إستعداد للمنازلة الكبرى الأحد .. وجلستان لمجلس ‏الوزراء قبل تصريف الأعمال

كرّت سبحة الانتخابات النيابية في دورتين متتاليتين في دول الاغتراب، وقد شكّلتا إنجازاً لبنانياً، في وقت تعيش الدولة أسوأ مراحلها مالياً، ولكنها نجحت في نهاية المطاف في تنظيم انتخابات الخارج، في مشهد بدا معه الحماس اللافت للمغتربين في المشاركة في انتخاب ممثليهم والتأثير في القرار السياسي اللبناني. ولم يبق سوى انتخاب الجسم الإداري غداً، تمهيداً لتولّيه إدارة العملية الانتخابية الكبرى الأحد المقبل في 15 الجاري.

قطعت الانتخابات النيابية الشك باليقين، وأسقطت انطلاقتها مقولة تأجيلها وتطييرها وترحيلها، وبدأ الكلام منذ الآن عن ثلاثة جوانب أساسية:

ـ الجانب الأول، التوازنات التي ستفرزها الانتخابات النيابية على مستويين: لمن ستؤول الأكثرية النيابية التي يتوقّف عليها إعادة إنتاج السلطة من جهة، ومدى قدرة الأكثرية الحالية في الحفاظ على أكثريتها بعد ثورة شعبية في 17 تشرين 2019 نجحت بفرض إيقاعها، وانهيار مالي غير مسبوق من جهة أخرى. والمستوى الثاني يتعلّق بالأكثرية المسيحية نيابياً وشعبياً، ومدى قدرة العهد وتياره في الحفاظ على وضعيته المتقدّمة مسيحياً، بعد كل الأزمات التي انزلق إليها البلد، خصوصاً انّ «التيار الوطني الحر» لطالما ربط الحيثية التمثيلية المسيحية بالانتخابات الرئاسية.

– الجانب الثاني، السرعة في انتخاب رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس تمهيداً للاستشارات النيابية الملزمة من أجل تكليف رئيس حكومة، وهوية هذا الرئيس ومدى قدرته على تأليف حكومة قبل 31 آب، تاريخ دخول مجلس النواب في انعقاد دائم لانتخاب رئيس للجمهورية، وذلك في ظل سيناريوهات عدة، تبدأ من عدم القدرة على تشكيل حكومة ضمن هذه الفترة ربطاً بالتعقيدات التي ستؤخِّر تأليفها، خصوصاً انّها ستكون حكومة نهاية العهد، ما يعني إدارة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية للفراغ من مربّع تصريف الأعمال، ولا تنتهي بتشكيل حكومة تستطيع تحمُّل وزر إدارة الفراغ الرئاسي.

– الجانب الثالث، كيفية تعاطي المجتمع الدولي مع مرحلة ما بعد الانتخابات ومدى تشجيعه على تسوية تعيد ترميم الوضع السياسي وتركيب السلطة، بدءاً من رئاسة الجمهورية، كما مدى استعداده على مساعدة لبنان مالياً، في ظل الكلام عن انّ الصندوق السعودي – الفرنسي سيتوسّع بعد الانتخابات ليطال قطاعات أخرى، ومدّ لبنان بسياسة صمود ودعم لتجاوز الأزمة ومفاعيلها.

وقالت مصادر متابعة لـ«الجمهورية»، انّ الانتخابات النيابية انتهت كاستحقاق تصدّر كل الأولويات منذ 6 أشهر أقله، ولكن من الصعب الكلام عن مرحلة ما بعد 15 أيار قبل معرفة نتائجها وما ستفرزه من توازنات، ليُبنى على الشيء مقتضاه. إلّا انّ الأكيد هو انّ الخطابات المرتفعة السقوف، التي شكّلت مادة انتخابية أساسية، ستخلي مكانها لقراءات هادئة تتعلق بحسابات إعادة إنتاج السلطة، لأنّ الانتخابات قد حصلت في نهاية المطاف وتشكّل طياً لمرحلة الثورة الشعبية، وتفتح الباب أمام أولوية المعالجات على أي اعتبار آخر.

وفي مطلق الحالات، فإنّ كل الأنظار هذا الأسبوع ستبقى شاخصة على استحقاق الأحد المقبل، في ظل مواكبة سياسية استثنائية وجهوزية عسكرية وأمنية فوق العادة، لإبقاء الأمور تحت السيطرة ومنع أي إشكالات، وإفساح المجال أمام المواطنين لممارسة حقهم الديموقراطي، وذلك في ظل الرهان على ان تشكّل الانتخابات النيابية انطلاقة جديدة للدولة المتعثرة منذ سنوات.

إقتراع المغتربين

وكانت وزارتا الداخلية والخارجية أنجزتا امس المرحلة الثانية والاخيرة من انتخابات المغتربين، والتي شملت قارات أوروبا وأميركا وأستراليا وإفريقيا ودولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا وباكستان، بعدما أنجزتا الجمعة المرحلة الأولى التي شملت عدداً من الدول العربية وإيران. وقد شملت العملية الانتخابية امس 48 دولة، وتمّت مواكبتها من خلال غرفة عمليات مركزية في مقر وزارة الخارجية.

