غوغل يحتفي بميلاد أحمد زكي ال71

مايا الحاج

هو أحمد زكي… صورته على محرّك البحث “غوغل” كفيلة بأن تبعث في قلبك شعوراً بالبهجة، والحنين. هو من الفنانين الذين يحتلّون في قلوب محبيّهم مكانة خاصة، يتداخل فيها الفنّي بالشخصي. فمن الصعب الحديث عن تجربة أحمد زكي الفنان، من دون التوقّف عند تجربته الإنسانية. من اليتم الى الفقر فالحبّ والطلاق والوحدة ومن ثمّ المرض والموت… حكايةٌ جعلته بطلا تراجيدياً بامتياز، في الواقع كما على الشاشة. بل إنّ موت ابنه الوحيد، الشاب هيثم أحمد زكي، العام الفائت، جاءت لتضفي الى حكاية أحمد زكي نفسها بُعداً اغريقياً، وكأنّ “المأساة” هي لعنة متوارثة بالجينات.

عاش أحمد زكي في قريته الزقازيق يتيماً، ثمّ جاء الى القاهرة مفعماً بحلم “السينما”، فعاش مغترباً في سنواته الأولى. تمكّن في المعهد العالي للفنون المسرحية أن يلفت انتباه أساتذته، حتى أنّ واحداً منهم وصفه بال”مريض”، وهو تعبير يستخدمه الأكاديميون للدلالة على الشخص الموهوب، أو الأصحّ “الممسوس” بالفنّ.

لكنّ موهبته لم تشفع له عند صنّاع السينما حينها، فواجهته عقباتٍ كثيرة، وتمت معاملته بشيءٍ من الازدراء، لكونّه لم يكن يُمثّل سمات “الدونجوان” أو البطل النمطي في الأفلام. وفي كثيرٍ من حواراته، كان يستعيد حكاية فيلم “الكرنك”، هو الذي تمّ ترشيحه لأداء دور إسماعيل الشيخ، قبل أن يُستبعد بسبب “شكله” فقط. “السندريلا سعاد حسني تحبّ الولد الأسمر دا؟”… هكذا جاءه الرفض، وطار منه “دور” حياته، بعدما قرّر كبير المنتجين رمسيس نجيب أن هذا الفتى الأسمر لا يليق ب”الجميلات”، ولن يكون “نجماً” على الإطلاق. هذا الحدث حفر عميقاً في داخله، وظلّ يستعيده ليقول إنّ حكايات المجد قد تبدأ أولا بكثيرٍ من الخيبات والخسارات والانكسارات.

بعد حلم “الكرنك” الضائع، ساندته سعاد حسني وأصرّت عليه في فيلم “شفيقة ومتولي”، وإن بدورٍ ثانٍ. استطاع أحمد زكي أن يُحوّل غضبه الدفين الى طاقةٍ انفعالية ليكشف عن موهبته الاستثنائية. وشكّل من ثمّ ثنائيته الرائعة مع “السندريلا” في أعمال مثل “موعد على العشاء” الى فوازير “هو وهي” وفيلم “الراعي والنساء”…

هكذا، استطاع الفتى الأسمر الهزيل، من أن يُحطّم قوالب جامدة وضعتها السينما على مدار عقود طويلة. وتمكّن، عملاً تلو آخر، أن يصبح “نجماً”، بل رمزاً للوسامة والرجولة. وصار معشوق الجميلات من سعاد حسني الى نجلاء فتحي وميرفت أمين ونبيلة عبيد ومديحة كامل ويسرا وغيرهن…

وكان لافتاً في مرحلة لاحقة من أفلامه اختيار بطلات “شقراوات” بعيونٍ ملوّنة، وكأنّه كان ينتقم من تلك الأفكار التي حكمت المجتمع والسينما، فاشتهرت ثنائياته مع رغدة (شاركته أكثر من أربعة أفلام أشهرها “استاكوزا” و”الأمبراطور”)، وشيرين رضا في “حسن اللول” و”نزوة”، وشيرين سيف النصر (سوّاق الهانم…)، والتي حكي عن علاقة عاطفية جمعتها بالفنان أحمد زكي…

وتبقى حكاية زواجه من الممثلة الراحلة هالة فؤاد من محطات حياته الأساسية. أراد أن يبني معها عائلة كبيرة تُشعره بدفء الأسرة المصرية التي حُرم منها. لكنّ طلاقهما حطّم أمنيته، وأدى الى تشظيه نفسياً، خصوصا أن إحساساً بالندم اعتراه جرّاء هذا الطلاق.

وهرباً من الوحدة، اختار أحمد زكي أن يعيش في “الفندق” بدلا من منزلٍ فارغ من العائلة. وجاء رحيل هالة فؤاد في عزّ شبابها ليضفي بُعداً تراجيدياً الى حياته.

ومن تابع ما قاله أحمد زكي أو ما قيل عنه، يُدرك أنّ وجوده الحقيقي كان مقتصراً داخل مساحات التصوير. خارج هذا الإطار، كان يشعر بشيء من التلاشي، إذا لم نقل العدم. ولعلّ هذه المشاعر رافقت فنانين عالميين اعتمدوا بشكل كلّي على الأداء الجوّاني، وعلى تعابير داخلية تنبع من الروح. ويعدّ أحمد زكي أهم من قدّم أسلوب التقنية السيكولوجية في السينما المصرية، بحيث كان يتسّم بسمات الشخصيات التي يؤديها ويعيش حياتها ومشاعرها كأنها حياته الخاصة ومشاعره. وهو أثناء أدائه دور أنور السادات مثلا، صار يتحدّث بصوت السادات وطريقة كلامه ويتصرّف، حتى وهو خارج التصوير.

لم يُحدث أحمد زكي إذا ثورةً في معايير “الوسامة” فقط، وإنما قدّم مدرسة جديدة في فنّ التمثيل، اعتمد فيها على صناعة الدهشة. وهذا ما قاله الراحل عاطف الطيب عنه، مبدع السينما الواقعية المصرية: “أحمد زكي يُعطيني أبعد بكثير مما أتخيّل”…

بعد خمسة عشر عاماً على رحيله، يحتفي محبّوه بذكراه ال71… هكذا هو الفنان الحقيقي، لا يسقط في ظلمة النسيان، ولا العدم. يرحل ويبقى اسمه حيّاً، صاخباً، ومشعّاً بين الناس.

 

المصدر:”النهار العربي”

Leave A Reply