“الصندوق” للبنانيين: تعيشون في كذبة… وميقاتي لتضافر الجهود وبناء الجسور

رضوان عقيل – النهار

خلف توقيع بعثة صندوق النقد الدولي والحكومة “الاتفاق المبدئي” جملة من العناصر الايجابية التي يمكن التعويل عليها لخروج البلد من النفق الذي يضيق على يوميات اللبنانيين واوضاعهم المعيشية والمالية المزرية. واذا كان الرئيس نجيب ميقاتي اول المرحبين بهذا التطور مع الصندوق بعد سلسلة طويلة من الاجتماعات والمفاوضات، فان هذه الرحلة لا تزال بعيدة المسافات ليحصل لبنان على ما يطمح اليه من هذه المؤسسة الدولية التي لم يعد ثمة مفر من قرع أبوابها.

ويعتبر ميقاتي، ان لبنان تم وضعه على “الخطوة الاولى” مع الصندوق وهو يحتاج الى اتخاذ عدد من الاجراءات والقوانين بغية التوصل الى توقيع الاحرف النهائية من الاتفاق المنتظر. ويُفهم من كلامه هنا ان المطلوب بناء جملة من الجسور لإنجاح هذه الخطوة التي تعدّ انجازا بغية الوصول الى شاطىء الامان، وان الامور لا تسير بـ “كبسة زر”، ولا سيما في مثل هذه الظروف الاكثر من صعبة، وان ما يشغله هو تضافر جهود جميع الافرقاء. ويقول انه تلقّى اشارات مشجعة من صندوق النقد تساعد على تجاوز الازمة بغية وضع البلد على السكة الصحيحة شرط ترجمة وتطبيق ما يتم الاتفاق عليه.

وعن العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب؟ ينطلق ميقاتي من مسلّمة ان الكتل النيابية ليست أقل حرصا من مجلس الوزراء في عملية التوصل الى الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، وان الرئيس نبيه بري وكل الكتل ستقوم بالواجبات المطلوبة حيال هذا الملف مع مؤسسة دولية في هذا الحجم. ولا يشكك في حرص النواب على المساعدة في هذا الشأن ولو كان الجميع منهمكين في الانتخابات النيابية المقبلة. ولذلك يشدد على ضرورة التكامل بين مجلسي الوزراء والنواب مع التركيز على مسألة ان الخيارات امام اللبنانيين باتت معدومة ما عدا الاستعانة بصندوق النقد والاستفادة منه.

في غضون ذلك، تركت بعثة الصندوق جملة من الرسائل التحذيرية لدى المسؤولين، فضلا عن الهيئات الاقتصادية والمصرفية والمالية حيث شددت على اتخاذ إجراءات انقاذية من دونها سيكون البلد في موقع آخر. ومن النقاط التي جرى التركيز عليها من طرف البعثة:

– لا بد من تطبيق مجموعة من الاصلاحات الضرورية، وان البلد في حاجة ماسّة اليها.

– ان الاستمرار على هذا المنوال يؤدي الى استنزاف مالي يراوح ما بين 20 و25 مليون دولار يوميا في دعم الليرة وتأمين القمح والدواء والكهرباء والاتصالات وغيرها من القطاعات.

– ان الاحتياط الموجود لدي مصرف لبنان لا يساعد على الصمود الا اشهرا قليلة، “ولمسنا تعاوناً في هذا الخصوص من الحاكم رياض سلامة وكان متجاوبا في كل ما طلبناه منه، ولا سيما ان البنك المركزي يشكل الحجر الاساس للتعاون المطلوب بين الدولة اللبنانية والصندوق”، وان الاشتباك القضائي – المالي المفتوح لا يصب في مصلحة اللبنانيين، وان كلام البعض عن استبدال الحاكم لا يخدم المفاوضات مع الصندوق ويأتي مصدره من باب الاستهلاك السياسي قبيل الانتخابات.

– من الضروري العمل على استعادة جزء من الاموال التي تم تهريبها، والتي يصفها عضو في البعثة بـ”الملوثة”، وليس من الضروري الاستماع بعد الى مقولة ان المصارف “مظلومة” وهي التي وضعت هذه الاموال في البنك المركزي وتقدر بـ 83 مليار دولار. وعندما كانت تمنح قرضا لشخص او مؤسسة كانت لا تقدم على إعطاء اي مبلغ من دون التأكد من استعادته، لكنها غرقت وطمعت بالفوائد التي كانت تحصّلها.

في موازاة ذلك، قال مسؤول في البعثة لوفد اقتصادي ان اللبنانيين “يعيشون في كذبة كبيرة منذ ثلاثين سنة، وان الهدر لم يكن في قطاع الكهرباء فقط”.