عون وميقاتي والتغيير

وشدّد أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لدى وصوله الى وزارة الخارجية، على موضوع «الميغا سنتر» الذي لم يُقرّ بعد. ثم كانت له وقفة في غرفة هيئة الرقابة، واطلع على طريقة مراقبة الانتخابات في الخارج، وقال: «ما تقومون به ليس عملاً سهلاً، وإن شاء الله تتحسن الامور في الانتخابات المقبلة، بحيث تكون اسهل من اليوم، لأنّ هناك امكانية ان يكون هناك «كود» للتصويت، وتأتي النتيجة دون صناديق وأقل كلفة على الدولة. اهنئكم واتمنى ان تنتهي الانتخابات دون مشكلات او اعتراضات».

بدوره، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال لدى تفقّده غرفة العمليات في وزارة الخارجية: «من خلال التغيير الذي ينشده اللبنانيون في صناديق الاقتراع، ستنطلق عملية التعافي ويكون المجلس النيابي الجديد خيراً على لبنان». وأمل في «أن تكون خاتمة هذه الانتخابات خيراً على لبنان واللبنانيين».

وقال: «التغيير الذي تحدثت عنه هو في قدرة مجلس النواب الجديد على الإسراع في انتخاب رئيس جديد للمجلس وتسمية رئيس جديد للحكومة والإسراع في عملية التشكيل، والأهم ان يواكب المجلس الجديد عمل الحكومة في ظل التحدّيات الكبيرة، فيتكامل عمل المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة لإنهاء المسائل الاساسية والإصلاحات المطلوبة، لتبدأ من ثم نهضة لبنان».

دولار ما بعد الانتخابات

أبدت اوساط سياسية مطلعة تخوفها من المنحى الذي يمكن أن يتخذه سعر الدولار بعد الانتخابات النيابية، لافتة إلى انّ مصرف لبنان لا يزال يتدخّل لمنع انفلات السعر ولإبقائه ضمن الهامش الذي يتراوح بين 25 و 30 الف ليرة، وذلك بناءً على طلب بعض النافذين في السلطة، الذين يريدون ان يبقى الدولار تحت السيطرة، حتى لا ينعكس أي تفلت له على خيارات الناخبين في صناديق الاقتراع.

واشارت الاوساط، الى انّها تخشى ان يعود الدولار الى الارتفاع غير المضبوط الذي قد يمهّد للانفجار الكبير، اذا توقف مصرف لبنان المركزي عن التدخّل لدعم الليرة بعد الانتخابات كما هو متوقع. واعتبرت «انّ المطلوب لاستدراك هذا السيناريو ان تبادر الحكومة سريعاً الى إرسال ما تبقّى من مشاريع إصلاحية عالقة، ومن بينها مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الى مجلس النواب، قبل أن تصبح حكومة تصريف أعمال بدءاً من 21 أيار، تاريخ انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي».

وقالت هذه الاوساط، «انّ المجلس النيابي الجديد يجب أن ينكّب فور انتخابه، وبلا تأخير على درس وإقرار القوانين الإصلاحية الضرورية لإقرار الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، لأنّ من شأن ذلك وحده أن يلجم الانهيار والدولار قبل وقوع المحظور، في اعتبار انّ هذا الاتفاق سيؤسس لاستعادة الثقة في لبنان واقتصاده».

جلستان لمجلس الوزراء

وبعد إتمام المرحلة الثانية من الانتخابات النيابية في بلاد الانتشار، تعود الحركة من اليوم الى المقار الرسمية، ويبدأ تحضير جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء المقرّرة الخميس المقبل، في انتظار التفاهم بين عون وميقاتي على مكان انعقادها الذي سيكون القصر الجمهوري على الأرجح، وهو أمر سيتقرّر في الساعات المقبلة قبل تعميم جدول الأعمال على الوزراء.

وقالت مصادر وزارية لـ «الجمهورية»، انّ جلسة هذا الخميس لن تكون الاخيرة قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي واستقالة الحكومة دستورياً وتحولها حكومة تصريف اعمال، وأنّ الجلسة الاخيرة ستُعقد الخميس في التاسع عشر من الجاري، وفي القصر الجمهوري أيضاً.

