهر إلى انهيار المكوّنات الاجتماعية تباعًا وارتفاع نسبة العائلات اللبنانية التي باتت دون خط الفقر، في مقابل التنازع والتشاجر حول موضوع النازحين السوريين الذين يتقاضون أموالًا شهرية بالدولار الأميركي وما قد يجرّه ذلك من ويلات على الإستقرار العام في البلاد.

فلتتوقف فورًا تصفية الحسابات في المصارف كما في السياسة قبل أن نصبح أمام تصفية الوطن وساعتئذٍ لن ينفع الندم.

 

Leave A Reply