وعلى رغم هذه الصورة المأسوية التي قدمها الصندوق، الا ان بعثته تقول ان ثمة فسحة من الأمل ما زالت موجودة يمكن استثمارها للخروج من هذا النفق “اذا احسنتم تطبيق الوصفة التي نقدمها اليكم. واذا لم تلتزموها فأنتم احرار. واذا وقعتم في ازمات اكبر فلا تسألوا عن صندوق النقد”.

وجاء توقيع الاتفاق المبدئي مع الصندوق في الأيام الساخنة التي تسبق الانتخابات التي تسيطر على أجندة سائر الافرقاء في الحكومة وخارجها. ولا مانع عند الكثيرين هنا من استعمال كل الأسلحة ما دام الهدف التصويب على الحواصل الانتخابية وحجز المقاعد ولو في ظل كل الانهيارات المالية والاقتصادية في اكثر من حقل. واذا كانت ضرورات المواجهة الانتخابية تستدعي الحشد ورص صفوف القواعد، إلا ان اطلاق الاتهامات من طرف البعض واعلانه تبرئة الذمة من كل ما حصل أمر لا يقنع المواطنين. وهذا ما عمل على تسويقه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في حفل الاعلان عن لوائحه الانتخايية في “الفوروم” حيث لم يكن في حاجة الى اطلاق كل هذه الحجج والتبريرات وتوجيه السهام والاتهامات الى خصومه ليظهر امام الرأي العام ان الآخرين عرقلوا المشروع الاصلاحي الذي حمله فريقه ورئاسة الجمهورية، واراد ان يميز حزبه عن الافرقاء الآخرين وانه المدافع الاول عن حماية المؤسسات والمتصدي الاول للهدر والفساد. ولا يزال يدافع عن خطته في الكهرباء ولو أوصلت المواطنين الى هذه الخلاصة من فصول العتمة في بيوت اللبنانيين الذين اصبحوا أسرى اصحاب المولدات والتجار والمحتكرين.

وكان عنوان خطابه “ما خلونا وما خليناهم”، العبارة التي ستلازم ألسنة العونيين الى حين فتح اقلام الاقتراع.

وثمة مادة جديدة ادخلها باسيل في حملته الانتخابية وهي موضوع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقوله: “بدنا نشيلو”. وأراد من كلامه هذا ابلاغ من يهمه الامر “أنا الحكومة”.

ولم يأتِ كلام باسيل هنا من فراغ حيث يصمم بالفعل على ازاحة سلامة من موقعه ليعيّن بديلا منه من حلقته. وهذا ما يريد باسيل تحقيقه ايضا في التشكيلات الديبلوماسية قبل الانتخابات، الا ان ميقاتي تصدى له وتمسك بوحدة المعايير في هذا الملف.

وتردّ مصادر نيابية بان باسيل “يقفز بكل بساطة فوق مؤسسة مجلس الوزراء ويطيح ويثبّت من يشاء. ولذلك يجد ان سلامة مادة تساعد التيار في حملته الانتخابية وتلعب على أوتار أوجاع المودعين في المصارف. ولا يتوقف عند الدور الذي قام به البنك المركزي باشراف الحكومة في التوصل الى اتفاق الاطار مع صندوق النقد الدولي”. وتضيف المصادر: “يتناسى باسيل ايضا ان الحكومات المتعاقبة التي تمثل فيها بأكبر عدد من الوزراء المسيحيين هي المسؤولة عن مالية الدولة والموازنات وكل ما تم إنفاقه مع بقية الافرقاء، وان العونيين هم اول من يتحملون مسؤولية الهدر في مغاور الكهرباء والاتصالات والسدود ومشاريع اخرى. ولا يأتي هذا الموقف من باب الدفاع عن سلامة، لكن باسيل يتظاهر امام اللبنانيين بأنه الحريص الوحيد على الودائع في المصارف وتطبيق الشفافية والمطالبة بالتحقيق المالي”.

وتذكّر المصادر النيابية باسيل بأنه “يستغل مفاتيح فريقه في رئاسة الجمهورية لدى عدد كبير من القضاة. ولا داعي لشرح ما تقوم به القاضية غادة عون من بيروت الى باريس من تجاوزات فاضحة للقانون وتخطي صلاحياتها حيث يعمل العونيون على الإشادة بها واستثمار ما تتخذه من قرارات في معاركهم. ولا مانع لديهم من خوضها اليوم من بوابة الانتخابات ولو على حساب كل اللبنانيين”.

Leave A Reply