مواقف

وفي المواقف السياسية، ثمّن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من بكركي، دور الحكومة والوزراء المعنيين وأركان السفارات والبعثات الديبلوماسية في حسن إدارة عملية اقتراع المغتربين في الخارج. وقال: «رأينا اللبنانيات واللبنانيين يتوجّهون إلى مراكز الاقتراع، ومعالم القهر والغضب والأمل بادية على وجوههم وفي تصاريحهم. كانوا مقهورين لأنّهم اضطروا إلى مغادرة لبنان تاركين بيوتهم وعائلاتهم. وكانوا غاضبين على الذين تسبّبوا بهجرتهم القسرية، لاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة. وكانوا متأملين بأن تساهم مشاركتهم الكثيفة في الاقتراع في التغيير السياسي، فينحسر هذا الليل الدامس وتتحسن الأوضاع ويعودون إلى لبنان». وأضاف: «في انتظار يوم الانتخاب في لبنان، ندعو المواطنين جميعاً إلى الإقبال الكثيف على الاقتراع لأنّه لحظة التغيير وإلا لات ساعة مندم».

ولفت الى انّه من «الانتخابات النزيهة تبدأ الديموقراطية الصحيحة، ومن كثافة الاقتراع الواعي والحر تستمد الانتخابات شرعيتها الشعبية مع شرعيتها الدستورية». وتابع: «لا تجري الانتخابات لاختبار مدى احترام تداول السلطة فقط، بل لاختبار مدى حيوية المجتمع اللبناني في ممارسة الفعل الديموقراطي، ومدى حماسته للتغيير السياسي. فلا يأمل شعب أن يحظى بحوكمة رشيدة إذا كان اختياره لممثليه سيئاً». واعتبر أنّ «معيار الاختيار الإنتخابي اليوم هو الوقوف أمام الأهوال والمآسي والكوارث، والشهداء والضحايا والمصابين والدمار (…) آن الأوان أن تستيقظ أيها الشعب. إنّ عملية إنقاذ لبنان الديموقراطي ممكنة، بل حتمية إذا انبثق حكم وطني جديد بعد الانتخابات النيابية، قادر على مصالحة الشعب مع دولته ومصالحة الدولة مع العالم».

عوده

ورأى متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، في قداس الاحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس، انّ «الإنتخابات فرصة للخروج من قعر الجحيم الذي وصل إليه البلد والشعب. الأحد المقبل يشكّل فرصة لكل من يؤمن بالديموقراطية لكي يعبّر عن رأيه بحرية ومسؤولية، وينتخب من يرى فيهم إمكانية الخلاص لبلدنا الحبيب. الأحد المقبل هو أحد المخلع، وهل من رمزية أسمى من أن تكون الإنتخابات في يوم تذكرنا للمخلع، من يشبه بلدنا الذي خلعته الأيدي الفاسدة، والاغتيالات الغاشمة، والسياسات الفاشلة، والانتماءات المشبوهة، والتفجير والتجويع والإفلاس».

وقال: «المطلوب من الشعب أن لا يستسلم لليأس ويتقاعس، بل أن يكتب مصيره بيديه، ويقرّر بشجاعة ما يريد وما لا يريد. فيا أيها اللبنانيون، لا تسمحوا لأحد أن يسلبكم قراركم أو يقيّد حريتكم. لا تتخلّوا عن دوركم، وعبّروا عن إرادتكم بحكمة ومسؤولية، بعيداً من الإنتهازية والإستزلام، لكي يبقى لبنان بلد الحرية والديمقراطية والإنسانية والعنفوان. أعطوا صوتكم لمن يستحقه، من أجل استرجاع الدولة وهيبتها، من أجل ضمان مستقبل أبنائكم وكرامتهم، ومن أجل أن تعيشوا في وطن لا يحكمه الفساد ولا يسوده الظلم واللامبالاة». وأضاف: «أنقذوا ما تبقّى من هذه الجمهورية باختياركم الحر والحكيم. من منكم عانى الظلم فلينتخب من يؤمن بالعدالة ويدافع عنها. من منكم قاسى مفاعيل الفساد فلينتخب من يحارب الفساد. من منكم سُرقت أمواله فلينتخب من يتحلّى بالنزاهة والشفافية».

وطنية – كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : إعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في بيان، أنّ «الحل بيد الشعب والانتخابات حرب لا فرار منها، والمصير تقرّره صناديق الاقتراع»، وقال: «لأننا في بلد يعيش كابوس أسوأ الأزمات، ولأنّ واشنطن تمنع أي مبادرة إنقاذية وتضغط على القرار السياسي وتصرّ على خنق البلد ومنع أي خيار مصيري بما في ذلك منع العرض الصيني، أقول للشعب: الحل بأيديكم، والانتخابات حرب لا فرار منها، والمصير تقرّره صناديق الاقتراع، والعين على السيادة السياسية، وبلا سيادة سياسية لا إنقاذ ولا تغيير ولا مشاريع حلول. وما نحن فيه الآن معركة خيارات كبرى، وعوكر تقود مشاريع تصفية سياسية جذرية، والمطلوب انتصار لبنان، ولا نريد بهذه الإنتخابات إعادة تدوير سياسي بل نتائج وطنية قادرة على أخذ قرارات مصيرية على مستوى الإنقاذ، وما بين لبنان الأمس ولبنان الغد صناديق».

Leave A Reply